يعتقد الحكام العرب عبر التأريخ إن أدوات الاستبداد وبشاعة الأجهزة القمعية كافية لإسكات صوت الحق,صوت الشعوب المخنوقة برائحة الموت البطيء,
متناسين إن مصير الجبابرة دوما مزبلة التاريخ ,ونار جهنم وبأس المصير في الآخرة,قد تطول فترات الظلم,وتستمر معاناة الناس,
ولكن الخالق عز وجل لايهمل الطواغيت,ممن يعتدون على حرمات مملكته ,ويعبثون بحياة البشر وممتلكاتهم وأمنهم,
لقد انحرفت الحكومة السورية انحرافا خطيرا,عندما كررت نفس الأساليب القمعية المعتادة في مواجهة المحتجين,التي اتبعها بعض الحكام العرب في قمع شعوبهم المنتفضة,
وهذا ما إرادته وطمحت إليه القوى الغربية الحاضنة لمشروع إسقاط النظام السوري,
كانت استفزازات بسيطة من قبل المتظاهرين,ومن ثم الجماعات المسلحة المعارضة,أعقبها رد فعل عنيف من قبل الجيش السوري النظامي,استخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وحتى الثقيلة(هذه الأخطاء وقع فيها النظام البعثي البائد, والقذافي الليبي,بينما تجنبها آخرون كتونس ومصر بعد نجاح الربيع العربي الثوري),
إن مطالب الشعب السوري(وان لم تكن مطالب الجميع أو لنقل حتى اقلية منه)هي مطالب مشروعة دينيا وأخلاقيا وإنسانيا,ليس فيها شيء غريب أو مخالف للمثل والمبادئ والقيم الإنسانية المعتدلة,
الشيء الوحيد المرفوض هو العنف ,والاستهتار بأرواح البشر, والاستهداف أو الاعتداء الهمجي والعشوائي المتعمد على الناس.
المخاوف العراقية وهواجس البديل القادم بسلاح وأموال الخليج العربي,مخاوف مشروعة أيضا ,لها دلالاتها وشواهدها على ارض الواقع,ولكنها ليست حجة أخلاقية وسياسية كافية للابتعاد عن الظروف الموضوعية والميدانية الخطرة المتصاعدة في الشام,
لأننا معنيين أكثر من أي دولة أخرى بالأحداث الجارية هناك,وبمستقبل الدولة السورية وشبح انهيار نظامها,وما سترافق هذه العملية من تصفيات جسدية طائفية قريبة من الحرب الأهلية, ستنعكس سلبا على الأوضاع الأمنية العراقية الشبه مستقرة,
مستكملة كما يبدوا المشروع ألأمريكي اليهودي-الخليجي المحتمل ,لقطع إمدادات حزب الله والانقضاض عليه ,وبعدها تتم عملية تدميره في حرب خاطفة,ومن ثم الاستدارة إلى الجانب الإيراني ,ومحاصرته وتدمير ترسانته العسكرية(أو من خلال إتباع نفس سيناريو الاحتجاجات الجماهيرية الجاهزة هناك,وهذا ما تعارضه الصين وروسيا لأنها تعرف مدى خطورة هذا المشروع,ولذلك ستبقى إلى جانب الأسد حتى أخر لحظة,وهي حرب باردة جديدة تشبه حرب الكويت عام 1990-1991),
ولكن تبقى اللحظات الأخيرة لحظات حاسمة في إنقاذ الدولة والشعب السوري(وليس النظام),عبر بذل المزيد من الجهود للقيام بمشروع عراقي إيراني لتنفيذ خطة عنان, مع التعجيل بنقل السلطة ,وإعلان تنحي الأسد عن كرسي الرئاسة لنائبه أو للسيد فاروق الشرع,
وإقناع الجانبين(المجلس السوري المعارض والجيش الحر والنظام السوري) بضرورة وقف إطلاق النار,مع التلويح بعصا القوة الدبلوماسية لتغيير مواقف الجانبين في حال تعذر إقناعهم بالامر,وإجبارهم على قبول المبادرة,من اجل تجنيب سوريا مخاطر الانهيار الكامل ,والانزلاق نحو المصير المجهول,
هناك علاقات تاريخية عرفتها الدولتين (العراق وسوريا)منذ عهد الخلفاء الراشدين رض,وقيام الدولتين الأموية والعباسية,وبعدها توطدت تلك العلاقة إبان ثورة الشريف حسين بن علي(بدايات القرن الماضي) الخ.
حيث يعد الشعب السوري هو الأقرب عربيا وثقافيا وتراثيا للعراق,وهناك وشائج عشائرية وعائلية تربط الجانبين منذ زمن,
فكيف يمكن للفتنة الطائفية أو السياسية المدفوعة الثمن ,ان تقطع هذه الروابط العربية المتينة,وتشيع ظاهرة العداء المفتعل,والقائل بأن أغلبية الشعب العراقي(بما فيهم غالبية الشيعة)
ينحازون إلى جانب نظام الرئيس الأسد,ونحن أدرى الناس بشعاب البعث الشوفيني وأسراره,
وهذا كلام الجماعات السلفية الوهابية المفترى ,المدعومة من قبل بعض دول الخليج,
ولكن لنكن منصفين في تقييم النظام السوري,إن البعث السوري مختلف تماما عن البعث العراقي المنحل,والحديث عن دكتاتورية عائلة الأسد, أو الطائفة العلوية في سوريا حديث مبالغ فيه
(فقد صدم الشعب العراقي وهو يتابع محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك وأبنائه, بحيث سمعنا على لسان شباب ساحة الميدان المصري انه طاغية وظالم ومستبد وهي حقيقة ,ولكنها تعني شيئا أخر في عرفنا السائد,واتضح في نهاية المطاف إنه غير مدان بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق شعبه أو قيامه بتصفيات جسدية لمعارضين لنظامه,لا هو ولا أولاده,مع انه دكتاتور ,ولكن ليس جميعهم يشبهون جرائم النظام البعثي),
كان الوضع ألمعاشي يتحسن بشكل كبير ,ودخل الفرد السوري يزداد تدريجيا,مع غياب مظاهر العنف والاعتداءات ,التي كانت تجرى بحق المواطنين في الأماكن العامة في السابق(من قبل المحسوبين على النظام والمنتفعين منه),واستقرار حالة السوق ,وسعر صرف الدولار ثابتة تقريبا,وحركة السياحة في الشام حركة كبيرة وناجحة,
ولكن يبقى من حق الناس ان تعيش دون خوف أو رعب ,بعيدا عن أعين رجال الأمن وحزب البعث والشبيحة ,وكذلك الإرهابيين والقتلة,
ولهم كل الحق في التظاهر والاحتجاج والمطالبة بالتحول السياسي الديمقراطي في بلادهم,
الشام أكثر البلاد العربية تطورا في النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي ,ولايجوز ان تبقى مؤسساتها وأجهزتها ونظامها السياسي بعيدا عن حركة العالم ونظامه الجديد.
ولهذا ندعو مرة أخرى حبا منا للشعب السوري الشقيق ,ان تكون هناك خارطة طريق مرضية للجميع(الحكومة والمعارضة),تحقن دماء المسلمين والشعب السوري,وتبعد خطر انهيار الدولة السورية ,وانتشار الفوضى فيها واحتمالية انتقالها وامتدادها إلى الدول المجاورة…
فهل هناك دبلوماسية الحل المنطقي الأخير (للمعضلة السورية) في جعبة الحكومة والدبلوماسية العراقية؟
أم لا ستبقى تتفرج!