بعد المخاض العسير بين القوى الغربية وايران والذي أسفر عن الاتفاق النووي (5+1) بانت ملامح الخارطة المستقبلية لعموم منطقة الشرق الأوسط ، فبعد ان أعلن عن الربيع العربي في الشرق الأوسط ، وأطلقت يد داعش في المنطقة تمددت هذه القوى الارهابية في عموم المنطقة ، حتى صارت تهدد الدول والبلدان المتماسكة سياسياً ، وظهرت ملامح هذا الخطر من خلال التفجيرات التي ضربت دول المنطقة الإقليمية ، وذهبت ابعد من ذلك حتى صارت المدن الغربية مرمى لاهداف داعش ، حتى أعلن عن قيام الدولة الداعشية في العراق والشام ، وسقوط نصف البلاد بايديهم ، وممارستهم الحكم في المدن التي سقطت بايديهم ، وهو ما يثير تساؤل ؛ عن الغاية التي من اجلها ظهر هذا التنظيم الارهابي ، والدعم المقدم له ، خصوصاً وانه يتمتع بهيكلية عسكرية معقدة ومتشعبة ، ويمتلك موارد دعم رهيبة تصل آلى ميزانية دول في المنطقة .
الدعم الكبير المقدم لهذه العصابات الارهابية جعلها تتمدد بصورة مخيفة ، وأصبحت تهدد كيان الدولة وعاصمتها المركزية بغداد ، الامر الذي جعل الإمكانيات العسكرية والبشرية تقف عاجزاً امام تمدد داعش ، ولولا فطنة المرجعية الدينية العليا وإصدارها فتوى “الجهاد الكفائي ” لكان الوضع غير الوضع ، فتشكلت على اثر ذلك سرايا المتطوعين ، وتصديهم اللافت في جبهات المواجهة مع هذه العصابات ، والتضحيات الكبيرة التي قدمها المتطوعين في دفاعهم عن مدنهم التي دنسها هذا الارهاب المصطنع والذي انكشف القناع عنه ، بعد تراجعه على اثر الضربات الموجعة التي وجهت الى قيادات التنظيم ، وقتل الالاف منهم ، وتشكيل التحالف الدولي والذي كان سبباً مباشراً في قطع التمويل (السعودي -التركي -القطري) برعاية غربية ، الأمر الذي جعل المعادلة في المنطقة عموماً تتغير الى مشهدين مهمين ؛
أولهما: هو بقاء حالة الصراع في المنطقة عموماً ، وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط ، وابقاء تغذية هذا الصراع من التسليح الغربي والاموال الخليجية ، لتوجيه المنطقة نحو الاشتعال وإدامة هذا الاشتعال بما يحقق الهيمنة الغربية على مواردها ومقدراتها والتحكم بمصيرها عبر تشكيل حكومات تكون مواليه لها، مع وجود وتوفر الموارد والمغذية لهذا الصراع .
الثاني : ان ما يجري من صراع طائفي تقوده القوى الغربية ، وبأيادي اسلامية ما هو الا مخاض عسير جداً لوضع جديد سيولد في المنطقة ، وتحول الأوضاع من صراع طائفي أدواته داعش ، الى عام الحسم ونهاية هذا التنظيم الخطير ، خصوصا وان بعض الدول دخلت دوامة التقسيم (ايران -السعودية -تركيا ) ومهددة بان تكون هدف للصراع الطائفي الداخلي .
الاحتمال الثاني هو الأقرب الى الواقع ، خصوصاً مع التراجع الواضح في تمدد داعش ، على اثر الضربات الموجعة التي تلقتها المجاميع المسلحة سواء على الجبهة السورية او العراقية ، وقتل العشرات من قيادتها الميدانية ، وقطع الإمدادات والتمويل سواء في جانب التسليح او المال ، مما شكل احد اسباب شلل تقدمها واعلان ان عام ٢٠١٦ سيكون عام الحسم في القضاء على داعش ونهايته .
من هنا بدا يطرح مفهوم التسوية بوصفه حلاً واقعياً لمشاكل المنطقة ، وإعادة رسمها على اسا التوافق بين القوى الغربية وتاثيرها في المنطقة ، مما يأثر بالإيجاب في مصالح الشعب العليا وانقاذه من الأزمات التي كانت سبباً في ضياع ثلث ارضه على يد العصابات الارهابية الداعشية وحلفائها من بقايا البعث المجرم ، وحواضنهم التكفيرية الإقليمية والدولية ، لان التسوية ستكون وسيلة من وسائل نموه السياسي وازدهاره الاقتصادي وتماسكه الاجتماعي ، فضلاً عن توحيد الموقف الطارد للعصابات الداعشية ، والتي تجمعت من كل بقاع الارض كعصابات مأجورة ومدعومة من دول الغرب وبدعم واضح وملموس من محور الشر “السعودية وقطر وتركيا” ، والذي بالتأكيد كانت نتاج الخلافات والاختلافات السياسية والأيدولوجية بين المكونات ، وهي كانت مقدمة للتدهور الاقتصادي اذ بدات بوادره بالانخفاض اللافت لاسعار النفط ، والتي كانت بدعم من العقول التآمرية للدول المهيمنة الكبرى ، والغرض منها تصفية الحسابات مع روسيا ودول المنطقة ومنها العراق ، وادخال الدول المستهدفة في أزمة اقتصادية تحكم بنتائجها على هذه الدول .
بالتأكيد ستسهم التسوية التاريخية بين القوى الغربية في ايجاد حلول ناجعة على المستوى السياسي وتحريك الماء الراكد سواء في الوضع السوري او العراقي ، وإيجاد الحلول للصراع اليمني ، وانهاء ملف لبنان ، والقضاء على داعش في العراق وإنعاش الاقتصاد العراقي ، وبدأ صفحة جديدة في الانفتاح الإيجابي مع الدول الإقليمية والدولية والشركات الكبرى ، وتفعيل دور التبادل التجاري بما يحقق الرفاهية للاقتصاد العراقي ، اذ سيسهم ويثمر في المستقبل عن حلول اكثر جدية وجذرية للازمات التي تعاني منها البلاد في المرحلة الراهنة .