23 ديسمبر، 2024 9:36 ص

العراق ..وداعش.. والمؤتمر الدولي..والأفكار المتطرفة..وكيفية مواجهتها

العراق ..وداعش.. والمؤتمر الدولي..والأفكار المتطرفة..وكيفية مواجهتها

تؤكد معظم الدراسات والبحوث النفسية المهتمة بشؤون الإعلام والحرب النفسية أن مواجهة الأفكار المتطرفة ، أينما كانت توجهاتها وأغراضها، تبقى من أصعب المهام التي تواجه المهتمين بمواجهة الحملات الدعائية للتوجهات المتطرفة، لكون النظام السياسي العراقي الحالي ومنذ وجوده عام 2003 يفتقر الى (وحدة الفكر والرؤية) وهو (مشتت الولاءات) ، و(تصطرع) على أرضه جهات إقليمية ودولية ومحلية ، كل لها أجندتها وتوجهاتها وأهدافها، التي قلما يوجد (قاسم مشترك) يجمع بينها من أجل الحفاظ على نظامها السياسي ، برغم كل الدعم الدولي ودعم الولايات المتحدة الواسع النطاق لهذا النظام ، وهي من وضعت له المرتكزات كي يبقى حتى الان.

ومن خلال دراساتنا ومتابعتنا المعمقة والطويلة لحملات الحرب النفسية التي إستمرت لعقود ، وكيفية مواجهتها ، فإننا نحتاج الى مهارات فائقة وخبرات غاية في الدقة والقدرة على إبتكار الصيغ والأساليب في كيفية وضع (خارطة طريق) و(إستراتجيات مواجهة) لايكون طابعها (سياسيا) في المقام الأول ، وإنما (مهنيا) و (عملياتيا) ووفق خطط محكمة ، لاتستند على (الإنتقائية) ولا تستند فقط الى حالات (الثأر) و (الإنتقام) ذات الطابع السياسي، بقدر ما ترسم (ملامح تحرك) ذات فاعلية عالية لكل الأنشطة المتقاربة في التوجهات والأهداف، حتى لاتفسر عمليات المواجهة أنها تهدف لأغراض ذات طبيعة سياسية ، في إستهداف الآخر فكريا وأمنيا ، بل هي (محاولات جادة) لمواجهة كل الأفكار المتطرفة، بكل أنواعها وتوجهاتها، كونها (متشابهة) في التوجهات ، حتى وإن إختلفت في الأهداف والمنطلقات التي يسعى كل منها الى تحقيقها خدمة لأغراضه.

ولمناسبة إنعقاد المؤتمر الدولي الرابع لمكافحة إعلام داعش وفكره ببغداد للفترة من 20 – 21 شباط من عام 2019 لابد وأن نضع أمام المعنيين بمتابعة حملات من هذا النوع ، جملة منطلقات (تكتيكية) و(ستراتيجية)، ترسم معالم الطريق الأمثل لمواجهة حملات دعائية شرسة تستخدم فيها مختلف أنواع الخبرات الفكرية والمعرفية والأكاديمية والتقنيات ذات المستويات العالية لمواجهة حملات من هذا النوع، وعلى الشكل التالي:

1. أن يتم تحديد طبيعة التوجهات الدعائية للجماعات المتطرفة بكل مستوياتها وتوجهاتها المجتمعية (السياسية) و(الطائفية) و(العرقية) و (الأتينية) و(القومية) ، ونتعامل معها بشكل متساو مسبقا قبل إعداد (خطط المواجهة)، حتى يسهل (تفكيك) توجهاتها في وقت لاحق ووضع الخطط الكفيلة بمواجهتها بصورة (شمولية) وليست (مجتزأة) أو (إنتقائية) ، إن أردنا أن نضع (خططا ستراتيجية حيادية) حتى لانعطي للطرف الآخر (مشروعية) لتوجهاته التخريبية التي تستهدف تقويض النظام السياسي، ومتى إبتعدنا عن (الأنانية) و(الشخصنة) و(الانحياز الأعمى) فقد إفتقدنا الى الخطوات العملية لمواجهة الأفكار المتطرفة ، وجرى التركيز على (فكر) أو (جماعة) بعينها ولا ينظر الى (الطرف الآخر) الذي لايختلف في بعض التوجهات والأهداف عن أفكار وتوجهات أية جماعة متطرفة او تدخل ضمن هذا التصنيف، فـ(الارهاب) متعدد الأوجه ، وهو يساير توجهات مجتمعنا بطوائفه وقومياته واديانه ومذاهبه، بل أنه ليس بمقدورنا ان نوفق في مواجهة (فكر متطرف) من طرف واحد، ونترك (الطرف الآخر) يمارس إرهابه على هواه، لكون انتماءه السياسي أو المذهبي يتوافق معنا ، ونغض بالتالي النظر عن مواجهته، وهو نفسه الذي سمح للارهاب المتطرف أن يتعشعش بين أوساط مجتمعنا وهو يخوض (معركة مواجهة) لها كثير من الاهداف المتقاربة في التوجهات والخطط والأهداف،ولكن بدعم من جهة أقليمية ثانية، وقد (تتعارض) الإرادتين في التوجهات والمنطلقات، لكن هدف أي توجه ارهابي هو واحد، بعض النظر عن دينه او مذهبه أو عقيدته السياسية، وإن أية (معالجة إنتقائية) قد توسع من نطاق الارهاب، ولا تضع حدا له ولا لمحاولاته الرامية الى تبديل خططه بما ينسجم مع التوجهات التي تعرقل خططه وبلوغه الأهداف التي يبحث عن الوصول اليها، وبالتالي يبقى (الصراع) محتدما بين كل (التوجهات المتعارضة) وتلك التي تدخل ضمن تصنيف (الجماعات الارهابية المسلحة) وتلك التي تصنف بانها (خارج القانون) أيا كانت توجهاتها وحملاتها الدعائية وأشكال الاستهداف التي تخطط لها وتسعى لإلحاق أكبر الخسائر بالطرف الآخر.

2. ان الفكر الداعشي هو فكر حديث التوجهات ، وإن إستند الى معطيات دينية وفلسفية ومذهبية ، وقد ترعرت جذوره خارح الوطن، على شاكلة كل التنظيمات الارهابية التي نمت هي الاخرى خارج العراق، وتوافقت مع الأجنبي لخدمة أجندته وأهدافه، ولم تكن لديها توجهات وطنية في الأغلب ، وكانت تخدم رغبات وأجندة شخوص ، وهي نفسها التي إتخذت من (التطرف المذهبي) وسيلة لمحاربة الآخر ، وقد نفذت رغبات خارجية مختلفة ، بعضها بدعم من دول الجوار وأخرى من قوى دولية تجد في وجود تلك الجماعات فرصتها لإحداث (صراع مذهبي) إستعرت نيرانه، وكاد يحرق الأخضر واليابس وتعريض مستقبل العراق الى مخاطر كارثية، لولا تدخل بعض الجهات المحلية وبدعم دولي لترويض توجهات بعض الجهات المتطرفة من كلا التوجهين المتعارضين، والعمل على تخفيف حالة الاحتقان مرة، وفي أخرى إشاعة أجواء الشحن والاصطراع لتفعل فعلها في الواقع العراقي، وتسير به الى مستقبل غامض يكون العراقيون وقود حربها الطائفية المقيتة، وما زالت نيران تلك التوجهات المتطرفة تسير بخطى متقاربة في التوجهات والأغراض، برغم كل محاولات التضييق الدولي عليها، لكي تقلل قدر الإمكان من أن تفرض هيمنتها على مقدرات الأوضاع في العراق.

3. إن مبررات بقاء الفكر الداعشي هي نفسها التي تترك للجماعات المسلحة الأخرى لأن تفرض سطوتها على الواقع العراقي ، وبدون ان يتم وضع حد لهيمنة تلك الجماعات بكل توجهاتها أمام قانون واحد وتطبيق موحد ، فلن يتم إيجاد حلول (منطقية) لمواجهة الفكر الداعشي، الذي تحول هو الآخر الى أن يتغلغل بين صفوف الطرف الآخر الذي راح يدعم توجهاته لإبقاء (فرضية وجوده) قائمة هي الأخرى، فبدون وجود داعش لن يبقى مجال لوجود تيارات متطرفة من الجانب الآخر، ولهذا فإن هناك مايشبه (الحلف غير المقدس) بين كل التيارات المتطرفة أيا كانت توجهاتها وأهدافها ، وكما قلنا أكثر من مرة فإن لديها (مشتركات للبقاء) مادامت تحاول كل منها أن تفرض نفسها على ساحة وجودها، غير آبهة لمحاولات تقويضها او تقليم أظافرها، وهي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لكي تبقى هي (المهيمنة) في نهاية المطاف، وهي لاتعترف بدولة أو بنظام سياسي الا ما يتفق مع أهوائها وامزجتها ورؤاها، ومن يخالفها المنهج فأنها (تصطرع) معه حتى وان كان من نفس جنس فصيلتها أو مذهبها.

4. ولهذا فإن الواجب الوطني والأخلاقي يقتضي دراسة توجهات كل الأطراف المتطرفة ، والوقوف على سبل محاربتها ككيانات تعمل (خارج اطار الدولة) ، وتكليف باحثين وخبراء دعاية وحرب نفسية لديهم مؤهلات وخبرات متراكمة بوضع (خارطة طريق) يمكن أن تكون (ستراتيجية مواجهة شاملة) إن أريد للفكر المتطرف ان يتم تقويض دعائمه والحاق الهزيمة الكبرى به، وبدون ذلك تبقى كل المحاولات (ترقيعية) وليست خططا عملية للقضاء عليه والعمل على زحزحة مرتكزات وجوده أينما يكون وعلى أية بقعة من أرض العراق ، وفي خارجه.

5. إن الجهات الدولية وأجهزة مخابراتها وبضمنها الولايات المتحدة ، لايروق لها أن يتم القضاء على الجماعات المتطرفة وبضمنها الفكر الداعشي، بل ترى في وجودها وتقوية هذا الوجود فرصة أن تبقى هي (المهيمنة) على مقدرات العراق ودول المنطقة، ولهذا فأن جدية (المؤتمرات الدولية) غير واقعية ، ولن تكلف نفسها البحث عن (حلول منطقية) لمواجهة داعش ، لكون أغلب تلك الدول (متورطة) بصورة أو بأخرى في دعم تلك الجماعات، او على الأقل توفير (البيئة الآمنة) لتوسع نفوذها وظهورها كلما سنحت الفرصة لذلك.

6. أن لا نعول على (المؤتمرات الدولية) كثيرا في مواجهة التنظيمات المتطرفة بكل مسمياتها وعناوينها وفصائلها، فالجماعات الارهابية تعشعش داخل بلداننا ، وعلى مقربة من حدودنا الإقليمية ، وهي من تجد في ساحاتنا الارض الخصبة للنمو والانتشار، وهي لن تشكل (مصدر تهديد) لدول اخرى ، مثلما يبقى بلدنا مصدر التهديد الرئيس والساحة الرحبة لعودة خلاياه النائمة والمستيقظة كلما سنحت الفرصة للظهور، وعلينا أن نهتم بالخبرات العراقية قديمها وحديثها فهي الكفيلة بوضع (خطط المواجهة الشاملة) ، وكل ما يسفر عن مقررات ذات (طابع دولي) هو مجرد محاولات لذر الرماد في العيون، ليس إلا.

7. إن تعدد الجهات الأمنية التي تتابع هكذا أنشطة إرهابية في العراق هي من تضعف سبل المواجهة وهي من تحول دون وضع (ستراتيجية تحرك موحدة) ، وتجد فيها قوى الإرهاب فرصتها لتقويض أسلحة مواجهتها، بل وتبادر هي الاخرى لإبتكار خطط مواجهة مضادة ، مادامت مقتنعة بأن تعدد الجهات التي تابعها ، غير موحدة الارادة والفكر والتوجهات، ولهذا تجد في تعدد الجهات الأمنية والعسكرية فرصتها للبحث عن طرق أخرى بديلة لتحديث أنشطتها، بما يتلائم وأهدافها، وتبقى كل محاولات رصدنا لها (مشتتة) وغير عملية.

8. إن طبيعة النظام السياسي المتشت الولاءات هو الآخر والمصطرع على طول الخط في العراق لا يشكل (بيئة مناسبة) لمواجهة التوجهات المتطرفة، وهي تجد في (تناقضات) النظام السياسي والفساد المستشري (حد العظم) في جسد الدولة العراقية، فرصتها (المثالية) للانتشار والعودة للعمل بفاعلية على الساحة العراقية ، وتنفيذ خططها (الإستباقية) وتبقى كل الأجهزة الأمنية والعسكرية في حالة (الدفاع السلبي) ، وليس (الهجوم) الفاعل أو المؤثر، ما يسهل على تلك الجماعات الارهابية أن تجد ساحة رحبة لتوجهاتها، وهي تنفذ عملياتها الارهابية ، على راحتها، وبوحي من أطراف تهيىء لها الفرصة للعودة الى المواجهة ، كلما وجدت أن الفرصة سانحة أمامها لالحاق أكبر الخسائر بالنظام السياسي الحالي وتقويض دعائمه، مادام هو الآخر في (تعارض) مع توجهات شعبه ، ولم يكن بمقدوره بكل رئاساته الاربع ومؤسساته الأمنية والعسكرية تحقيق (الحد الأدنى) من طموحاته في العيش الآمن الكريم.

هذه هي مرتكزات أساسية وخطوط عريضة لأية (ستراتيجية شاملة) لكل مؤتمر دولي أو إقليمي أو محلي، يسعى الى محاربة الارهاب والتطرف بكل أشكاله، وإن إقتصار المؤتمر الدولي على محاربة الفكر الداعشي يعطي المبررات للتوجهات المتطرفة الأخرى أن تنشط هي الأخرى، إن لم تواجه ( كوابح) تحول دون عودتها مرة أخرى.