18 ديسمبر، 2024 11:02 م

العراق والارضية المعقدة امام بناء الديمقـــراطية – 1 / 4

العراق والارضية المعقدة امام بناء الديمقـــراطية – 1 / 4

(  إشارة غير مقصوده )

الشرقيين مبتلين بعقد نفسية مزمنه ! يرتاحون عندما تتعامل معهم بالقسوة ..! الكلام عندهم ليس له معنى محدد ‘ ومايقولونه ‘ لايقصدونه ..! فهم ابن اللحظة التي يعيشونها ..!!

 من رواية : سباق مسافات طويلة  للكاتب العربي عبدالرحمن منيف

………………………………………………………………………………………………….

مقدمة

في اواسط ستينيات القرن الماضي وكما وضحت هذا في الجزء الاول من مذكراتي الصحفية ( هكذا فتحت الباب طبع في 2000 ) منذ دخولي الى بغداد وعملي في الاذاعة الكردية يوم 9 كانون الثاني 1964 واستمر عملي منذ ذلك التاريخ الى نهاية 2003 في مجال الاعلام المرئي والمسموع و المقروء ‘ بدأتفكيري في الكتابة عن هذا الموضوع يلح علي منذ اواسط سبعينات تلك المرحلة ‘ ولكن في كل مرة ياتي ما يعرقل الشروع فية ‘ الى ان سنحت لي الفرصه ترك العمل ( الوظيفي وليس المهني : الكتابة والصحافة )

رغم علمي بانه من الممكن ان البعض يتصورون انه  ‘ وبعد ان فتح الافق للشروع ببناء الديمقراطية الحقيقية والتي يتصورون انه  قد بداءت بعد سقوط حكم الديكتاتور بل هناك من بالغ بالتصريح متفائلا ان العراق يصبح منارا للديمقراطية في المنطقة ..! ومن روج لهذا الاساس هي الادارة الامريكية  التي خططت بوضوح لكل ذي بصيرة ليس فقط لاحتلال العراق ‘ بل لاسقاط ركائز الدولة الحقيقية ذات الارادة الوطنية في هذا البلد .

رغم ذلك انا بدأت بكتابة الموضوع في ضوء ما اؤمن به : ( اطرح رايك الذي تؤمن به  ‘ دون توقف على ما يقوله الاخرين وامشي في طريقك ..لان الاصرار على التمسك بضمان رضاالاخرين لايعني الا التوجه للتخلي عن ماتؤمن به  وقديما قيل : ( رضاء الكل غاية لاتدرك ).

نعود الى اساس الموضوع و التفكير في البحث عن اجابة السؤال : ( هل ممارسة الديمقراطية في العراق ممكن وبشكل جدي ؟ ) … و عندما كنت ا بحث عن اي دليل او وثيقة تاريخية و …الخ يساعدني للوصول الى اجابة على السؤال ‘ كان ولايزال ان الاحداث اليومية الملموسة ومنذ سبعينات القرن الماضي من بيده السلطة واخطر من ذلك من بين الناس يدفعني لان اقترب من نتيجة سلبية مفادها : ابعد عن الفلسفة الانشائية للحديث عن موضوع مايسمى بالديمقراطية وابتعد عن نقل او استنساخ مقلدي الحديث عن الديمقراطية الغربيةظاهريا وهم قبليين وفيئوين في داخلهم

اول حديث علني عن الموضوع

اتذكر وتحديدا اثناء مناقشة كيفية تطبيق قانون الحكم الذاتي لاقليم كردستان نهاية فترة المحددة لذلك وهي 11 اذار 1974  وكنت مع رائد الصحافة الكردية المعاصر الاستاذ الراحل حلمي على شريف رئيس تحرير صحيفة ( النور ) المشهوره عراقيا وبحضور المثقف الكردي اليساري ( الشهيد شاسوار جلال ئارام – ) ‘ وجهت السؤال التالي : الا تعتقدون بأن هذه المناقشة فرصة لمعرفة امكانية بناء الديمقراطية المبدئية وليس الدعائية في العراق وهل ممكن ان تؤدي هذه المناقشة الى احترام الاكثرية الوطنية العراقية ام سيكون نتيجها ورغم تضخم الدعائي بمشاركة الجميع ‘ سيكون قرار الاخير لطرف متمسك بالحكم ؟

عد طرحي للسؤال ‘ ابدى الاستاذ حلمي رأيه بالشكل التالي : ( فرض  رأي الشخصي افراد و القبول به من قبل الاكثرية رغم وجود بعض المظاهر التي  توحي بمشاركته في بناء الرأي في هذه المنطقة وبلدانها يعود الى ارث تعود عليه الناس جيلا بعد جيل ..! وان استغلال والادعاء بأن الحكام و المتنفذين هم ورثة الانبياء وحملة الرسالات السماوية ‘ اصبح ظاهرة ذات جذور عميقة اصر هؤلاء الحكام عدم السماح بتغير مسارها مستغليين جهل الاكثرية في تمرير مايطمحون اليه في استمرارالحكم  وان اصرار بعض الحكام على كتابة شجرة اصلهم من خلال ربط انفسهم بـ ( ال الانبياء واصحابهم )  … ورغم مرور كل هذه السنوات وتغييرات الكثيره  في العالم و ظهور افكار مختلفه و نهج في الحكم وادارة الدولة انكم ترون ان منطقتنا عمليا لم يحصل فيها اي تغيير الا في المظاهر وان المتنفذ هو القوي الممسك بتحريك ( ظواهر الانتماء المرتبط باي شكل من الاشكال بالدين ) وان التمسك ( ذات الرسالة الخالدة ) احد حقائق استمرارية  جهه محدده دون غيرهم بذلك .

اول ظاهرة جلبت انتباهي بعد ان استقربي الحال لان اعيش في بغداد كان ( هو ما شعرت من خلال التقاليد الاجتماعية ‘ ان  ضمان حرية الفرد في اختياراته الاجتماعية العامة  الذي يعتبر ركيزته الاولى لبناء مجتمع ديمقراطي ‘ اذا لم يكن مستحيلا فانه من اصعب طموح للانسان ضمن المجتمع المحيط به ) ‘ ومادفعني لهذا الشعور وجود ظاهرة في مناسبتين اجتماعيتين لهما جذور عميقة تؤسس عليها العلاقات العامة في المجتمع العراقي  …! والظاهرتين هما : الفرح اثناء طقوص الاعراس ‘ والحزن اثناء المأتم ..! ففي بغداد رايت ان ايام الاثنين والخميس عندما يصادف اي دار ضمن المحلة  لهم حفلة عرس كان يحصل مايلي : وضع جهازين لسماعة كبيرة امام الدار ويبدأ من المغرب عزف الموسيقى و الاغاني باعلى صوت ويستمر الى وقت متاخر من الليل دون اي اهتمام بوضع كل العوائل المتواجدة في الزقاق او المحلة : هل ان وضعهم النفسي و الاجتماعي يتحمل ان تفرض عليهم الانسجام مع هذه الفوضى تحت عنوان العرس …؟! وعند حدوث العزاء فان الزقاق الذي يقع فية الدار صاحب العزاء ينعزل من خلال نصب خيمة طويلة عريضة ولمدة ثلاثة ايام متتالية مع سماعات كبيرهلنقل تلوات القران الكريم منذ الصباح وحتى بعد صلاة العشاء مساء و على اهل المحلة تحمل كل الصعوبات النفسية و الاجتماعية دون اختيار منهم …! ان وجود هاتين الظاهرتين دفعتني لقراءة كتب دكتور علي الوردي بدقة وتفصيل حول التكوين الاجتماعي العراقي واوصلتني هذه المتابعة و الظواهر من هذا النوع الى قناعة بان احد اسباب تسمية الدكتور للفرد العراقي بـ( ازدواجية ) هو قبولهم ( جبرا ) بهذه الظواهر التي تدل على تناقضات حادة في ترتيب العلاقات .

ممكن يكون هناك من يقول : الايمان بمبدئية او عدمهبالديمقراطية لاتقاس على اساس وجود هكذا ظواهر اجتماعية لانها تقع ضمن تراث او ارث نوعية العلاقات الاجتماعية وليس لها علاقة باسس بناء الديمقراطية التي تتطور ضمن التطور السياسي والاجتماعي ‘ باعتقادنا المتواضع هذا التصور لايصيب الهدف لان كل اسس العلاقات المنظمة في المجتمع مرتبط بذلك الجذر الاجتماعي المتعلق بالمزاج الاجتماعي المتجذر ويحدد رغبة افراد المجتمع الذي يظهر في تصرفاتهم و دراسة دقيقة لاساس الوضع النفسي والاجتماعي منعكسة في تعامل رموز من حكام العراق منذ 1919 على اقل تقدير يدل على هذه الحقيقة .

الاحزاب السياسية وعقم جهدهم

في نهج توعية الجماهير

منذ السنوات الاولى لمرحلة ستينيات القرن الماضي ومن خلال  المتابعة والقراءة الدقيقة بداءت اشك بكل ادعائات الاحزاببيمنهم ويسارهم  المتواجدين على ساحة النشاط السياسي في العراق ( للعلم بما فية الاحزاب الكردستانية ) حيث بدا لي بوضوح مبالغاتهم في كتابة تاريخ نشاطاتهم السياسية لان عدم التوازن بين ( ضخامة نشاطاتهم  و وضوح افكار الذي كانوا يدعونه ) و حصيلة مكاسبهم ( عدا قياداتهم ) للجماهير العراقية عموما  وقواعد احزابهم خصوصا يضعهم في دائرة الشك ‘ واخطر مافي هذا السجل هو عقم كل ماكانوا يدعونه فيما يتعلق بتوعية قاعدة الجماهير ليفهم وبوضوح معنىالحقوق و الواجبات وبوعي يدافع عنها ‘ وعلى سبيل المثال انظروا الى تاريخ الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة الشخصية العراقية المرموقة كامل الجادرجي ( رغم تقدير لبعض خطواته الايجابية ضمن اطار العموميات الوطنية ) ‘ ورغم انه ومنذ تاسيسه وطوال اعوام عمله الى انشقاقه في عهد عبدالكريم قاسم ‘ كان يقوده  دون منافس الراحل الوطني كامل الجادرجي رغم ان الحزب يحمل اسم الديمقراطية ‘ ورأينا وبعد عشرات الاعوام وفي الايام التي اعلن ادعاء ( بدأمرحلة الديمقراطية العراقية باشراف المحتل الامريكي ليكون منار لكل المنطقة ..) عندما اعلن عودة هذا الحزب العريق الى ساحة العمل فوجئ  المراقبين بعمليه لاتدل على اعادة نشاط وطنيه بل احياء وراثه في نشاط سياسي لورثة للجادرجي وليس ( تاريخ نضال من اجل الديمقراطية ) حيث اعلن قيادة الحزب باسم شقيق الجادرجي ….!!

وللحديث صلة