من الاقتران المستتر ان ترتبط المشكلة بحل ما ولو بعد ازمة او قبلها، والحل نوع من انواع الاتفاق في العرف العام، او نمط من انماط اعادة الامور الى طبيعتها في العرف الخاص، والعام ما جاوز السياسة الى الاقتصاد وغيره والخاص ما تقلص الى السياسة من دون سواها، ولكن المشكلة لا تبدو في موضع الحل ان تعرضت الى النظرة المجتزئة او الى تعدد الاوجه. هنا يبدو نصف الحل مفترضا عند ذوي النيات المبيتة ويظهر الحل الوسط مقبولا عند ذوي النيات الحسنة، والحل الوسط مفهوم واضح في العلاقات السياسية الدولية وفي التعامل الدبلوماسي، الا ان نصف الحل يحتكره السياسيون المحترفون لانه يبقى على المشكلة قائمة من دون حل في الواقع، لانه يحمل بذور انفجار الازمة من جديد او خلق ازمات جديدة مضافة… وبتوارد هذا السياق المنطقي يصبح الحل النهائي غاية لا مفر منها في معالجة ازمة او قضية.
وقبل الدخول في معالجة قضية العراق مع دول الجوار العربي والاسلامي نذكر باقوال في صدد الحل ونصف الحل والحل الوسط ازاء قضية (فلسطين) في الخمسينات والستينات، فلقد ذكر احد سفراء الولايات المتحدة في لبنان في حينه ان قضية فلسطين هي القضية الوحيدة في القاموس السياسي التي لا تقبل حلا وسطا! وكان تعليقه يحمل وجهي المعنى المستتر والظاهر (توريه). فالقضية اذا تقبل حلا كاملا نحو حق احد الاطراف المتصارعة وليس بجمع حق الطرف (س) وحق الطرف (ص) وقسمتها على اثنين، ولكن الحل العادل يرجح الفلسطينيين من وجهة نظر العرب واحرار العالم في الاقل والاكثر معا، اي ان الحل الوسط لن يصير في صالحهم، حتى اذا صدر، وكان قد صدر فعلا ومنذ العام 1947، قرار التقسيم حول الحل الوسط…
الحل بضياع الحق من صاحبه واعطاء حق لغير صاحبه في الوقت نفسه، وبذلك فقد فتح نصف الحل ابواب الصراع البشري والحضاري والمادي على المصاريع كافة.
في قضية علاقات العراق مع دول الجوار العربي والاسلامي فان الحل كان وما زال واضحاً، لان الحق كان وما زال بينا، ولكن اللجوء الى نصف الحل بتعبير الحل الوسط خطأ، وبنية مسبقة يعني فتح منافذ جديدة لعاصفة المشاكل السياسية والاقتصادية في المنطقة، باضافة عناصر اقليمية جديدة اليها.
ان اخراج العراق من البند السابع وحتى السادس ليس مسألة تجارية او اقتصادية او حتى سياسية مجردة، انها قضية ترقى الى رفع الحظر عن القرار العراقي في شؤونه وسياساته، وتطلعاته واجراءاته الداخلية والخارجية، وهو حق مكتسب وطبيعي معا، طبقا واقع استقلال العراق السياسي (القانون والواقعي) على حد سواء، لذلك فان تجزئة هذا الحظر برفع بعضه والابقاء على بعضه الاخر من غير وضوح وبكل الابهام لا يعني عمليا الا ابقاء القرار العراقي اسير قرارات غيره، الامر الذي يؤكد ظاهرة الخضوع لنفوذ الاجنبي مباشرة او بالنيابة، وهو الواقع الذي يرفضه العراق جملة وتفصيلا لانه لا يمثل الحل العادل او الشامل، بل لا يمثل الحل الوسط نفسه اذا رغبنا في جعل الحل الوسط هذا استعادة العراق قراره ونفطه وعلاقاته الطبيعية مع من يشاء ومع من يرغب، اما من يترفع ويريد ان يرتفع عن هذا التواضع فانه سيضع لا محالة، امام حقائق التاريخ العربي قبل اي تاريخ اخر.
العراق جزء حي وفاعل في وطن الامة الواحدة ومحاولة تركيعه وتحطيم جل مرتكزاته الحضارية لا تفضي الا خسارة الامة وافتضاح امر العاملين تحت اسمها وعلمها وهويتها بغير ما تتطلبه الاخلاق والدين والمثل كلها فضلا على وصفهم بالارتباط المريب بالاجنبي المستعمر على حساب المصالح العليا للامة الواحدة والمصير الواحد.
اننا نريد، بل نسعى الى حل واحد كامل وشامل ونهائي يعيد للعرب وحدة القرار وان اختلفت الوسائل او الغايات المرحلية او الوطنية، وحدة القرار القومي ازاء قضية مؤثرة في مجمل قضايا الامة الساخنة، ولا نرى في وحدة القرار القومي غاية، بل هو طريقة من طرائق عديدة، للوصول الى غاية اسمى واكثر خطورة في مستقبل الامة امام تحديات القرن على جميع الصعد.
ان سياسة التمحور و التكتل مع العراق او ضده ليست من صلب قيم هذه الامة لان الاصل في هذه القيم الكل للجزء والجزء للكل، والانقسام على النفس مسألة في غير مصلحة الامة وبعيدا عن سموها الاخلاقي والحضاري التليد في آخر الامر، فكيف تريد منه ان يواجه تحديات العصر التي تعجز عنها حتى قدرات وحدة كثير من الامم الاوربية والاسيوية وغيرها؟
اننا نرى الامر واضحا على نحو تام، اذا لم يحتفظ العراق بحقوقه في قراره الوطني المستقل سياسيا واقتصاديا، فان واقع الامة العربية كله سيبقى متعثرا لا يجد السبل ممهدة امامه للارتقاء والمواكبة الاقليمية والقارية والكونية. فالعراق ليس قشة على هامش التاريخ ينفخ فيها كل من تراءى له انه صار دولة ورأس شعبا بامارة او ملكية او رئاسة ينقص كل منها مقومات كثيرة ومكونات اكثر. فلعبة التاريخ ليست كلعبة الامم، اذ لا يصح في سيرورة التاريخ ما يراه الواحد حقا لنفسه كما لغيره ولغيره كما لنفسه، حتى اذا تحول الى الترجيح والمفاضلة بغير حجة او سبب ومن دون مبرر او غاية مشتركة سقط بين قدمي التاريخ غير ماسوف عليه حتى من ابناء جلدته وشعبه فقد استعاد الشارع العربي همته ووعيه ، والمسيرة طويلة….
[email protected]