23 ديسمبر، 2024 2:53 م

العراق .. والاثارة الصحفية في صحافة الغرب.. وغياهب الجب!!

العراق .. والاثارة الصحفية في صحافة الغرب.. وغياهب الجب!!

لم يكن يمر يوم في الثمانينات اأو التسعينات وحتى بداية سنوات الألفين ، الا وكان للعراق الحصة ألاكبر في اهتمام الصحافة البريطانية والاميركية، أما اليوم فقد غاب هذا الاهتمام، ولم يجد هذا البلد اهتماما يذكر الا ربما بعد أشهر، ونادرا ما يكون للعراق خبرا ولو في الصفحات الداخلية، يشير من قريب أو بعيد الى العراق.

ولا ندري ان كان هذا من حسن حظ العراق او من سوء أقداره،  فكلا الوجهين لهما محاسن ومساويء ، لكن ما يجمع بينها يبدو انه ( تناقض ) رهيب طبعا، و ( ازدواجية ) غريبة عجيبة ، وهو يبين مدى بشاعة الغرب، وتهور قادته ، عندما يريدون ان يتعاملوا معنا  كدول وشعوب يعدونها من الدول المتخلفة ، ولا يستحق أي اهتمام بحقوق الانسان ، التي كان الغرب يتغنى بها ليل نهار.

اما العراق فلم يعد لابنائه مثل هذا الحق لا في السابق قبل عقود ، ولا في عصر ديمقراطيات الغرب، التي اكتسحت بلداننا الواحد بعد الآخر، ولم تعطينا من نورها سوى بضعة كلمات نلوكها دون ان نكتشف معانيها بين ظهرانينا، وكم تمنى الكثيرون، لو جلب لنا الغرب بعض جنات ديمقراطية ليذيقنا منها ما يشفي بعض غليلنا ونهمنا الى ديمقراطية الغرب، التي ما ان ذقنا بعض شرابها، حتى بدأنا نتقيء من آثارها، ما يصيبنا بالدوار والاعياء، لانها محرمة علينا، ويبدو ان ما يتم ادخاله منها أصبح ( أكسباير ) ، أو أنه لم يعد يتقبله الجسد العراقي أو يستسيغه، وهو المدمي جراحه وجسده بالالام والنكبات ، على دولنا وشعوبنا العربية التي راحت تلهث وراء سراب الغرب، عله ينتشلها من جوعها وعطشها للسلطة، واذا به يلقي بها في غياهب الجب، لتدخل في نزاعات وحروب وصراعات لها اول وليس لها آخر!!

أجل ، لقد غاب العراق عن أضواء الصحافة البريطانية وحتى الاميركية ، ناهيك عن الصحافة الفرنسية والألمانية ودول أخرى ، إذ كان لايمر يوم دون ان تجد العراق يختط اسمه على مانشيتات كبريات الصحف والفضائيات الغربية ، ويكون محور اهتمام والمحللين والمتابعين لشؤونه، كل يرفع به على طريقته الخاصة، وهناك من يرفع من قلق العالم ويوجه الانظار اليه، على ان العراق هو ( الغول القادم ) الذي يرعب الغرب ويسبب له الصداع ووجع الراس، وكان أي مسؤول غربي لايجلس وهو يحتسي قليلا من كأس الخمر ، الا وكان العراق حاضرا، بين ثنايا هذه الكؤوس المترعة بالاثارة ، لتجد كل الروايات الصحفية ، وهي تبحث بين ثنايا الاثارة عن بالون هنا أو هناك ، وهي ان كانت مختلفة في أشكال العزف على سمفونيتها، الا انها تلتقي على هدف واحد، وهو اثارة شهوة الانتقام من العراق، وتحريض كل من لديه رغبة في تدمير هذا البلد لان يبرز عضلاته ويفبرك ويهوس ويعيط ويعتلي صياح الكثيرون، دون ان تجد على الصفحات الاولى من كبريات الصحف الغربية موضوعا الا ويتحدث عن العراق، فهو الشغل الشاغل للجوقة الموسيقية التي تعزف على وتر الاثارة ضد العراق.

أما ما يشغل بال العراقيين ويهز ضمير المنطة نتيجة ما حل بالعراق من ازمات ونكبات فلم تعد تجد لها أي اهتمام يذكر ، الا فيما ندر، ولاغراض ذر الرماد في العيون، وغاب العراق تماما من صفحات هذه الصحف وهي من كبريات وسائل الاعلام التي كان العالم يتابعها بشغف ، ولا يكاد يظهر ما نشيتا او عنوانا بارزا في الصحافة الاميركية او البريطانية الا وتجد العراق هو الحاضر الاول، وبقي لسنوات على هذا المنوال، لاكثر من عشرين عاما، حتى ان الدول الكبرى لم ينل وضعها الداخلي مثلما يناله العراق من اهتمام، وكان لايذهب أي مسؤول الى فراشه دون ان يطلق بالونا يكون العراق فيه عنوانا او مثار اهتمام.

كان العراق الشغل الشاغل للغرب في ان يظهره تلك الماكنة الرهيبة التي ستغزو العالم وتصيبه بالدوار،  ان لم يتم لجم تطلعاته الساعية لان يحتل العراق مكانة متقدمة بين دول العالم، الا انهم حرموا عليه هذا الحق، وعملوا كل ما من شانهم على ان ينالوا منه او يحطوا من قدره، أو يختلقوا من الاخبار ما تنهار منه الجبال من شدة هول الكذب والاختلاق وافتراء مختلف الروايات المختلفة التي تظهر ما يضمره العراق للدول المجاورة التي أرعبها الغرب من هول ما يتم التخطيط له في العراق، ومن مكامن القوة العسكرية والاقتصادية التي تريد الانتقال بالعراق الى مصاف الدول الكبرى .

أما اليوم فبالرغم من هول ما يمر به العراق من أهوال وفواجع، فلم يجد العراق اي اهتمام يذكر، وراحت مواضيع سوريا وايران تنال الاهتمام الاكبر، وكان العراق لم يعد على الخارطة ، ولا تمثل عمليته السياسية شيئا يذكر، بعد ان اطمئن الغرب ان العراق ، في واحة صراع رهيب ينبغي عدم الغوص في أوحاله او الاقتراب من نيرانها لانها تحرق اصابعهم ، ولانهم هم يريدون هذه النيران تبقى متنقدة وتستعر لتكتوي بها أيادي العراقيين وقلوبهم وريروحون ضحية صراعات وحروب وفتن طائفية ومذهبية اعدوها له ، وتركوه وحده يلعق جراحاته وهو ما ان يريد ان ينهض من كبوته، حتى يزيدوا صراعاته اشتعالا دون ان يتدخلوا اعلاميا، حتى لايظهر اجرامهم وتدخلهم الشرير في هذا البلد ، اذ لا مصيبة تحدث في العراق دون ان يكون لامريكا ولندن وطهران واسرائيل يد في كل ما يجري من اهوال وحروب وفتن ومؤامرات، أما مصلحة العراق فهي الغائبة الاول، ولهذا لن يجد العراق اي اهتمام ، وسيقى هذا التجاهل للعراق، بعد ان نام على أحد طرقات الزمان الأغبر ، وهو ينظر يمينا وشمالان ولا يرى الا سكاكينا تنهال على خاصرته، هنا أو هناك، وهو يئن من شدة الضربات ، ومحنة الاهمال ، وانتشار الفوضى والفساد القيمي والاخلاقي ، هي السمة التي تطبع إسلوب التعامل مع الحياة الجديدة، التي لم تبق للعراقيين غير وجع الرأس، بعد ان ضاعت ميزانيات بلدهم وثرواته بين القبائل ،ولم يعد للعراق حظوة  ، لدى أبناء العم سام، ما دام العراق لم يعد له يشكل قيمة كبرى بالنسبة لهم ، ولم يعد ينل اهتماما يذكر بين اهتماماتهم، بعد ان تركوه نهما لكل الكلاب السائبة ، كل ينهش من جسده على طريقته الخاصة!!