كيف يفكر المواطن العراقى بوطنه العراق, ماهى الصور , التجارب والذكريات التى يحملها معه سوى ان توجه نحو الهجرة واللجوء او وجد فرصة عمل فى الاقطار العربيه المحدودة العدد, اليمن, السودان وليبيا, من اجل ان يعيش بهدوء وسلام ويرسل بعضا مما يكسبه الى الاهل والاصدقاء ويخفف عنهم الالام ومعاناة الفقر والحاجه, او ان يستمر “مرغما” للبقاء فى العراق يعانى ما يعانيه ومراقبا من الاجهزه الامنيه الطاغيه, مرغما ثانية ان يقتنع بالهزائم والكوارث التى حلت به, بوطنه وبجيشه وان تكون انتصارات كبيره تعيد امجاد الامه وتفتح افاق المستقبل, ويشاهد ايضا اقامة الجداريات, النصب والتماثيل فى المدن والقرى, فى الشوارع والميادين للقائد الضروره بالسيكار الكوبي والققهات العاليه والنظاره الشمسيه, او بكامل القيافه العسكريه برتبة “المشير الاول” وقائد القوات العسكريه ورئيس مجلس قيادة الثوره. كانت المعاناة والضحايا قد شملت العراقيين جميعا الا ان التضحيات البشريه الجسيمه كانت بشكل خاص وفقا للنظام الطائفى الذى تصاعدت ممارسته منذ 1963 كانت من نصيب ابناء المنطقه الوسطى والجنوبيه من الجنود والمراتب الذين شكلوا كيان الجيش العراقى المعروف بوطنيته وشجاعته واقدامه.
كانت ثورة 14 تموز 1958 محاولة جاده لبناء وتطوير العراق والعمل على تحقيق عدالة اجتماعيه, هذا بالاضافه الى تجاوز الطائفيه فى تشكيل الوزارات العراقيه, فقد تم مراعاة التشكيله المجتمعيه بانتماءاتها الطائفيه والقوميه والدينيه. الا ان الثوره لم تستمر طويلا وخلال الـ 4,5 سنه من عمرها حصلت خلافات كبيره بين قادتها وجابهت الكثير من الفوضى والارهاب وانتفاضات مسلحه يغلب على نشطائها الفكر والانتماء الطائفى والتى قادت فى النهايه بالقضاء على الثوره بانقلاب دموى عسكرى الذى حصل عن تحالف البعثيين والقوميين بقياده عبد السلام عارف فى 8-شباط 1963. ان التصفيات, زج الالاف فى السجون والمعتقلات وارهاب الدوله المبرمج لكل الذين يخالفونهم الرأى تمثل حالة فريده من حلقات التاريخ الدموى العراقى. ان “جرائم الحرس القومى” سوف تبقى فى الذاكره العراقيه من اسؤ واعنف الصور التى حصلت فى حياة العراقيين. فى 18 –تشرين الثانى 1963 تم ازاحة الحرس القومى والبعثيين من السلطه واصبح عبد السلام عارف رئيسا للجمهوريه واحمد حسن البكر نائب رئيس الجمهوريه. لقد اصبح الفكر والسلوك الطائفى منهجيا فى اداء الحكومه, فقد حرص البكر مباشرة بتقريب اقربائه وابناء عشيرته من تكريت فى الحكومه والقوات المسلحه وذلك لتكوين جماعات كبيره من المخلصين والامناء على اسس قبليه وقرابيه, واخذ ت الطائفيه تتصاعد بعد انقلاب 17-تموز 1968 حيث تم منح الرتب العسكريه العاليه وامتيازات الاراضى الزراعيه والسكنيه والحقوق التقاعديه لاعضاء مجلس قيادة الثوره واعضاء الحزب وبعض الموالين, هذا بالاضافه الى تخصيص نسبه معينه من واردات النفط لحزب البعث. ان الكتله التكريتيه فى الحكومه والدوله منذ رئاسة احمد حسن البكر وبعدها برئاسة صدام حسين حولت الحزب الى اقطاعيه عشائريه والعراق ارضا وشعبا الى ضيعه ملكا لعائلة صدام يتصرف بها شيخ العشيره كما يحلو له ووفقا لامزجته الغريبه, القائد الضروره العبقرى الذى يقرأ الغيب ويخطط له.
ان علاقة المواطن العراقى بالعراق وطنا وهويه ترتبط منذ تولى حزب البعث الحكومه والدوله بمعاناة لاحدود لها, فهو مشكوك بولائه اصلا , تراقبه وترهبه الاجهزه الامنيه والمخابراتيه بشكل دائم وفى كل مرافق الدولة والحياة, هذه الاجهزه المدربه والمجهزه باخر اساليب الارهاب والاغتيال والعنف كانت افضل اجهزة الدوله الفعاله وكانت النتيجه الكارثيه قصم هيكلية منظمومه الاعراف والتقاليد والعلاقات الاجتماعيه بحيث انعدمت الثقه بين الناس والاقارب والزوج وزوجته والاب وابنه خوفا من افتراءات من مختلف المتطفلين والانتهازيين, وكان اقتحام القوى الامنيه للبيوت واعتقال المشتبه بهم تشكل احد يوميات العراقيين الاليمه, وكما هو معروف فأن المعتقلين لا يرجعون الى اهاليهم ثانية واذا قدر لهم الرجوع للاهل فان وفاتهم مبرمجه مسبقا.
من ناحية اخرى فان حرب الـ 8 سنوات مع ايران 1980 – 1988 وعملية احتلال الكويت هما مغامرات دمويه طائشه لا يوجد لهما اى مبرر عقلانى وكان يمكن الوصول الى نتائج كبيره افضل دبلوماسيا. انهما منطقيا نتاج العقل الاحادى المثقل بالعنف والانتقام, بالغرور والعبقريه والنرجسيه والذى منح نفسه قدرات هائله فى التحدى والانتصار. اننا نعلم جيدا الكوارث التى نتجت عن هذا التعسف والقرارات الفرديه. وليس اخيرا الحصار العالمى على الشعب العراقى لـ 13 سنه الذى ادى الى افقار اوسع الشرائح الاجتماعيه, وبنفس الوقت يسمح القائد الضروه من اموال ” النفط مقابل الغذاء” ان يبنى له قصورا لا مثيل لها. ان المواطن العراقى سواء ان هاجر او نجح فى الاعتراف به لاجئا بعد معاناة وانتظار طويل يعلم جيدا ان قراره هذا كان هروبا من الوطن, هروبا من العراق وهروبا من سلطات التسلط والارهاب. انه يعلم جيدا بان هذا النظام اتخذ من الطائفيه الاسلوب الافضل لضمان استمراريته.ان هذا النظام الطائفى الذى اضيف اليه الانتماء الحزبى, الانتماء لحزب البعث للحصول على عمل, للاستمرار به وتفادى ما يمكن ان ينسب اليك قد انتهى ان يكون حزبا ا عقائديا منذ 1968, منذ تسلط احمد حسن البكر وصدام حسين على الدوله.
ان اللقاء بالبعض من العراقيين فى المناسبات الوطنيه يثير الاحباط والتساول الى اين والى متى؟ انهم يذكرون العراق بالم ومراره, الحروب التى كانت سببا فى فقدان الاخ, الاب, الاقارب, الاصدقاء وحتى الجيران, الارامل والايتام والمعوقين, وجيل كامل من الشباب قد خسر عمره وعمله فى الخدمه الاجباريه لعشرات السنين ومنع السفر منذ سنين ايضا. انه لمس ذلك شخصيا حينما تحول الى مواطن من الرجة الثانيه والثالثه بعد ان عامل المغتربين المصرين كمواطنين الدرجه الاولى, ليس حبا بهم او بمصر ام الدنيا وانما لحاجته اليهم فى تعويض العراقيين فى جبهات القتال. ان المواطن بدأ يشكك فى هذا الوطن نتيجه للممارسات القياده والحكومات التى اغتصبت انسانيته وكرامته وجعلت منه شيئا تافها لا يقوى على التغيير. من الامور التى تم رصدها بين عراقى الداخل وعراقى الخارح التجارب المحبطه والمؤلمه فيما بينهم, انها تجارب عدم الثقه والحذر والريبه والتنافس وقلة المساعده الى درجة النفاق البليد السمج للمسؤلين والافتراءات على بعضهم البعض مما يجعل استمرارهم فى مكان واحد يثير الفوضى وتردى الانتاجيه والتى تجعل صاحب العمل يفضل التخلص منهم, وبذلك يشكلوا موقع ضعف يصعب ان يتطور الى موقع قوه. ان المصريين يقدموا صورة مختلفه عن العراقيين, هذا ما تعرفنا عليه اثناء سنين عملهم فى العراق, فاحدهم يشيد بالاخر ويقدمهوا بافضل المواصفات, ويشيد به, انه من دبلوم زراعه , تجاره يعنى ” بتاع كلو” مؤهل لكافة الاعمال, حتى لو كان لايجيد القراءه والكتابه, وهذا يحصل ايضا فى الاوساط الاكاديميه, ان اى استاذ هو المرجع الكبير والمؤلف والمشارك فى المؤتمرات الدوليه المتخصصه. هذه الطريقه التضاميه بعضهم مع الاخر تساعدهم على تكوين موقع قوه ليس سهلا تجاوزه. ان هذا السلوك ترجع اسبابه الى ان الطائفيه الاجتماعيه السياسيه لم تاخذ موقعا ذات اهمية فى المجتمع المصرى الذى تطور الى مجتمع متجانس ذو مذهب واحد باكثريه مطلقه يجعله بعيدا عن الطائفيه.
بعضا من كتبة السلطان يؤكد ان صدام حسين واحمد حسن البكر لم يكونوا طائفيين, حتى ان الرئيس صدام حسين قد عقد قران بناته على المذهب الجعفرى لانه يمنح المراة موقعا افضل وحقوقا اكثر, الا ان هذا لا يعنى شيئا مع الواقع المعاش مقارنة باتخاذهم التقسيم الطائفي الذى مورس منذ الحكم العثمانى وجعلت من العرب ابناء الطائفه السنيه مواطنين من الدرجه الاولى والعرب الشيعه مواطنين من الدرجه الثانيه وقد انعكست هذه الحقيقه فى ازمنه حكم حزب البعث الذى كان يتعامل اصحاب القرار من الدرجه الثانيه والثالثه من الحزبين مع العرب الشيعه فى مؤسسات الدوله كمتفضلين عليهم وليس مواطنين لهم نفس الحقوق والواجبات. ان استمرار التفكير والفضل الطائفى سوف يعمق ويطور خلافات جديده وبذلك تصبح الهويه العراقيه صعبة المنال والاستمرار.