22 ديسمبر، 2024 9:12 م

العراق وحروب الإنابة في المنطقة

العراق وحروب الإنابة في المنطقة

كان لنجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 أثره الأكبر في تغير الواقع الجيوسياسي في المنطقة، وظهور نوع جديد من الصراعات الغير مباشرة في منطقة الشرق الأوسط، التي اعتادت على المواجهات المسلحة المباشرة بين أطراف النزاع، كما في الحروب التي خاضها العرب مع إسرائيل، والحروب التي اندلعت مطلع ستينيات القرن الماضي ( حرب اليمن وحرب الرمال بين الجزائر والمغرب) .. هذا النوع الجديد من الحروب والتي أطلق عليها ( حرب بالوكالة) أو حرب الإنابة، جعل من بعض الدول العربية ساحة لهذا الصراعات، التي نتجت كردة فعل على التغير الذي طرء على العقيدة السياسية والعسكرية، في المنظومة السياسية الإيرانية بعد الثورة، والتي انتهجت مبدأ تصدير الثورة إلى المنطقة بشكل أو بآخر، وكانت أولى الدول التي استشعرت هذا التهديد هي دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، انطلاقا من عقد وتراكمات طائفية وقومية، فكانت حرب الخليج الأولى هي باكورة ثمرات هذا التخوف الخليجي، واختير العراق ليكون جدار الصد الأول لهذه الثورة الراديكالية الزاحفة، بينما بقيت دول الخليج ومن خلفها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في الظل، لم يقع على عاتقها سوى الدعم المالي واللوجستي، لتستنزف هذه الحرب المارثونية القدرات البشرية والاقتصادية والعسكرية لهاتين الدولتين، اللتان تعدان من اكبر واهم واغني دول المنطقة، إضافة إلى الارتباط ألاثني الذي يربط بين اغلب شعبيهما.. حرب الإنابة هذه جًرت على العراق وشعبه الويلات والماسي وقادته إلى الدخول بحروب أكثر شراسة أدت إلى احتلاله في نهاية المطاف .. لتبدأ مرحلة جديدة في طبيعة الصراع الإيراني السعودي تعتمد على صنع مراكز قوى ونفوذ والهيمنة على القرار السياسي لبعض دول المنطقة، وجعلها مجالا حيويا لتحرك مصالحها السياسية والاقتصادية، وكان العراق أهم تلك البؤر التي سعت الدولتان إلى فرض هيمنتهما على الواقع الديني والاجتماعي والسياسي فيه، لتكون ذروة هذه المواجهة الغير مباشرة، احتلال داعش في صيف 2014 لمناطق شاسعة من الأراضي العراقية، وسقوط مدن كبيرة بيده بسهولة ودون مقاومة تذكر، واستفحال الدور الكوردي في العراق، وسيطرته على أراضي عربية وتركمانية ومسيحية كبيرة، في كركوك وسهل نينوى وديالى، والذي لاقى هذا التمدد الكوردي تعاطفا ودعما خليجيا ما زال قائما لغاية الان، كانعكاس لطبيعة الصراع القائم بين إيران والسعودية في المنطقة، كان الهدف من وراء هذا الموقف الغريب، هو لقطع الطريق على ما يصطلح عليه بالهلال الشيعي، وتحجيم النفوذ الإيراني، الذي تخشى هذه الدول أن يكون شمال العراق حلقة الوصل فيه باتجاه سوريا ومن ثم لبنان .. إن حجم التحدي الكبير الذي تعرض له العراق في تلك الفترة، نتج عن الشرخ الطائفي الكبير، الذي كان قائما بين مكونات الشعب العراقي، وجهل المنظومة السياسية في إدارة الصراع القائم بين هاتين الدولتين من جهة، ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من جهة أخرى، وإبقاء العراق في حالة تأرجح سياسي بين هاذين المحورين دون الاتكاء على جهة، أو السعي لخلق توازن في طبيعة النفوذ بينهما .. وما قام به السيد العبادي مؤخرا بمحاولته لفتح آفاق جديدة للعلاقات السياسية والاقتصادية مع المملكة العربية السعودية، والانفتاح الكبير والجاد على العالم العربي، كمرجعية قومية وجغرافية لمعظم سكان العراق، هي خطوة بالاتجاه الصحيح إذا ما توفرت لها المقومات الصحيحة لنجاحها وديمومتها، في ظل سخونة المواقف بين المؤثرين الرئيسيين في المنطقة، وقرع طبول الحرب القائم بينهما، لتكون لبنان ساحة جديدة لحرب بالإنابة ثانية بينهما، بعد استقالة السيد الحريري بهذه الطريقة الغريبة والمفاجئة ، وتهجمه الصارخ والصريح على إيران وحليفها في لبنان حزب الله .. والسؤال المهم هنا .. إذا ما وقع المحظور واندلعت حرب أهلية بصبغة طائفية في لبنان، فما هو حجم دور العراق فيها ؟ وكم سيتأثر بهذا الصراع ألاثني، الذي سيتشظى إلى ما هو ابعد من الحدود الجغرافية للبنان ؟ إن الكثير من المؤشرات الموجودة على الساحة السياسية، والتصريحات النارية لبعض المسؤولين السعوديين، تؤكدان هذا المنحى الذي سيسير عليه الصراع الإيراني السعودي في المنطقة لاحقا، وما نشرته مؤخرا صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية، يؤكد هذه المخاوف، حين دعت هذه الصحيفة إلى استغلال سنة لبنان هذه الظروف التي وصفتها بالتاريخية، والتي لن تتكرر، وذلك باستعانتهم بالولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لضرب حزب الله والقضاء على النفوذ الإيراني في لبنان على حد تعبير الصحيفة، وإذا ما تحقق هذا السيناريو أو تحقق البديل، بانطلاق شرارة هذا الصراع الطائفي المتوقع من مخيمات اللاجئين السورين في لبنان .. فهل سيحافظ العراق على حياديته في هذا الصراع ؟ أم إن طبيعة القوى المؤثرة على قراره السياسي والعسكري، ستفرض موقفا يصبح العراق فيه إحدى ساحاته وتشظياته ؟.. كل هذا يتوقف على حكمة القائمين على القرار السياسي فيه، وعلى طبيعة اللحمة الوطنية التي ستتأثر بهذا الصراع المرتقب تبعا للانتماء الطائفي.