يعيش العراق حالة من التذبذب السياسي والاقتصادي وتآكل مؤسسات الدولة مع تغوّل منظومات الفساد وسط معاناة مجتمع أنهكته الصراعات والانتقالات المتعثرة. خلال هذه المرحلة وهذا المشهد المعقد يطرح كثيرون اليوم سؤالاً جوهرياً: هل يستطيع رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني قيادة البلاد نحو إصلاح حقيقي أم أنه مجرد حلقة أخرى في سلسلة إدارة الأزمات لا معالجتها؟
أولاً: جسور الثقة بين الحكومة والمجتمع
العلاقة بين الدولة والمواطن في العراق هشّة إلى حدٍ بعيد. الحكومات المتعاقبة لم تستطع تحويل الدولة من إطار بيروقراطي هش إلى مؤسسة فاعلة تخدم المواطن وتحمي مصالح عموم المواطنين. مجاميع في المجتمع ترى في الدولة مصادر ارتزاق وانتفاع ونسبة كبيرة ترى العكس وأنها تهديد في ظل تفاوت العدالة الاجتماعية وسوء توزيع الثروات وارتفاع معدلات البطالة والتراجع الحاد في الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم.
إن غياب الرؤية الاستراتيجية الشاملة وافتقار الحكومات إلى مشروع وطني عابر للطائفية والمحاصصة ساهم في زيادة الفجوة بين المجتمع والحكومة. وحتى اللحظة لم ينجح أي رئيس وزراء بشكل جذري في استعادة هذه الثقة.
ثانيًا: دكاكين الارتزاق… اقتصاد طفيلي يدير الدولة
مصطلح “دكاكين الارتزاق” يُشير إلى تلك القنوات غير الرسمية التي تُمكّن أفراداً أو جماعات من الاستفادة من موارد الدولة دون إنتاج حقيقي. تشمل هذه النوافذ الوظائف الوهمية وتفشي الرشوة – العقود الحكومية الفاسدة – الامتيازات الحزبية والتحاصص الطائفي في الوزارات والمؤسسات.
لقد تحوّلت الدولة العراقية إلى ما يشبه “اقتصاد الارتزاق”، حيث تُستخدم الوظيفة العامة كوسيلة للولاء السياسي لا كخدمة للمواطن. والنتيجة؟ تضخم القطاع العام واستنزاف الميزانية وغياب الكفاءة وتراجع مستوى الخدمات.
ثالثاً: الخيانة والفساد… وجهان لعملة واحدة
الفساد في العراق لم يعد مجرد ممارسات فردية أو تجاوزات قانونية بل أصبح منظومة متكاملة لها مراكز قوى وحماية سياسية وقواعد اجتماعية. بل يمكن القول إن الفساد تحوّل إلى بنية حكم لا مجرد انحراف.
أما الخيانة فانها تكمن في استخدام مؤسسات الدولة ومقدراتها لصالح أجندات خارجية أو لمصالح فئوية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية. وهذا ما جعل الكثير من المواطنين يشعرون بأن الطبقة السياسية لا تمثلهم بل تمثل مصالحها ومصالح الداعمين لها في الخارج.
رابعاً : المهندس محمد شياع السوداني.
هل هو قائد إصلاحي أم إداري تقليدي؟
تسلّم السوداني رئاسة الحكومة في وقت بالغ الحساسية محاطاً بتوازنات سياسية دقيقة وضغوط شعبية هائلة وملفات متراكمة ومعقدة. وقد طرح نفسه كوجه إصلاحي وبدأ ببعض المبادرات المهمة، مثل:
– محاولات مكافحة الفساد عبر هيئة النزاهة وبعض الحملات القضائية.
– الانفتاح على دول الجوار بطريقة متوازنة وبالخصوص نجاحه في موضوع القمة العربية في بغداد.
– إطلاق مشاريع خدمية وتنموية في بعض المحافظات.
لكن رغم هذه التحركات، فإن السؤال المطروح هو: هل السوداني يمتلك الإرادة السياسية الكاملة لتفكيك منظومة الفساد؟ وهل يستطيع مواجهة الأحزاب النافذة التي تمسك بمفاصل الدولة؟
حتى الآن يَظهر السوداني أقرب إلى”الإداري الحذق” منه إلى “المُصلح الجذري”. فهو يعمل ضمن حدود النظام القائم دون تهديد مباشر له وهذا ما قد يضمن له الاستمرار لكن لا يضمن التغيير.
خامساً:ما يجب فعله في الطريق إلى الإصلاح؟
إذا أرادت حكومة السوداني أن تدخل التاريخ كحكومة إصلاح حقيقي لا مجرد إدارة أزمة فعليها أن تتبنى عدداً من الإجراءات الجوهرية، منها:
1. تحرير القضاء من هيمنة الأحزاب ليكون قادراً على محاسبة الفاسدين أياً كانت مواقعهم.
2. إعادة هيكلة الاقتصاد من اقتصاد ريعي إلى إنتاجي مع التركيز على الزراعة والصناعة والطاقة المتجددة.
3. محاربة أفة الرشاوي بشكل جذري ومنع استغلال الأعراف العشائرية.
4. قانون انتخابي عادل يمنح تمثيلاً حقيقياً للمجتمع وليس للكتل السياسية التقليدية وتحديد صلاحيات مجالس المحافظات.
5. تحقيق مصالحة وطنية شاملة تُنهي منطق الإقصاء الطائفي والمناطقي.
خاتمة
رئيس وزراء العراق السيد محمد شياع السوداني يقف عند مفترق طرق فإما أن يختار طريق الإصلاح الجريء مع فريق عمل كفوء ونزيه والذي يضعه في مواجهة منظومة الفساد وإما أن يختار المسير على خيوط التوازن السياسي محاولاً إرضاء الجميع دون إنجاز حقيقي.
العراق لا يحتاج إلى شعارات جديدة بل إلى مشروع وطني جذري يعيد بناء الدولة على أسس المواطنة والعدالة والكفاءة. فهل يكون السوداني رجل المرحلة ويكون الزمن كفيل بالإجابة.