اننا نحضى باحترام وتقدير من قبل غالبية اخواننا العرب وبعض الاجانب الذين عاشوا بالعراق وتعاملوا مع اهله, وكما يبدو فان سمات الغيره والنخوه وتقديم المساعده للاخرين والشجاعه والكرم وكراهية الظلم والظالم من الصفات التى تنال الرضى والاعجاب, الدهشه والاستغراب من قبل الكثير من الاخوه العرب, وكما اعتقد حينما يتكلم عنا, خاصة اخواننا الخليجيين يعبرون عن صدق مواقفهم وارائهم ولا توجد ضروره للنفاق او التملق, او كما يقول المثل العراقى والعربى ,” شيم العربى وخذ عبائته “, انهم يقفوا مذهولين امام الابداع العراقىى حينما يستضيفوا شاعرا, كاتبا, مطربا او فنانا عراقيا.
لقد حصلت لى والكثير من العراقيين فى الغربه, بعد احتلال الكويت وسنين الحصار العدوانى على شعبنا العراقى, ونزوح اعداد كبيرة من العراقيين للهجره واللجؤ فى مختلف بقاع الارض حصلت لهم تجارب واحداث جديرة بالاهتمام والاحترام تمثل انعكاسا عن ذواتنا كافراد وشعب له افكار ومواقف لها صداها الايجابى يمتد واسعا عميقا فى مختلف الحقول والميادين منذ قديم مراحل التاريخ والمنجزات الحضاريه الكبيره.
بعد ان بات استمرارى فى قسم الاجتماع, كلية الاداب, جامعة بغداد يهدد بالخطر والمصير التعيس المجهول, حزمت امرى وتوجهت عام 1991 نحو الجماهيريه الليبيه. عند الحدود العراقيه الاردنيه توقفنا للتفتيش والتأكيد على صحة المستندات. كنت قد اخذت مبلغا من المال, وعند التفتش وجده الضابط فى احد الحقائب. نظر الي , سالنى الى اين دكتور؟ قلت له الى ليبيا, قال بالتوفيق والسلامه, حمدت الله فقد كنت قلقا ان يحصل ما لايحمد عقباه. فى اليوم التالى اخذت الطائره الى طرابلس وكانت تجربه اليمه ان يكون ضباط المطار المصرين بهذه القسوه والتعنت, من الاسئله التى لاتنتهى حول مختلف الامور, ورفضت ان اعامل بهذا الشك والريبه خاصة وانى متوجها الى ليبيا. بعد وصولى مدينة طرابلس توجهت الى مكتب العقود لجامعة الفاتح, قابلت المدير الذى رحب بى كثيرا وكانت مفاجئه سعيدة حينما وقعت عقد العمل بعد 15 دقيقه. توجهت الى كلية العلوم الاجتماعيه وقابلت عميد الكليه الذى رحب كثيرا وابدى ارتياحه كونى خريج المانيه الغربيه والذى يوفر تنوعا فى التخصصات, كما اشاد كثيرا بالاساتذه العراقيين الذين عملوا فى الجامعه فبل عشرات السنين مثل الاستاذ الدكتور قيس النورى, توجهت لاحقا الى احد مجمعات الاساتذه الذين قد وصل ليبيا منذ بضع سنوات, كانوا من مختلف التخصصات وكانوا جميعا من الحزبيين الذين تمتعوا بالامتيازات التى يوفرها الانتماء الحزبى. كان الحديث مع الاساتذه العراقيين محبطا, فقد اعتبروا قدومى الى ليبيا مغامره لان الاوضاع فى ليبيا غير مستقره ولا توجد مجالات للترفيه والسكن, خاصة ان الرواتب تدفع مرتين فى السنه فقط وكان الافضل ان اقصد اقطار عربيه اخرى كالسودان واليمن. ولما سألتهم عن سبب بقائهم فى ليبيا, لم يعطوا جوابا, وكذلك لم يحاولوا ان يعطوا بعض المعلومات حول الجو الجامعى, عن السكن, عن بعض الخصوصيات الليبيه لم يكونوا كرماء ابدا. فى حقيقة الامر لم يكن اي فضاء للتنافس او الغيره فيما بيننا لاننا من اختصصات ت مختلفه, ولكن كما يبدو فان التعامل والعلاقات مع ابناء الوطن الواحد تتأثر وتخضع الى مفردات الولاء والانضباط لحكم الحزب الواحد والدكتاتوريات والقائد الاوحد الضروره, ان هذه الاولويه ملزمه ويعاد استنساخها فى محتللف المواقع دائما . كان الليبيون,اساتذه الجامعه وعادى السكان ينظرون الى العراقيين نظرة ايجابيه وكثيرا ما تصدر صرخات الاستنكار والتنديد بالتأمر على العراق وشعبه, انهم الحكام العرب الذين لم يناصروا العراق ويقوموا بحماية شعبه. لاشك بان هذه المواقف ترجع الى حد كبير الى الصوره الايجابيه التى تبلورة عن قوة الجيش العراقى وتقدم العراق علميا وتكنولوجيا والرئيس صدام حسين كقائد للامه العربيه والوحيد الذى وجه صواريخه نحو اسرائيل. انها الصوره التى انجزها كتاب وصحفى السلطان العراقيين ومن مختلف الاقطار العربيه. كان بعض الالساتذه الليبين يؤكدون على خصوصية العراقيين بامكانياتهم وافكارهم, ويذكروا تردد الاسماء التى تعبر عن القوة والفعل والعظمه مثلا , الاسم عبد الجبار , عبد القهار, عبد الستار ويذكروا ابضا بان القبائل العراقيه التى قامت بفتوحات شمال افريقيا. ذكر لى احد الاساتذه انه قد تولدت فكرة تدريب الجيش الليبى من قبل مدربين من الجيش العراقى, وقد حصل ذلك فعلا حيث تولى التدريب عدد من عرفاء ونواب عرفاء من الجيش العراقى, كان هؤلاء قد اعتادوا على الاوامر وقسوة المفردات التدريبيه واستمرارها لعدة ساعات فى الوحده التدريبيه. الا ان النتائج كانت غير ملائمه بالنسبة للشباب الليبين الذين لم يعتادوا هذه القسوه واللغه والطريقه وتسبب وفاة اثنين من الجنود الليبين, خاصة وان بنيتهم الجسميه اقل متانه وتحمل من العراقيه. كان غالبية الاساتذه العراقيين من خريجى جامعات اوربا الغربيه وامريكا, وكانت هيئة التدريس تتكون من الاساتذه الليبين والسوريين,السودانيين وبعض الجزائريين وعدد محدود من الكوبيين, وكان الاساتذه العراقيين يتمتعون بسمعة جيده علميا وعمليا, فقد كنا نعطى المحاضره اهميتها ووقتها الزمنى, من ناخية البداية والنهايه التى كما يبدو لم يلتزم بها الاخرون. كانت علاقتنا بالاساتذه الليبين محدوده فى اطار الجامعه, خاصة ان غاليبيتهم يتوجه الى عوائلهم وقبائلهم فى نهاية الاسبوع مباشرة. الا ان المشاركه معهم فى حالة المرض والمناسبات والافراح , خاصة حالات الوفاة ضروريه وملزمه, وقد حدثنى احد الاساتذه السودانيين عن وفاة احد الاساتذه العراقيين قبل عدة سنوات فقد اقامة له الجامعه مراسيم وحضور مهيب. لقد ادرجتنا ادارة الجامعه بـ ” البطاقه التموينيه” التى كانت توزع تقريبا شهريا وكانت تحتوى على عدة مواد غذائيه ومنزليه وكانت دائما ذو نوعية جيده جدا. ان محدودية السكان لا تتناسب مع مساحة ليبيا الشاسعه, والساحل الليبى الذى يبلغ طوله حوالى 2000 كم, والمناخ معتدل والزراعه جيده وتزرع مختلف المحاصيل التى تعتمد المياه الجوفيه والامطار, وتم فى نهاية التسعينات انجاز مشروع النهر الكبير من ينابيعه فى اوغندا وبذلك قد انتهت معاناة المياة الصحيه.
لا شك فان حكم العقيد القذافى حكما فرديا وعشائريا ومتسلطا على ايرادات النفط ويستخدمها كما يحلوا له ووفقا لاهوائه ومزاجه المتقلب, كان يؤكد فى مؤتمراته الجماهيريه على الابداع والاستثمار ولكن عليهم ان لايفكروا بموارد النفط . لقد تم انجاز مشاريع سكنيه كبيره وكان يحتلها السكان دون ان يعاقبوا على ذلك, وفقا لمبدأ الدار لساكنيها. ولاشك فان ممارسة العنف والخوف والسجن والاغتيال تشكل يوميات الليبين. كما كانت فئات واسعه من الليبين تيدو عليهم الفقر والعوز ولم تكن الروه موزعه بشكل مرضى. كان الستلايت متاحا فى ليبيا, ورغم محدودية البرامج الليبيه, “ألقذافى وصديقه محمد حسن” باستمرار على الشاشه, الا ان استقبال المحطات المصريه والتونسيه كان ممكنا. كانت ليبيا تقوم بتصنيع نوعيات من الكوميوترات التى كانت منتشره لدى الطلبه والاساتذه. ان السلوك الذى اعتاد عليه الاساتذه العراقيين فى جامعاتهم نقلوه الى ليبيا واخذوا يتقربوا الى العماده ويقدموا خدماتهم بشكل غير لائق وللاسف الشديد يحمل كثيرا من التملق والنفاق والمهادنه وكثيرا من الاشاده بالذات والعلميه وقد عمل البعض مع الاجهزه الامنيه حيث تغيرت اموره الماديه,السكنيه بشكل ملموس واصبح كثير المشاركات بعيدا عن الجامعه.