7 أبريل، 2024 5:26 ص
Search
Close this search box.

العراق وايران : عُقد التاريخ واشكالية الجوار – 1

Facebook
Twitter
LinkedIn

وجند كسرى غداة الحنو صبّحهم                      منا غطاريف ترجو الموت فانصرفوا
لما رأونا كشفنا عن جماجمنـــــا                      ليعرفوا أنّا بكــــــــر فينحرفـــــــــــوا
جحاجح وبنو ملك غطارفــــــــة                      من الأعاجم في آذانـــــــــــها النطـــف
لما أمالوا إلى النشاب أيديهــــــم                      ملنا ببيضٍ فظــــــــلّ الهـــام يُختطــف
وخيلُ بكر ما تنفك تطحنهــــــم                       حتى تولّوا وكاد اليـــــوم ينتصــــــف
لو أن كل معدّ كان شــاركنـــــا                       في يوم ذي قـــــار ما أخطاهم الشرف
                                                                                                       ( الأعشى ميمون بن قيس )
……………………….
……………………….
كانت تلك احتفالية شاعر قبيلة بكر بن وائل عشية نصرها مع بني شيبان على الفرس الساسانيين عام 609 م.( قبل البعثة المحمدية ) في موقعة ذي قار بالعراق , وقد نُقل يومها عن النبي محمد قوله ” هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم ” . 
بهذه الاحتفالية أقدّم لحديث يتناول العقد التاريخية التي اعترضت مسار العلاقات العراقية – الايرانية , والتي تسببت بإشكاليات صعبة بين بلدين حكمت عليهما الجغرافيا بالجوار اللصيق , وفرضت عليهما السياسة ومطالب الأمن ومصالح الاقتصاد أجواء توتر وتحفز منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا وقد تمتد إلى أمد غير منظور.
ليس صحيحاً وبوقائع التاريخ ووثائقه أن العراق كان فارسياً ثم استعرب عقب الفتوحات العربية – الإسلامية , فقد حدث أول احتكاك بين العراقيين والفرس عام 539 ق.م. عندما انهارت دولة الأكديين طاوية بذلك زمن الحكم الوطني في العراق القديم مما تسبب بفراغ سياسي كانت هضبة ” بارسو ” والتي تُعرف اليوم ببلاد فارس , متطلعة ومهيأة لملئه بقيادة الإخمينيين الآريين لتبدأ بذلك صفحة جديدة وطويلة من الصراع بين ممالك ” بارسو” وأهل العراق الذين وبحسب نصوص حجرية نُحتت عام 171 ق.م. كانوا قد أسسوا في منطقة ما بين الرافدين مملكة ” عربايا ” التي تعني بلاد العرب والتي كانت عاصمتها مدينة ” الحضر ” , فضلا عن أن مناطق جزيرة الفرات والموصل وجنوب العراق قد حملت أسماء أصحابها من القبائل العربية , كديار مضر وبكر وربيعة ؛ وكانت تلك المناطق هي التي صدّت محاولات التوسع الفارسي المتكررة على طول تاريخ العراق الذي سوف أتوقف عند عدد من محطاته :                                                   
ــــ انتصار القائد الفارسي ” قورش ” على بابل وتوزيع أراضيها على الأسر الفارسية لتشجيع هجرتهم إليها عام 539 ق.م
ــــ حملة الساسانيين لاحتلال أرض الرافدين عن طريق الأحواز بعد أن قضى الملك الفارسي ” أردشير بن بابك ” على أهلها العرب , ثم احتلاله مملكة ” ميسان ” العربية التي لا تزال أطلالها شاخصة بين مصبّ نهر ” الكارون ” بشط العرب وجنوب منطقة ” القرنة ” , ومن بعدها منطقة أعالي الفرات للسيطرة على القبائل العربية المنتشرة في أرجاء جزيرة العراق , ومنها قبائل قضاعة – إياد – تغلب – بني عبيد – تزيد وربيعة , وعندما بلغ مدينة الحضر وحاصرها فإن ملكها استطاع عام 238 م. توحيد قبائل العرب فحاربوا ” أردشير ” وهزموه في موقعة ” شهر زور ” .                           
ــــ في عام 240 م. حارب الملك ” سابور بن أردشير ” عرب العراق وهزمهم , ثم اقتحم مملكة الحضر وأباد أهلها , وفي عام 241 م. تصدت له في قبائل بكر بن وائل في جنوب العراق , وقبائل تغلب والأنمار وإياد في شماله .                  
ــــ في عام 309 م. سعى الملك ” سابور الثاني ” إلى إخضاع عرب العراق وترحيل من يقاومه منهم , وقد واصل ابنه “سابور الثالث ” سياسة أبيه .         
ــــ لم يتمتع الفرس بفضيلة التسامح الديني والحسّ الحضاري , فعندما اصطدم دينهم بالمسيحية في العراق حاولوا تحويل معتنقيها عن ديانتهم بقوة السلاح إلى حدّ أن ” كسرى أنو شروان ” أعدم يوم 13-8- 575 م. مطران الكنيسة العراقية ” مار أحودامه ” , ثم واصل الملك ” فيروز ” ذات السياسة بتخيير المسيحيين بين القتل أو اعتناق المجوسية .
ــــ عندما وصلت طلائع الفتح العربي – الاسلامي إلى العراق , فإنها كانت تستهدف في واقع الأمر تحريره من القوتين العظميين في ذلك العصر , الامبراطورية الفارسية في جنوبه والامبراطورية الرومانية في شماله , ولقد حسم المعركة وحقق النصر اصطفاف قبائل العراق العربية من قضاعة وبكر ومضر وإياد وتغلب ونمير والشهارجة وربيعة فضلا عن عرب الحيرة , إلى جانب طلائع الفتح العربي , مع أن بعض تلك القبائل كان وثنياً وبعضها الآخر كان يدين بالمسيحية .
ــــ في عام 609 م. هزم تحالف قبيلتي بكر بن وائل وبني شيبان جيش كسرى بن هرمز في موقعة ذي قار .               
ــــ في عام 1925 احتلت ايران بتواطؤ بريطاني فاضح محافظة المحمرة وهي من أغنى المناطق العراقية بثرواتها المائية والزراعية والبترولية , وهي مازالت موطناً لقبائل عراقية قديمة مثل إياد – كعب – ربيعة – تغلب – بكر بن وائل – لخم
حنظلة – بنو مالك وتميم ؛ وكانت ملكية العراق لشط العرب بضفتيه دليلا حياً على عراقية المحمرة حتى عام 1975 عندما فرّط النظام بحقوق الأمة وتاريخها وأضاع الاستراتيجية من أجل مكسب تكتيكي على الأكراد لم يدم سوى سنوات قليلة !  
………………………….
………………………….
ماذا نستخلص من عِبر ذلك التاريخ ؟
1- إن ايران لها سياسة ثابتة لم تتغير منذ ما قبل الإسلام وما بعده وعلى طول التاريخ الوسيط وحتى يومنا هذا , وهي اعتبارها العراق مجالها الحيوي ومدخلها للاندفاع نحو بلاد الشام وشواطيء البحر البيض المتوسط , فقد أدركت منذ عهد قورش أنه ليس بوسعها تحقيق حلمها الامبراطوري وحمايته إلا عبر الإمساك بالعراق مفتاح المنطقة وبوابتها .            
2- توسلت ايران في سبيل تحقيق حلمها بأدوات قوتها الخشنة والناعمة , فعمدت في عصور إلى التلويح بالقوة العسكرية ثم الغزو المباشر والاحتلال ومحاولة الاستيطان الدائم في بلادنا , وفي عصور أخرى برقعت حلمها التوسعي براية الدين الإسلامي الذي يجمعها وغالبية العرب , وفي عصور تالية تسترت بالنداء الطائفي تستثير غرائزه وتختلق رواياته وتلفق أحداثه بأمل استقطاب نصف أهل العراق والبحرين وبعض شعب لبنان وجزيرة العرب .                                     
3- لم تبنِ فارس القديمة حضارة من أي نوع , ولكنها عرفت نوعاً من المدنية بقياسات ذلك العصر , وهناك فارق كبير بين المدنية والحضارة ليس هنا مجال التفصيل فيه , وبحكم طبائع الأشياء فقد تفاعلت الثقافة العربية – الاسلامية مع ثقافات شعوب أجنبية احتك العرب ببعضها وهيمنوا على بعضها الآخر, كالأتراك والهنود والصينيين وبربر شمال افريقيا والفرس بطبيعة الحال , وهنا فقط دخلت فارس عصر الحضارة , وفي ذلك التلاقح كانت اليد العليا للثقافة العربية بشهادة اللغة الفارسية المكتوبة بحروف عربية كأداة للتعبير , وبشهادة اللغة الفارسية المحكية التي تشكّل العربية 75% من مفرداتها , وبالمناسبة فإن الأمر ذاته ينطبق على الأتراك و الأكراد , فالشعوب التي لا تمتلك لغتها المكتوبة قد تعرف المدنية ولكنها بالقطع لا تندرج ضمن الشعوب بناة الحضارات !                                                                 
4- إن العرب ليسوا مدينين لفارس بعطاءٍ يُذكر , فقد حملوا إليها ديناً قيّماً استعاضت به عن تعاليم ” زرادشت ” التي لم يكن يفهمها إلا كهنة معابد النار , لكن العقل الجمعي الفارسي لم يحتفظ سوى بمرارة الهزيمة على يد العرب ولم يختزن سوى نوازع الثأر تغذيها خيالات امبراطورية ” قورش ” التي مازالت تداعب أحلامه.                                        
…………………………
…………………………
بهذه المقدمة فإن المجال أصبح مهيئاً للحديث عن علاقاتنا السياسية المعاصرة مع ايران .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب