18 ديسمبر، 2024 7:44 م

* العراق والمتغير الايراني

* العراق والمتغير الايراني

تتداول وسائل الاعلام اسماءا عديدة كمرشحين لرئاسة الحكومة العراقية بعد ان ازدادت غلة تكتل الاطار التنسيقي وحلفاؤه في البرلمان عقب اختلال المعادلة بانسحاب التيار الصدري من مجلس النواب .
واغلب الاسماء الرائجه تنتمي الى التيار السياسي الذي يقيم علاقة حميمة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية من بينهم : هادي العامري وقاسم الاعرجي وفالح الفياض ونوري المالكي . .
وكتوطئة ، اشير الى ان ايران وفي هذه الايام ، تبذل جهودا حثيثة لانجاح المفاوضات مع الولايات المتحدة لاعادة احياء الاتفاق النووي وذلك لرفع الجزء الاكبر من العقوبات المفروضة عليها .
وخلال الساعات الاخيرة حدثت تطورات سريعة في هذا المسار ، حيث اعلن منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل عن قرب استئناف المفاوضات واحتمال حصول مفاوضات مباشرة بين الجانب الايراني ومفاوضين اميركيين .
هذا التطور الهام يؤشر حصول متغيرات ايجابية في الطابق الاسفل وغير المعلن من الرسائل المتبادلة بين واشنطن وطهران . حيث تشغل الساحة العراقية حيزا كبيرا من الاهتمام بين البلدين لما لها من تأثير على مسار العلاقة بينهما .
واعتقد ان التطورات الايجابية في العلاقة بين البلدين هي خبر غير سار ابدا للاطار التنسيقي وحلفاؤه وذلك لأسباب ومبررات عدة :
اولا : ان ايران التي تسعى الى ابرام اتفاق مع الولايات المتحدة وبأي ثمن بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد نتيجة للعقوبات ، لا تريد شخصية ولائية للنخاع لها على راس السلطة في العراق ،لان شخصية كهذه ستكون عامل استفزاز للمكونات الاخرى في العراق وايضا عامل تحدي لدول عدة منافسة في المنطقة كالسعودية وتركيا ، لان طهران حريصة على تهدئة العلاقات مع جميع الاطراف العراقية الداخلية والدول الاقليمية لكي تبعث رسالة اطمئنان لواشنطن اولا ولتلك الدول الاقليمية ثانيا ،وذلك كعربون بشان ايجابية اي اتفاق مع واشنطن .
ثانيا : تفضل ايران شخصية لها علاقات جيدة مع دول الخليج والولايات المتحدة وذلك لكي تكون هذه الشخصية متحررة من الضغوط ، وبالتالي انطلاق حرية التعامل الاقتصادي بين طهران وبغداد وهو في كل الاحوال هو لصالح طهران.
ثالثا : ان شخصية براغماتية على راس الحكومة العراقية من شانها ان تكون جسرا لتطبيع العلاقات بين ايران والدول العربية .وهو ما نجح به جزئيا السيد مصطفى الكاظمي ، لاسيما على صعيد الوساطة بين طهران والرياض .

رابعا : وهو الاهم ، تعتقد ايران ، ان رئيس الوزراء في بغداد ينبغي ان يكون قويا وبعيدا عن التكتلات والا يكون محسوبا على محور معين.وهو الافضل لجهة القيام بدور فعال في مساعدتها على جني ثمار الاتفاق النووي الجديد وخاصة في النواحي الاقتصادية والسياسية .

ومثلما هو مزعج لكل من روسيا والصين ،هو كذلك لبعض المرشحين لرئاسة الحكومة العراقية ، وهو ان طهران وواشنطن ينسجمان لاول مرة في الرؤية تجاه بعض القضايا والازمات الاقليمية والدولية وابرزها ازمة الطاقة ( الانتاج وامن الخليج )، والمعضلة الافغانية وكذلك العمل على التهدئة في الشرق الاوسط ، وهذا يستدعي وجود شخصية قوية ومتوازنة على راس السلطة في بغداد ولها علاقات ايجابية مع كل من طهران وواشنطن .
وهنا اشير الى التطورات الايجابية بشان قرب اعادة فتح السفارة السعودية في طهران ،والعلاقات المتنامية بقوة بين طهران وكل من الدوحة ومسقط وابو ظبي حيث وصف وزير الخارجية عبداللهيان العلاقة مع الامارات ( انها اكثر من اخوية ) . وبالتالي افترض بان في المرحلة المقبلة لم يعد مسموحا ان يطلق احدهم قذائف عبر الحدود على الاراضي السعودية او يحشد بضعة مسلحين على الحدود مع الكويت او تسيير مسيرات في هذا الاتجاه او ذاك .
وفي الاطار الاوسع ،ولكي تكون الصورة اكثر وضوحا ، أؤكد ان الاستراتيجية الايرانية في العراق تغيرت تماما في السنوات الخمسة عشرة الماضية وان طهران حققت نتائج ايجابية من هذا التغيير :

– فايران تبنت منهج ( وضع البيوض في جميع السلال ) وليس فقط في السلة الشيعية ، بمعنى ، ان الجمهورية الاسلامية وبحكم اعتقادها بان العراق ينبغي ان يكون سدا منيعا امام اية مخاطر تهدد امنها الداخلي . اقامت علاقات مع اغلب التيارات العقائدية والدينية والسياسية بما فيها التيار السلفي في جماعة الاخوان المسلمين وذلك منذ تولي طارق الهاشمي امانة الحزب الاسلامي وتطورت اكثر في عهد سليم الجبوري وبعده رشيد العزاوي . هذا بالاضافة الى علاقاتها مع اغلب الفاعلين والناشطين في الانبار وديالى وصلاح الدين والسليمانية.
– ان ايران باتت على قناعة بان عليها ان تتصالح مع الولايات المتحدة في الساحة العراقية وقد جربتها في عام 2010 ، ولم لا وقد تصالحت مع كل من تركيا وروسيا في الساحة السورية وتعمل بجد على التصالح مع السعوديين في الساحة اللبنانية .
– المتغير الثالث في الاستراتيجية الايرانية هو انها شطبت على رؤية السيد علي اكبر ولايتي (( بقاء صدام ضعيف خير من بديل قوي )) . فهي تتبنى اليوم رؤية، بقاء العراق متماسكا وقويا بما يساعد في تبديد الهواجس الامنية بالدرجة الاساس ، فضلا عن اهمية العراق المزدهر والمستقر الذي يؤمن استيراد المنتجات الايرانية بدءا من النعال والاحذية التي تزدهر في صناعتها مدينة قم وليس انتهاءا بتوريد سيارات ( التايه والسايبه ) رخيصة الثمن وقليلة الاستهلاك .