23 ديسمبر، 2024 2:46 م

العراق..والتجارب المريرة في علاقاته مع روسيا

العراق..والتجارب المريرة في علاقاته مع روسيا

لم يكن تاريخ العلاقات العراقية الروسية منذ ايام الاتحاد السوفيتي السابق وحتى سنوات قليلة مضت، الا ويشهد المزيد من الشعور بالأسى والمرارة لدى العراقيين عن مستوى هذه العلاقة رغم ضخامة العلاقات التي كانت تربط العراق بالاتحاد السوفيتي السابق، وكانت مريرة فعلا لما اكتنفها من الغموض والاستغراب من مواقف روسيا والاتحاد السوفيتي السابق من العراق، والتي لم تترك فرصة يظهر هناك تحديا سياسيا يواجه العراق الا واظهرت انسحابها من هذا المعترك ، بل وبدت وكأنها تخفي ضغينة لشعب العراق ولحكوماته المتعاقبة، وشاركت في مؤامرات وخطط لاستهداف العراق وابقائه ضعيفا حتى في ظل اعتماد العراق على مصادر التسليح الروسي الرئيس الذي كان العراق يعتمد عليها في مواقف بسيطة في مجلس الامن او حتى قضية داخلية واذا بالروس يتراجعون عن اتفاقاتهم ويضربونها عرض الحائط لاسباب غير معروفة احيانا او لمصالح سياسية ضيقة لاترتبط بمبدأ او تحترم فيه معاهدة او اتفاق ستراتيجي.
هذه المقدمة يعرفها الكثير من العراقيين ممن يختزنون في ذاكرتهم اطنانا من العتب والاستهجان من مواقف روسيا من العراق، اذ لم تكن مواقفها في قضايا تخص العراق وعلاقاته مع المحيط الاقليمي ترتقي الى مستوى حجم العلاقات الضخم، واعتماد العراق على التسليح الروسي جرده انذاك من عناصر القوة لتخلي الروس اكثر من مرة عن تزويد العراق بأسلحة يحتاجها في حربه مع ايران مثلا، وكانت للروس علاقات مماثلة مع ايران ولكنها كانت ضعيفة قياسا الى حجم علاقاتها الشاسعة مع العراق، وتكدرت هذه العلاقة اكثر من مرة، وكان العراق قد وصل به الامر الى ان يطلب عتادا بسيطا في حرب الشمال في السبعينات واذا بروسيا ترفض طلبه، وتركته وحيدا يواجه تحديا عسكريا انذاك مع القوى الكبرى التي تريد فصل شمال العراق عن بقية محافظاته ، وكان موقف الروس يعد من وجهة نظر الاف العراقيين مخزيا، ولا يعبر عن ابسط انواع الالتزام مع شعب وقف الى جانبهم في مواقف كثيرة كانت  في غاية الاهمية وقدمت خدمة للدولة الروسية، لكن روسيا تنكرت اكثر من مرة للجميل وتخلت عن العراق في اكثر من مناسبة على مر السنوات المليئة بالكثير من حالات الغموض والالتباس والاستغراب لمواقف هذه وهي تدل على مدى الانانية وعدم الشعور بالمسؤولية لدى الروس ازاء من تخالفوا معه او عقدوا معه معاهدات صداقة وتعاون، على عكس الاميركان الذين التزموا الى جانب حلفائهم من دول الخليج ودول المنطقة والعالم وكانوا اكثر اطمئنانا في العلاقة مع من عقدوا معه معاهدات صداقة وتعاون.
لقد كانت تجارب مصر واليمن ودول اخرى في اوربا الشرقية مع الروس مريرة هي الاخرى، واضطر عبد الناصر بسبب تخلي الروس عنه في منتصف الستينات الى ان يتعرض شعب مصر لهزيمة مريرة سميت بنكسة الخامس من حزيران، عام 1967 المعروفة ماسيها في التاريخ العربي وكان موقف الروس المتخاذل من الازمة مع اسرائيل هي التي ادت الى تلك الهزيمة المريرة، ويتذكر ملايين المصريين مرارة الموقف الروسي الذي خذل مصر كما خذل دولة اليمن الجنوبي يوم تخلى عنها الروس وسلموا مقدراتها للامريكان اضطر اليمن الجنوبي لتسليم مقدرات دولتهم الى اليمن الشمالي والتخلي عنهم في سابقة خطيرة عكست مواقف الروس غير الاخلاقية مع حلفائهم والدول التي كانوا يرتبطون معها بعلاقات متينة كما هو الحال مع مصر والعراق واليمن وحتى سوريا التي خذلوها في معاركها مع اسرائيل اكثر من مرة.
مناسبة هذا الحديث عن مرارة العراقيين من مواقف روسيا هي الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، والذي جاء ليزيد ازمة العراق تفاقما، فبدلا من ان تسهم روسيا في توفير دعائم الامن والاستقرار في العراق راحت تلوح بانها ستزود العراق باسلحة تدعي انها لمواجهة الارهاب، وهي تعرف ان هذه الاسلحة تستخدم ضد الشعب العراقي مثلما جرى استخدامها في الانبار، وكانت الاسلحة الروسية والصواريخ وقاذفات الهاون هي من الاسلحة الروسية التي حولت مدن الانبار الى اشباح بسبب هول القصف باسلحة روسية على ملايين العراقيين،وما زالت ذاكرة العراقيين من الموقف الروسي ازاءهم تمتلا بقصص مريرة ومؤلمة عن تلك السيرة غير الحسنة ان لم تكن الغائرة في الجسد العراقي ايلاما وماسي ، هي خلاصة تلك الذاكرة الاليمة لما يراود مخيلتها من عديد من المواقف التي تعبر عن الاسى واللوعة لما ارتكبه ىالروس بحق العراقيين من جرائم تمثلت في تخليهم عن ابسط المواقف عندما يبيعون حليفهم بثمن بخس دراهم معدودة ويتذكر العراقيين الموقف الروسي ابان ازمة الكويت وكيف تمكنت السعودية من شراء الموقف الروسي بثلاثة مليارات دولا عام 1990 وما بعدها لتشن امريكا حربها الثلاثينية على ارض العراق تحت مبرر  احتلال الكويت، وكان الموقف الروسي تمثل في بيع في المزاد العلني اشعر العراقيون بمدى الخسة والنذالة لموقف الروس ازاء العراق في سنوات وعقود خلت لم يكن موقف الروس فيها مشرفا ولو ليوم واحد يتذكر فيه العراقيون انهم واجهوا موقفا ايجابيا يمكن ان يذكرهم بمواقف الروس هذه على مدة حقب تاريخية كانت مريرة دوما.
بل ان الروس انفسهم من باعوا الحزب الشيوعي العراقي وتخلوا حتى عن ( رفاق الأمس ) وباعوهم في سوق النخاسة اكثر من مرة بثمن بخس، رغم مواقف الشيوعيين العراقيين الداعمة لروسيا والاتحاد السوفيتي السابق، ويعرف الشيوعيون العراقيون كم ان روسيا خذلتهم في مواقفها ازاءهم ، وباعتهم في سوق السياسة الرخيصة اكثر من مرة، ويتذكر الاخوة في اليمن الجنوبي كيف باعهم الاتحاد السوفيتي رغم انه حليفهم الستراتيجي، لكن بضعة مليارات جعلت الروس يغيرون موقفهم حتى تخلوا عن اليمن الجنوبي وحتى ارتيريا وغيرها ما لايمكن ان نستعرضه في هذا المقال السريع.
اما الدول الاوربية الاشتراكية فكات ما زالت تنظر الى تلك الحقبة من مواقف الروس ازاءهم بسيل من المرارة حين تخلى الروس عن دول اوربا الشرقية وسلموا مقدرات زعمائها وشعوبها للامريكان وما زالت اوربا الشرقية الى يومنا هذا تئن من تبعات تلك العلاقة الحزينة المريبة الموغلة في التخلي عن الالتزامات لمجرد ان يتم تقديم بضعة مليارات من الغرب لروسيا، ومواقف الروس مع دول العالم متذبذبة ولا يمكن الاعتماد عليها ، اذ لا احد من دول العالم يثق بالروس او يقيم علاقة يعتمد عليها بسبب سلسلة مواقفهم الفاشلة وغير المسؤولة التي تبنى دائما على  المصالح الانانية الضيقة ليس الا.
هذا غيض من فيض لكن المأساة الكبرى هي ان يشارك الروس في توسيع نطاق الارهاب في العالم وموقفهم من الشعب السوري في حربهم معه لايمت للانسانية بصلة وكانت موقفا غير مشرف، ويخنزن السوريون انهارا من مرارات الالم عن الموقف الروسي ازاءهم، بان راح يلقي عليهم ببراميل من الاسلحة الفتاكة احالت مدنهم الى جحيم لايطاق، وحربهم ووقوفهم الى جانب الارهاب في الانبار هو شاهد على موقفهم المخزي، من العراقيين عموما، وعلى الروس ان يتذكروا ان لاصديق لهم من شعوب دول المنطقة، لان ذاكرة هذه الشعوب مليئة بغصات من الالم والتجارب السوداوية المريرة، عن تلك العلاقات المحبطة للامال ، ومن يريد ان يقيم علاقة مع روسيا فليجرب حظه العاثر معها ليجد نفيه في النهاية خالي الوفاض، لن يحصد الا خيبات الامل بكل تأكيد.