١- العام الموظفين كاعدين والرواتب تجي/ السنة الراتب كاعد والموظف يداوم
٢- العام الوعي قائد/ السنة خلافات ع القيادة
٣- العام الحرق زين/ السنة رجس من عمل الشيطان
٤- العام نريد عراق مستقل قوي/ السنة إذا طلعت أمريكا احنه بالضيم
٥- العام تعطيل الدوائر واجب وطني/ السنة دعم الحكومة هو الواجب الوطني
٦- العام إذا تزور الحسين تخون الثورة/ السنة اخراج الثوار من الزيارة خيانة
٧- العام قصف عين الأسد انتهاك للسيادة/ السنة دك قصف من تركيا عادي
٨- العام اليشتغل وي حكومة بيها وزير سابق هذا خائن/ السنة ناطق لحكومة فيها وزراء سابقين
٩- العام يحتفلون باستشهاد ضيف بزيارة رسمية/ السنة يجب احترام البعثات لأن التعرض لها يخدش هيبة الدولة
١٠- العام الاتفاق مع العملاق الصيني/ السنة اتفاق مع الأردن ومصر
١١- العام اكو عدس وماراضين/ السنة ماكو حصة وفرحانين
١٢- العام رش الماء على أصحاب الشهادات جريمة لا تغتفر/ السنة ضربهم بالدونكيات عادي
١٣- العام أبو التكتك علم/ السنة يريد بس يخلص من السيطرات
١٤- العام اسم (القدس) ع خارطة مسار طائرات الخطوط الجوية العراقية/ السنة استبدلوه ب(تل أبيب) يمكن مطبعين واحنه مندري
على مدى أكثر من أسبوع اشتعلت ناحية الكرمة شمال مدينة البصرة، ثاني أكبر مدن العراق، والمدينة الأهم فيه، نتيجة إنتاجها النسبة الأكبر من الثروة النفطية التي يعيش عليها البلد. اشتعلت نتيجة اندلاع «حرب ضروس» بين عشيرة بني مالك وعشيرة البطاط. الفانتازي والغرائبي في الأمر هو الحد الذي وصلت له تقنيات «عركات العشائر»، إذ استخدمت في المعارك أسلحة حديثة ومتطورة، فقد استخدمت العشيرتان المتحاربتان طائرات درون بدون طيار لاكتشاف «جحافل العدو»، ليتم بعدها توجيه ضربات بالصواريخ المتوسطة والصواريخ المحمولة على الكتف ومدافع المورتر ومن جانب آخر كان سبب اندلاع القتال العشائري الاخير فانتازيا وغرائبيا هو الاخر، فقد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي قبل اسبوعين، عندما تم بث شريط فيديو لمفرزة شرطة مكافحة المخدرات في البصرة، وهي تقوم بعملية تفتيش رجل دين معمم يبدو أنه قادم من إيران، وقد طلب ضابط المفرزة من الرجل خلع عمامته أثناء عملية التفتيش، ووجه له بعض الكلمات التي عدت اساءة له، ما حدا بقائد ميليشيا جيش المختار، إلى الظهور فيديويا وتهديد الضابط ورجال المفرزة ومن وراءهم (يقصد وزارة الداخلية) وعوائلهم وعشائرهم نتيجة «إهانة العمامة»، التي سماها «عمامة رسول الله»، وأطلق تهديدات بحق ضابط الشرطة موغلة في عنفها، مثل :»سنقلع عينيه، ونجعل من رأسه طفاية للسجائر». هذان التسجيلان هما اللذان تسببا في اشعال فتيل أزمة بين عشيرة الضابط وعشيرة زعيم الميليشيا، ويبدو أن هنالك توترات قديمة بين الطرفين، وقد أدت الحادثة الاخيرة إلى تأجيجها..
المعارك بين العشيرتين راح ضحيتها ستة قتلى، وعدد غير محدد من الجرحى، بالاضافة إلى تهديد أمن المحافظة الأهم في العراق. وذكر شهود عيان أن الاشتباكات أدت إلى توقف وحدة توليد الكهرباء في المنطقة، وتعرض منشآت خدمية وحكومية لأضرار كبيرة، وقد وقفت قوات الجيش وقوى الأمن العراقي عاجزة أمام هذا الحجم من المعارك، إذ ذكر قائد شرطة محافظة البصرة الجنرال رشيد فليح، معلقا على المعارك لوسائل إعلام عراقية، أن «السلاح المنفلت في البصرة يكفي لتسليح فرقتين عسكريتين بالجيش العراقي».
غرائبيات السلوك القبلي في العراق باتت مضحكة مبكية، فالمعروف أن القبيلة من البنى الاجتماعية التقليدية التي أدت مهامها في المجتمعات البسيطة ما قبل الحداثة، وابتدأت بالانزواء، أو التراجع مع دخول مظاهر الحداثة إلى مجتمع المدن في العراق، لكن ما حصل ويحصل في العراق اليوم خلطة سحرية، من بنى ما قبل الحداثة المتمثلة بالقبيلة والطائفية، مع كل تقنيات وتكنولوجيا العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، والنتيجة فانتازيا يتفرد بها المجتمع العراقي. فلا يظن القارئ أن القبيلة في بغداد العاصمة، على سبيل المثال، هي القبيلة المعروفة بسننها وعاداتها التقليدية في مطلع القرن العشرين، فقد تحولت إلى نمط هجين لا يوجد له تعريف محدد حتى الان. ومن التداعيات الأبرز اجتماعيا لهذا الوجود مشاكل «الفصل العشائري» الذي بات يمثل سيفا مسلطا على رقاب العديد من العراقيين، ممن يمتهنون أعمالا تقدم خدمات عامة للمجتمع، مثال ذلك ما يحصل للاطباء والمدرسين واساتذة الجامعة، وحتى رجال الشرطة والأمن، الذين يؤدون واجبهم الخدمي في المجتمع، فيظهر لهم متنمرون باسم عشائرهم ليبتزوهم بالديات المليونية المعروفة محليا باسم «الفصل العشائري».
وأكثر من تضرر من هذا السلوك الغريب هم اطباء الطوارئ، الذين باتوا يخشون استقبال أي حالة والتعامل معها، لأن أهل المصاب سينقضون عليهم في حالة الوفاة، ويطالبونهم بتهيئة عشائرهم والجلوس للفصل العشائري، الذي يطلب فيه آلاف الدولارات، تعويضا عن وفاة المريض، وإلا تعرضوا للانتقام والتنكيل من أفراد عشيرة المتوفى. ويذكر أحد أطباء الطوارئ الذين تعرضوا لهذه المحنة، وهو من عائلة بغدادية مدينية، لذلك هو لا يمتلك روابط قبلية يمكن أن يحتمي بها أثناء محنته، ما حدا به إلى طريق جديد بات معروفا في ظل فانتازيا العشائر في العراق، وهو «الوسطاء العشائريون». فقد ظهرت شريحة تعتاش على التدخل في النزاعات، الحقيقية أو المفتعلة، بين الطرف المعتدي والمعتدى عليه، وتأخذ عمولتها التي تصل إلى ملايين الدنانير، ويذكر طبيب الطوارئ المبتلى، أنه لجأ إلى الوسطاء بعد أن استفسر عن حل يخرجه من أزمته، بعد أن هجرت عائلته من دار سكنه، وكتب على جدار منزله «مطلوب عشائريا» نتيجة وفاة مريض وصل ميتا إلى قسم الطوارئ في مستشفى حكومي كبير وسط بغداد.
ما يحصل في العراق خلطة سحرية، من بنى ما قبل الحداثة مع تقنيات وتكنولوجيا العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين
الفانتازيا العشائرية تجلت بأبهى صورها في اجتماع العمل الذي جمع بين الطبيب اللاهث وراء الحل، والوسيط الخبير بهذه المشاكل، فقد عرض الاخير للطبيب الذي يريد أن يتعلق بقشة مجموعة عروض مختلفة، وبأسعار متنوعة، يتم استيفاؤها بشكل نسبة مئوية من المبلغ الذي سيتم تخفيضه اثناء الجلسة العشائرية التي سيتم حل المشكلة خلالها، وقد تضمن أول عروض الوسيط توفير مجموعة من الشيوخ والوجهاء فقط، وهؤلاء يتقاضون ربع المبلغ المخفض، بينما يشمل العرض الثاني شيوخًا ومسؤولين في الأجهزة الحكومية، ومنهم ضباط في أجهزة أمنية، وهؤلاء يتقاضون ثلث المبلغ المخفض، في حين كان العرض الثالث هو الأغلى، والذي يحتوي على الصنفين السابقين؛ بالإضافة إلى عناصر يمثلون فصائل مسلحة، وهؤلاء يحضرون بملابسهم الرسمية وحراساتهم، ويوفرون وجاهة إضافية لصاحب المشكلة، ويضمنون تخفيض المبلغ المطلوب منه كدية عشائرية إلى أقل سعر، ويتقاضون 40% من التخفيض.
اما المظهر الاحدث في فانتازيا العشائر العراقية فهو ما بات يعرف بـ»الفصل الفيسبوكي»، أي الديات العشائرية المترتبة على مشاكل تحصل في الفضاء الافتراضي، تقود إلى ما يعرف بـ»الدكة العشائرية» وهي هجوم مسلح من عشيرة المعتدى عليه في الفضاء الافتراضي، يهاجمون فيه بيت المعتدي في الفيسبوك ويعطونهم مهلة لتهيئة أنفسهم لدفع الغرامة أو الدية المالية العشائرية.
ويذكر أحد الأصدقاء الصحافيين في متابعته لهذا الموضوع: «الطريف أن صفحات العشائر العراقية وضعت قوانين ومعايير وضوابط للنشر على الفيسبوك، وللسيطرة على المنشورات بطريقة تضمن أن لا يساء استخدام البوستات بما يسيء لقيم العشائر، كما نص على ذلك منشور صدر يوم الأربعاء 16 مارس 2017». وقد بات منذ ذلك اليوم وجود تسعيرة معروفة لـ»الفصل الفيسبوكي»، أو ما يعرف بـ»الحشم العشائري» وهو جزء من اتفاق أبرمه عدد من العشائر القاطنة جنوب العراق، يتضمن إلزام من يثبت تورطه بكتابه تعليق «غير مقبول اجتماعياً» بدفع مبلغ قدره عشرة ملايين دينارعراقي (حوالي 8 آلاف دولار)، فيما تضمن الاتفاق أيضاً أن تكون هنالك غرامة على من يضع إعجاباً فوق أي موضوع يستهدف النيل من أشخاص بأسمائهم الشخصية مقدارها خمسة ملايين دينار عراقي (حوالي 4 آلاف دولار امريكي).
وفي جانب متصل من فانتازيا عشائر ما بعد الحداثة في العراق، يجب أن نذكر أن أحد الشيوخ القبليين في محافظة المثنى جنوب غرب العراق، قرر عدم تشغيل أجهزة بث إشارة الانترنت (الراوتر) داخل مضيفه، فضلاً عن فرض غرامة مالية تصل إلى 500 ألف دينار (400 دولار)على كل شاب يتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي اثناء تواجده في مضيف القبيلة، لانها «عادات تسيء إلى مهابة واصالة القبيلة» بحسب تعبيره.
ومع تغول الفانتازيا المرة للظاهرة العشائرية المشوهة في العراق، ونتيجة ضعف الاداء الحكومي، الذي يجب أن يقف بوجهها ويحدها، أصبحنا نشهد اليوم ازدهار المهن المرتبطة بالأعراف العشائرية، وأهم مظاهرها، التي باتت معروفة اليوم في مدن العراق، هي ظاهرة «الوسطاء» الذين باتوا يمتلكون مكاتب ومساعدين، ويوزعون بطاقات شخصية بالقرب من مباني المحاكم ومراكز الشرطة ومكاتب المحامين، من أجل تحويل الشكاوى والقضايا من مسارها القانوني الطبيعي إلى طريق الجلسات العشائرية، التي يجنون منها الثروات. فالى أين يمكن أن تصل هذه الفانتازيا؟
في جولته الأوروبية الأخيرة، ومن محطتها الأولى باريس، صرح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قبل أيام، بأن الفرنسيين سيدعمون العراق سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وركّز على الجزء الأخير، مبينا الدعم الذي ستقدمه فرنسا في مشروع مترو بغداد، وقد أصدرت الرئاسة الفرنسية بيانا عقب انتهاء الزيارة أكدت فيه تصريحات الرئيس الكاظمي.
الظاهر أن مترو بغداد ليس مجرد قطار أنفاق، أو أحد حلول أزمة المرور الخانقة التي تعيشها بغداد بعد أن اكتظت شوارعها بأكثر من ثلاثة ملايين سيارة، وفقا لتصريحات مديرية المرور العامة. مترو بغداد هو مشروع يظهر بين حين وآخر منذ أربعين عاما، مشروع مؤجل يتم التلويح به للعراقي، وكأنه حلم بجنة مقبلة، ستنفذها الحكومات المتعاقبة، لكن على مدى أربعة عقود كانت كل الوعود كاذبة. فكيف ابتدأت القصة؟ وما هي مراحل تطورها؟ ولماذا باتت تمثل معضلة عصية على الحل في بلد ثري كالعراق، بينما واقع الحال يقول إنها عبارة عن خطي سكك حديد مجموع طوليهما 40 كيلومترا فقط لا غير؟
ابتدأت فكرة إقامة قطار أنفاق، أو ما يعرف بالمترو في العاصمة العراقية، نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي، ومع الوفرة المالية التي كان يتمتع بها العراق نتيجة فائض تصدير البترول حينذاك، شرعت الجهات المسؤولة بالاتصال بجهات أوروبية متخصصة في هذا المجال، وكانت الحكومة العراقية تفضل التعامل مع الفرنسيين، نتيجة المواقف السياسية التي كانت توجه القرارات الاقتصادية والتنموية. وتم تنفيذ تصاميم المشروع، وتم حصر البنى التحتية اللازم توفرها، إلا أن اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في خريف 1980، أوقف عجلة كل المشاريع في العراق، وبضمنها مترو بغداد، وباتت جهود الدولة مركزة على الجانب العسكري فقط، وعلى مدى ثماني سنوات عجاف، رُكنت مخططات المشروع، ثم دخل البلد في دوامة احتلال الكويت، وتداعياتها من عقوبات اقتصادية، كل ذلك جعل مشروع مترو بغداد عبارة عن حلم وردي بعيد المنال بالنسبة للعراقي على مدى ربع قرن. كان من بين المفارقات المضحكة في هذا الملف، استخدام اسم (مترو بغداد) في بروبغاندا التصريحات العسكرية، إبان الحرب الأمريكية على العراق، التي أطاحت نظام صدام حسين ربيع 2003، إذ صرّح عدد من الخبراء العسكريين بأن أنفاق مشروع (مترو بغداد) التي تم تنفيذها في عقد الثمانينيات، يتم استخدامها لاختباء وتنقل القيادة العراقية، وعلى رأسها الرئيس صدام حسين، وقد نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن خبير نووي عراقي، غادر العراق خلال حرب تحرير الكويت قوله؛ «إن لدى النظام العراقي قنوات سرية وشبكات طرق يبلغ طولها مئات الكيلومترات تحت الأرض»، مشيرا إلى أن «كل قصور صدام حسين الرئاسية، تتضمن مثل هذه القنوات والشبكات»، وطبعا نحن في غنى عن القول؛ إن كل ذلك محض هراء.
بعد التغيير الذي حصل في نيسان/إبريل 2003، سارعت الحكومات الجديدة إلى فتح ملفات الأحلام العراقية، وقدّمت باقة من الوعود للشارع العراقي، واضعة جدولا زمنيا لتنفيذ هذه الوعود، التي لم ينفذ منها شيء حتى الآن. وبالطبع كان أحد أهم الملفات هو ملف مترو بغداد. المفارقة أن من يتابع التصريحات عن تفاصيل المشروع، ومواعيد الإنجاز، وكلف التنفيذ، سيقف فاغرا فمه أمام تضارب المعلومات وخلطها وعدم دقتها. ففي مطلع عام 2007 صرح أمين بغداد صابر العيساوي بأن «العراق سيشهد انطلاق مشروع مترو بغداد». أما في مطلع عام 2008 فقد أوضح العيساوي أن «مبلغ مليار دولار قد تم تخصيصه فعلا لتنفيذ مشروع مترو بغداد». لكن الكلفة تضاعفت ثلاث مرات في نهاية العام، إذ خصص مجلس الوزراء العراقي في تشرين الثاني/نوفمبر 2008 مبلغ ثلاثة مليارات دولار لإنشاء مترو بغداد. وإثر ذلك، تم استحداث شعبة متخصصة في أمانة بغداد لمشروع مترو بغداد، بناء على توصية لجنة الشؤون الاقتصادية التابعة لمجلس الوزراء، بهدف إيلاء هذا المشروع الأهمية القصوى.
في آذار/مارس 2009 نظمت جمعية الكندي للمهندسين في لندن ندوة حضرها وكيل أمين بغداد نعيم الكعبي، ومدير عام المشاريع والتصاميم في أمانة العاصمة مهند مانويل، ومستشار أمين العاصمة سعد موحي، وقد أكدوا في هذه الندوة أن مشروع مترو بغداد من أكبر المشاريع التي بدأت أمانة العاصمة العراقية بإعداد مخططاته التصميمية، وتمت إحالته إلى شركات عالمية، وبلغت كلفته 3 مليارات دولار. كما أعلنت أمانة بغداد عام 2013 عن قيام شركة سيستر الفرنسية بتطوير التصاميم القديمة لمشروع المترو، لكن المفارقة أن كلفة المشروع قفزت هذه المرة لتصل إلى 7.5 مليار دولار، مع إشارة إلى بدء تنفيذ المشروع، إذ اختارت دائرة المشاريع في أمانة بغداد، سبع شركات عالمية من دول مختلفة لتقديم عروض وتصاميم لمشروع مترو بغداد. تراجع الاهتمام بالمشروع حتى كاد ينسى مع تداعيات الحرب على تنظيم الدولة (داعش) وانهيار أسعار البترول العالمية، التي أدت إلى تراجع واردات العراق، ودفعت حكومة العبادي إلى إعلان حالة تقشف حادة عام 2014. لكن في السنة الأخيرة من ولاية هذه الحكومة عاد الحديث عن المشروع إلى الواجهة مرة أخرى، إذ صرح المتحدث باسم أمانة بغداد حكيم عبد الزهرة في كانون الأول/ديسمبر 2017 قائلا؛ إن «جميع متطلبات مشروع مترو بغداد اكتملت، سواء على مستوى التصاميم، أو مفاتحة الجهات المختصة، إلا أن الأمانة تنتظر الموافقات الرسمية من الجهات العليا للمباشرة بتنفيذ المشروع». لكن هذه المرة حدث تحول جديد في القصة، إذ ظهرت الإشارات الأولى إلى «القطار المعلق» مرادفة لمترو بغداد في تشوش واضح، إذ اعتبر البعض أن المترو والقطار المعلق مشروعان منفصلان، بينما تحدث بعض المسؤولين عن التسميتين، باعتبارهما شيئا واحدا؛ فقد صرح عضو لجنة الخدمات في مجلس محافظة بغداد حسون الربيعي عام 2018 بأن «هناك أسبابا عديدة تحول دون تنفيذ مشروع مترو بغداد، والقطار المعلق، رغم أن المشروعين مهمان للعاصمة، لكونهما سيحدان من الزحامات المرورية، ويجعلان حركة النقل بانسيابية عالية». بينما أكد محافظ بغداد محمد جابر العطا مطلع عام 2020، أن «مشروع القطار المعلق أو مترو بغداد في مرحلة تجهيز العقود الخاصة لبدء التفاوض مع شركتي الستوم الفرنسية وهيونداي الكورية».
المفارقة المضحكة المبكية في ما كشف عنه من تقديرات كلفة المشروع وجهات التمويل، التي بدأ الحديث عنها عام 2019 إبان حكومة عادل عبد المهدي، إذ أعلنت إدارة مصرف الرافدين العراقي نهاية عام 2019، عن رصد 5 ترليونات دينار (حوالي 4 مليارات دولار) لتمويل المشاريع الاستثمارية الخدمية في البلاد، ومن ضمنها مشروعا «مترو بغداد والقطار المُعلّق» مؤكدة أن المصرفَ جادٌ بتنفيذِ هذا المشروع، وتم الاتفاق على الشروع به، لاسيما أن التكلفة الأولية لإنجاز المترو تبلغ 5 ترليونات دينار»، هذا يعني أن تقديرات كلفة تنفيذ المشروع قد هبطت من 7.5 مليار دولار إلى أربعة مليارات دولار فقط.
ولا تكتمل النكتة السوداء في الفانتازيا العراقية، إلا بمزيد من الفضائح، إذ كشف عضو لجنة الخدمات والإعمار النيابية جاسم البخاتي، في تموز/يوليو 2020، عن وجود خلل في ترجمة العقد بين أمانة بغداد وشركة الستوم الفرنسية، أدى إلى تعطيل مشروع مترو بغداد، وبيّن البخاتي «حدث خلاف بين الشركة الفرنسية وأمانة بغداد، نتيجة مشكلة في الترجمة، ومحور الخلاف أن شركة (الستوم) كانت حسب العقد مسؤولة عن تعديل وتطوير تصاميم مشروع مترو بغداد، مقابل مبلغ 40 مليون دولار، وإنها غير ملزمة بالتنفيذ، بينما كان خبراء أمانة بغداد يعتقدون أن العقد أحيل على شركة الستوم للتنفيذ»، والنتيجة بعد التحكيم الدولي حسب جاسم البخاتي؛ «أن الخلاف انتهى واستلمت الشركة 40 مليون دولار حسب العقد».
الخلاصة، أن هنالك مليارات الدولارات خصصت للمشروع منذ أكثر من عشر سنوات، ولا أحد يعلم ماذا حلّ بها، وإن تعديلات تصاميم المشروع قائمة منذ أربعين سنة، ومستمرة حتى الآن، وفي النهاية تظهر فكرة جديدة مفادها تنفيذ قطار معلق، نتيجة صعوبات الحفر، وعدم إمكانية توفير مستلزمات البنية التحتية. والحمد لله، فقد اتضح أن هذا القطار لا يكلف سوى 4 مليارات دولار فقط، تكفل بتوفيرها البنك المركزي العراقي، ليتضح أن شركة الستوم الفرنسية قد نصبت على أمانة بغداد بمبلغ 40 مليون دولار، استلمتها كأجور تعديل التصاميم القديمة. لكن من جانبه صرح قصر الإليزيه في معرض تغطيته لزيارة الكاظمي إلى باريس قبل أيام؛ «بأن الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء العراقي شددا على أهمية مكافحة الإرهاب عقب اجتماع في باريس. وأن الزعيمين رحبا بخطط مجموعة الستوم الفرنسية للعمل في مشروع مترو بغداد». إنها الفانتازيا العراقية.تتفوق بعضها عليها، يجعلنا نتساءل عن إمكانية إحالة هذه الأحداث إلى فانتازيا واقعية بعيدا عن الأدب وعن الفن.
تتكدس الأسئلة حول المعطيات المحلية والإقليمية والدولية التي أوحت لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بإعلان حربه ضد السلاح خارج سلطة الدولة.
والأمر ليس شأنا محليا تتعامل به الدولة مع الخارجين عن القانون كما في بلدان كثيرة، بل أن الحدث يقلب ستاتيكو بدا نهائيا بنيويا في طبيعة النظام السياسي العراقي منذ عام 2003. فلم تكن دولة نظام ما بعد صدام حسين إلا نتاجا للميليشيات ورعاتها، ولم تكن هذه الدولة في بغداد إلا صدى للدويلات المتعددة التي تنبت كالفطر وتمارس نفوذها علنا، سواء بواجهات فصائلية أو من خلال الاختراق الممنهج لمؤسسات الدولة السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية.
لم يسبق للدولة العراقية التي انتجها واقع ما بعد غزو عام 2003 أن تمردت على الأمر الواقع وفوضى السلاح. لا بل إن هذا الأمر الواقع هو من أملى يوميات كافة الحكومات المتعاقبة. وحتى حين كانت تنتفخ أورام التوتر بين الدولة والدويلات كانت التسويات، بما فيها البرلمانية والدستورية، تأتي لصالح الدويلات. وليس استسلام الدولة لفتوى إنشاء الحشد الشعبي وخضوع البرلمان لأمره الواقع وفرضه كمؤسسة شرعية من مؤسسات الدولة، إلا مثالا أخيراً على حاجة النظام السياسي في بغداد للركون للهامش للحفاظ على المتن.
حين تهافتت كافة الأحزاب العراقية، بما فيها تلك الدينية الموالية لإيران، على تكليف الكاظمي بتشكيل الحكومة، كان ذلك بشق النفس وبعد فشل محاولات سابقة لتكليف بدائل عنه. بيد أن التهافت في الشكل كان يرمي إلى محاصرة رئيس الحكومة الجديد بإجماع مسبق يكبل يديه في ما ينوي الذهاب إليه. فمشكلة المتهافتين مع هذا الرجل أنه “ابن الدولة” وهم يكرهون أن يكون هناك دولة لها أبناء وسلالات.
أن يقوم جهاز مكافحة الإرهاب العراقي بغارته الشهيرة ضد حزب الله العراقي، فذلك أن الجهاز، الذي لطالما عُرفت عنه أنشطته ضد تنظيم داعش دفاعاً عن العراق من حمى الإرهاب وشبكاته، يضرب بيد من حديد بأمر من الدولة العراقية ضد من يعتبره هدفا إرهابيا يهدد أمن العراق والعراقيين. في الأمر إعلان عن ولادة نمط انقلابي في قيادة البلاد فاجأ زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق”، قيس الخزعلي، ودفعه لتذكير الدولة والحكومة ورئيسها بواجباتهم وحيز صلاحياتهم التي لا تنسحب، وفق اجتهاده، على أنشطة الميليشيات “المقاومة” في تنفيذ أجندة طهران والولي الفقيه في إيران.
في شكوى الزعيم الميليشياوي ما يعبر عن تظلم من “خيانة” ارتكبها الكاظمي وحكومته ضد التركيبة التي تقوم عليها دولة العراق منذ 17 عاماً. وللحق أن للخزعلي الحق في ذهوله، ذلك أنه لطالما كانت بغداد صامتة عن، متواطئة مع، أنشطة الميليشيات في ضرب المنطقة الخضراء ومحيط السفارات الأجنبية والقواعد التي تتواجد داخلها قوات أميركية، ناهيك عن إطلاق التهديدات إلى السعودية ودول الخليج، بما في ذلك تلك العسكرية التي تطلق من حدود العراق صوب الجيران.
أن تضرب بغداد بيد من حديد لاستعادة هيبة الدولة دون غيرها والسيطرة على المنافذ وكافة الميادين السيادية، فتلك كارثة بالنسبة لإيران سيصعب أن تخضع لها.
لم تخطط طهران يوماً لتوطيد علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدولة العراقية وفق منهج روابط دولة لدولة. لا تجيد إيران ذلك وتمقت نمط العلاقات الحضارية السارية بين دول العالم والتي ينظمها القانون الدولي. تستثمر إيران في عالم الميليشيات، فهو عالمها ومجال صنعتها ومنطق بقائها، سواء في اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان بعد أن فشلت في اختراع ميليشيات لها في بلدان الخليج.
ستعمل إيران على تعطيل استعادة العراق لدولته (تهديدات الخزعلي تأتي في هذا الإطار)،وقد تذهب مذاهب دراماتيكية قصوى لردع طموحات الكاظمي وأحلامه. واضح أن دولة الولي الفقيه لم تعد تملك الشرعية والهيبة والإمكانات لتسويق قداسة “رسالتها” حارسةً للكون بانتظار عودة المهدي المنتظر. تحطمت الأسطورة بأيد الحراكيين العراقيين في شوارع بلادهم، وباتت طهران تتأمل منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في اكتوبر الماضي، نكستها العراقية، وتستنتج أن أورام وهنها العام الذي ينتفخ عاما بعد آخر (لا سيما بعد فقدانها لصفقتها النووية مع أوباما) باتت مكشوفة في العراق وتنهي فانتازيا أوهامها السابقة في احتلال أربع عواصم عربية. والحال أن تصدع نفوذ إيران في العراق، ولدى شيعته بالذات، نذير انهيار وِرشها العقائدية العليلة في تصدير الثورة منذ 1979، وبالتالي اندثار خامنئية تتجرع سما عراقيا هذه الأيام كان الخميني قد تجرعه من هذا البلد قبل عقود.