12 أبريل، 2024 7:40 ص
Search
Close this search box.

العراق وسياسة ابتلاع الدولة

Facebook
Twitter
LinkedIn

في علم السياسة والتحضر والتمدن ورد بمعنى مختصر ومفيد ان الدولة تبنى لحماية حقوق العامة من اصحاب الدخل المحدود والفقراء والمحتاجين من السيطرة المتوحشة للاثرياء واصحاب الاموال، وبالحقيقة لم تبنى الدولة لحماية مصالح الاغنياء والاثرياء لانهم بامواله قادرون على توفير كل شيء لهم، بينما العامة لضعف حالتها المالية لا تقدر على توفير مستلزمات الحياة والمعيشة، لهذا جاءت الدولة لرعاية العامة وتنظيم الخاصة من الاقلية الثرية الجائرة للسيطرة على وحشيتهم وجشعهم وتسلطهم.
ولكن في االعراق وفي اقليمم كردستان، فان الدولة لم تبقى لها وجود سياسي ولا انساني، فهي قد ابتلعت من قبل الاثرياء الفاحشين من الساسة الفاسدين المارقين، والتوازنات القائمة في ظل الدولة لاقامة المساواة والعدالة بين المواطنين جميعا وبين العامة والخاصة قد تلاشت ايضا تماما، وتهاوت ايضا ارداة حماية حقوق العامة من سطوة الخاصة، فالاخيرة باتت تسيطر كليا على الهيكل المنخور القائم للدولة الهشة، ولكن الجديد في المنظور السياسي ان السلطة القائمة عليها مسخرة فقط تماما لخدمة ورعاية مصالح الاثرياء والاغنياء الفاحشين، والدولة الموهومة مبتلعة كليا من قبلهم ولا حضور لها ولا ارادة لها الا لخدمتهم وذلك من خلال نهب مواردها وثرواتها وممتلكاتها، وما الحكم الفاسد القائم عليها الا نموذج صارخ للنظام الاكثر فسادا الذي يسرق باستمرار جميع حقوق العامة دون استثناء وبارادة راسمالية جشعية كاملة.
والدليل على ابتلاع الدولة من قبل الاقلية الخاصة التي تملك كل الارادات السياسية الحاكمة الفاسدة، هو ما حصل في حكومة الكاظمي ووزير ماليته العلاوي، حيث تم بقرار جائر وعدواني وعاصب لحقوق الاغلبية الفقيرة من العراقيين ابتلاع الدينار وانزال قيمته النقدية والشرائية لصالح رفع الدولار الامريكي لرعاية مصالح الاقلية الحاكمة في بغداد واربيل والتي تملك تسعين بالمئة من حجم الكتلة المالية بالعراق.
فخلال فترة اقل من تسعين يوما فقدت العملة العراقية ستين بالمئة من قدرتها وقيمتها الشرائية، والحكومة تفتخر بذلك وتبرر ذلك انها انقذت الاقتصاد على حساب الغالبية من الفقراء في العراق والاقليم، وتتحجج انها وفرت اكثر من عشرين مليار دولار لتقليل العجز المالي في الموازنة السنوية العامة، ويبدو ان السياسة المالية السائدة مبنية على حساب الحاق الضرر الهائل المتعمد بالحالة المعيشية والحياتية للغالبية العظمى من العراقيين الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري ربع مليون دينار.
ومهما يكن من تبريرات اقتصادية ومالية وسياسية للجوء الحكومة ووزارة المالية لتخفيض قيمة الدينار مقابل رفع سعر الدولار الامريكي، فان النتائج السلبية القاتلة التي تمخضت عنها تعتبر بالحقيقة بكل الحسابات القانونية والدستورية والانسانية جريمة كبرى مع سبق الاصرار ارتكبت بحق العامة وخاصة الفقراء منهم والمحتاجين والمستضعفين من العراقيين في عموم المحافظات وفي اقليم كردستان.
وحسب الموازنة السنوية العامة لسنة 2021 فان الاجمالي يبلغ 129 تريليون دينار والعجز يبلغ 28 تريليون، وبهذا الرقم يصيب كل فرد حوالي 3 ملايين دينار كدخل سنوي، ولكن لا احد يستفيد من هذا الدخل لانه لا يدخل جيب اي عراقي، والمستفيدون من الموازنة هم فقط القوى العاملة الرسمية بجميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والبالغ عددهم حوالي 4 ملايين موظف مدني وعسكري حسب جدول القوى العاملة المرفق مع نص قانون الموازنة.
وهذا يعني بالمنظور العميق للسياسة والمال، ان لا مجموعة سكانية غير القوى االعاملة مستفيدة من الموازنة السنوية الاتحادية المقدرة على اساس عدد سكان البلاد حوالي اربعين مليون نسمة، وان نسبة الاستفادة السكانية لا تبلغ اكثر من عشرة بالمئة، اجل عشرة بالمئة، واما الحقوق المادية الدستورية للنسبة الباقية تسعين بالمئة فلا يعرف اين تذهب، واين ترحل، واين تسوق، واين تصرف، وهذا يبين لنا كم الدولة مبتلعة، وكم ارادات الشر مسيطرة على مصير العراقيين من الشيعة والسنة والكرد، وكم ارادات الخير غائبة، وكم النظام القائم مسخر لخدمة الاقلية الحاكمة المارقة الفاشية، وكم الاغلبية محرومة من حقوقها، وكم العراقييون مخدوعون بالحكم والانتخابات والديمقراطية المزيفة المفروضة عليهم لحماية كراسي العصابات والمافيات السياسية الحاكمة وهي الاقلية المتسلطة.
والمشكلة الاكثر ايلاما ان العراقيين اصابتهم طعنات اقتصادية عديدة من جراء الخطوة العدوانية المدمرة بخفض سعر الدينار، وهي خطوة غير مشهودة لها في تاريخ العراق، حيث نتج توازيا مع خطوة رفع سعر الدولار الامريكي مقابل الديناار العراقي بنسبة 20%، زيادة في اسعار الارزاق والمواد الغذائية والادوية والعاقير الطبية بنسبة 25%، وزيادة في اسعار الخدمات العامة بنسبة 15%، وبالتالي وصلت نسبة الفقدان الحقيقية للقدرة الشرائية للدينار الى 60% بالتمام والكمال، وهذا يعني ان الرواتب عندما توززع هي بالحقيقة بنسبة 40% من القيمة النقدية الشرائية لها في الاسواق، وهذا يبين ان المجموعة المافيوية من الحكومة والاحزاب والكتل النيابية والاثرياء الفاسدين قد سحبت وامتصت 60% من القيمة النقدية من جيوب المواطنين دون اي مجابهة بالعنف، وهذه الخطوة تحمل قدرا عاليا من الذكاء الشيطاني، خاصة وانها تتزامن مع زيادة نسبة رفع سعر الدولار بنسبة 5% كل شهر، وبالتالي وبهذا الدهاء الشرير فان سعر صرف الدولار من المحتمل جدا ان يصل الى 1600 وثم الى 1800 وثم الى 2000 وثم الى 30000، وهذا الاحتمال قريب ليس ببعيد، لان الفئة المتسلطة الحاكمة والبيئة السياسية التي زرعت بعد الفين وثلاثة لا تحمل اية بذرة وطنية، وهي خالية من كل المعاني الانسانية، وهي التي جردت الدولة من ماهيتها وادواتها وابتلعتها تماما، لكي لا يكون لها اي حضور باسم بلاد الحضارات.
حسبنا الله ونعم الوكيل، والله من وراء القصد..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب