23 ديسمبر، 2024 5:24 ص

العراق والصراع على تحديد الهوية

العراق والصراع على تحديد الهوية

العراق مهد الحضارات والقيم ومدونة التاريخ الأولى وتمثل ارض العراق من أهم الأراضي التي استطاعت أن تلد لنا اعرق الحضارات التاريخية التي يرجع عمرها إلى آلاف السنين ما قبل التاريخ الميلادي, إلا انه مع كل هذه القيمة الحضارية إلا إن أبنائه لم يحصلوا على عيش كريم على أراضيه على طول تلك الحضارات, بل كان الملوك وصناع الحضارة يتضخمون على حساب شعبهم كما هول حال كل ملك وسلطان, ومن ابرز أنواع الظلم الذي يحل على كل امة تعيش صراعات فيما بين أبنائها وأعدائها هو ضياع هويتها بسبب الصراعات التي تحصل جرى تمدد الملوك واتساعهم في احتلال الأراضي والمدن الأخرى, وهذه هي حال كل المماليك الذين كانوا يتمتعون في الحكم آنذاك مع اختلاف في تحديد نوع الصراع الذي يدور فيها ففي الدولة الفارسية يكون الصراع داخلي فان حدوث انقلاب عسكري او صراع فيما بينهم فهذا لا يعني ضياع هويتهم القومية لا بل تبقى هويتهم الفارسية محفوظة ومعلنة عندهم أو عندما يكون الحاكم في حلف مع دولة معينة فانه يعلن ولاءه لها علانيته من دون التذبب في الموقف او عندما يرفض التعامل مع دولة معينة بسبب سياسة تختلف عن نهجه في العمل فانه يعلن رفضه لها ومن دون الخوف او التستر عن ذلك الرفض وهذا عامل قوة ويزيد في إصرار الشعب وثقافته وتوجهاته ففي زمان الشاة مثلاً الذي كان يحكم إيران كان الولاء للمجتمع الغربي واضحاً وصريحاً في سياسته, وبعد الثورة وإعلان الجمهورية الإسلامية أصبح ذلك الولاء مستنكراً لديهم, وعندما أعلنت الدولة المصرية العربية حلف الناتو مع إسرائيل رفضت الجمهورية الإسلامية ذلك الحفل وسحبت سفيرها وقطعت علاقتها مع مصر إلى يومنا هذا, وهي اليوم تصر على إن مصر إذا أرادة أن تحسن علاقتها مع إيران فعليها أن ترفض ذلك الحفل أو تعتبره عمل خاطئ, وهذا الإصرار على الثبوت في المواقف يبرز لك هويت الجمهورية السلامة الواضحة والرافضة للتعامل مع إسرائيل والذي يمثل لك كيف تتعامل الدول مع ثوابتها وسياستها في الحكم.

وهذا الأمر جيد في التعاطي مع المواقف وفي الحفاظ على مرتكزات الهوية في العمل, وهذا مما يغيب عن الساحة العراقية مع شديد الأسف ولم نجد وضوح للهوية العراقية لدى سياسيها أو حكامها على مر التاريخ ففي زمن الدولة العثمانية نجد بان العراق يقع تحت صراعين صراع الدولة العثمانية وصراع الدولة الفارسية وان المجتمع واقع ضحية ذلك الصراح ولم تكن هوية العراق فيه واضحة هل هو تابع للدولة العثمانية في جميع أراضية وأملاكه وشؤونه أم انه تابع إلى الدولة الفارسية.

وفي زمان الاحتلال البريطاني تغيب هوية العراق أيضاً عن الساحة العراقية فهل هو مع قبول الاحتلال والوصاية البريطانية على العراق وان ينتفع شعب العراق من وجود القوات البريطانية على أراضيه في تطوير

البلاد من الناحية الاقتصاد والزراعة والثقافة والصناعة أم انه مع الجهاد والوقوف بحزم وقوة لخروج القوات المحتلة من أراضيه وان يتحد الشعب تحت راية الإسلام وتحت راية الجهاد وان يجاهد الجميع بأنفسهم وأموالهم من اجل استقلال العراق.

وفي زمن الملكية التي حكمة العراق وقع الشعب في مأزق أخر وغابت هويته عن تحديد المصير بين الوقوف مع نظام الوحدة العربية والانصهار في مفهوم الأمة الواحدة مع الدول العربية أو الاستقلال عنها وعدم الدخول تحت ذلك المخطط الذي يراد له إن يعلن مركزيته على العراق تحت الإطار العربي, وقد رافق هذا الفكر القومي والاتحادي العراق وستمر معه ودخل مع بعض الدول العربية في صراعات وخلافات إلى زمن الحكم الجمهوري الذي استطاع إن يزيح الحكم الملكي من العراق.

وفي زمن البعث الذي استطاع هذا الحزب الظالم في إخفاء الهوية العراقية تحت شعارات براقة ومتناقضة فيما بينها فنجدة مرة مع الولاء الأمريكي والدفاع العرب تحت عنوان أمة عربية واحدة ويوقع أبناء شعبه بمواجه الدولة الإيرانية تحت الشعار القومي العربي وبعد فشله يتخلى عن شعاره وهويته العروبية القومية ويقف متحدياً أمريكا ويقوم باحتلال الدولة العربية الكويتية التي كان بالمس يعلن عن نفسه بأنه مدافع عنها وعن دول الخليج الأخرى, ومع كل اختلافه مع حكام العرب إلا انه لا يزال يرفع شعار العروبية والقومية, وطلية تلك الحقبة من الحكم لم تبرز هوية العراق وبقية مغيبة.

وأما ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وإعلان العراق بأنه بلد ديمقراطي تعددي إلا انه لا يزال يبحث عن هويته المفقودة وانه لا زال واقع تحت تدخلات دول متعددة ويتأثر بها سلباً وإيجاباً وما زال يخضع للإرادة الغربية والإيرانية والعربية وما بين كل تلك التدخلات تبقى الهوية العراقية ضائعة ومشتتة وغير معلنة.

فهل نحن مع الفكر القومي والاتحاد مع الدول العربية والوقوف بوجه التمدد الإيراني في المنطقة لكي نعمل على إنجاح هذا المخطط ونفشل كل الإرادات الخارجية الأخرى.

أم نحن مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومع بقية الطوائف الشيعية التي تدين بالولاء لصالح إيران ونقف معها في توسعة مشاريعها في المنطقة.

أم نحن مع دول الخليج في تبعيتها للمخطط الأمريكي وإغماض العين عن الدور الإسرائيلي في المنطقة. هل نحن مع الكل أم ضد الكل أم مع ما تتطلبه منا مصالحنا الشخصية والحزبية. أم إننا لا ندري نحن مع من اليوم ويبقى السؤال الدائم على طول التاريخ أين هي هوية العراق.