23 ديسمبر، 2024 9:46 م

العراق والشام من دون المسيحيين …!

العراق والشام من دون المسيحيين …!

قبل أعوام في ظل موجة تكفيرية طالت الكثير من مسيحي وكنائس العراق وتضامنا مع هؤلاء المنتمين للعراق وطنا قبل الكثير ممن يدعون اليوم احقيتهم بأمتلاك الاصالة العراقية وتكريماً لاصدقائي المسيحيين الذين عاشوا معي ايام الخدمة العسكرية كتبت قبل سنوات في موقع كتابات والحوار المتمدن والزمان اللندنية مقالا بعنوان ( مسيحو سهل نينوى ) والذي استعدت فيه تلك الالفة في سحر الذكريات مع اناس صنعتهم البساطة والطيبة والذكاء والتعايش ومنهم اكتشفت وأنا أزور قراهم ويستضيفوني في بيوتهم أن المكون المسيحي وذاكرته تمتلك عمقا تأريخيا وحضاريا في التراب العراقي ونسيجه الاجتماعي منذ الاديرة النصرانية في النجف والكوفة ونينوى وحتى اليوم الذي اعلن فيه الاب عمائوئيل دلي أن المسيحيين لن يفرطوا بعراقهم لأن العراق لن يفرط بهم.
رؤية العراق من دون مسيحييه تفقده الكثير من ملامحه وخصوصيته فهو في حقيقته التاريخية لم يكن الوطن الحصري  لمكون واحد ، غير ان الرؤية العرقية المتطرفة والتي صبغت برؤية دينية ظلامية ارادت  أن تسوق فكرة ان العراق المسلم هو العراق الذي ينبغي ان يعيش عليه المسلمين فقط . وهذه الثقافة الجاهلة هي ثقافة تكفيرية مستوردة نشطت في رؤاها من بعض الافكار السلفية المتطرفة التي ظهرت لاول مرة في بيانات القاعدة ثم جرى ادخالها الى العراق في اوج الصراع الطائفي على شكل سيارات مفخخة وانتحاريين ومسدسات كاتمة ، وفي خضم ذلك الهوس دخلت حسابات السياسة والمصالح والمزايدات في هذا الأمر وفي المحصلة كان الاذى قد اوغل كثيرا في النسيج المسيحي داخل العراق وكأنهم يريدون من هذا الاغتيال الممنهج الى تهجير المسيحيين من العراق ، وبالفعل هاجر الكثير من العوائل المسيحيية .غير ان التحصن والتواجد المسيحي ظل قويا ومتماسكا في وجوده في مناطق سهل نينوى واربيل وكركوك ودهوك فيما ضعف هذا التواجد في بغداد والبصرة وبقية مدن العراق حيث كان للمسيحيين حتى ثمانينيات القرن الماضي كنائس في مدن جنوبية غير البصرة مثل الكوت والعمارة على ما اظن.
نفس المنهج وبذات المواصفات والدوافع والثقافة يراد تطبيقه على مسيحي سوريا ويقع الأمر داخل اشكاليتين .الأولى يصنعها العقل والفكر والممارسة التكفيرية داخل بعض فصائل الثورة السورية والذين يعتقدون أن سوريا مسلمة بأمتياز الارض والوجود كونها العاصمة الازلية للدولة الاسلامية الاموية وهم يريدون محو الذاكرة التاريخية للمكان من أن اقدم كنائس الشرق هي التي اقيمت على ارض سوريا ، وبذلك هم يلتقون مع نضال اخيهم التكفيري القادم من قندهار ويمارسوا ما كان يمارس على مسيحي العراق ، غير أن الاذى على مسيحي سوريا في هذا الجانب لم يمارس بشكله المخبيء والمكنون بسبب طبيعة العمليات العسكرية وان اغلب مسيحي سوريا مازالوا يعيشون في مناطق يتحصن فيها الجيش والدولة السورية .والاشكالية الثانية ان المسيحيين هم بعض الاوراق الرابحة في يد الدولة السورية ونظامها لاشعار العالم بالمخاطر التي تهدد المكون المسيحي .والحق ان مسيحي سوريا عاشوا في ظل الدولة السورية منذ نهاية الانتداب والى اليوم بأمان والذي يزور منطقة باب توما وسط دمشق سيرى صورة رائعة للتعايش عندما يكون الجامع مجاورا للكنيسة .
ملخص الرؤية لعراق وشام من دون المسيحيين هو فقدان لطعم المكون الحضاري والجغرافي والروحي لهذين البلدين ، لأن المسيحية كما الاسلام والمندائية واليهودية والايزيدية وبقية الديانات تجانست في الرؤية والمحفز والتكاتف في بناء المكون المجتمعي لهذين البلدين منذ ايام بابل والكنعانيين وحتى اليوم والتفريط بوجود هكذا مكون من خلال الحاق الاذى به وتهجيره عن مكان عيشه الازلي هو بمثابة ابادة جماعية توازي تماما ما فعله هتلر بيهود اوربا . وعلينا ان لاندعها تتكرر…!