تأسّست بعثة الأمم المتّحدة لمساعدة العراق (يونامي)،(UNAMI)، في العام 2003، وذلك بناءً على طلب حكومة العراق للمساعدة في تجاوز وترتيب ظروف البلادالشاذّة بعد الاحتلال، وهي بعثة خاصّة شُكّلت بموجب قرار مجلس الأمن الدوليّ المرقم (1500)، وتوسّع دور (يونامي) في العام 2007 بموجب القرار 1770.
ومعلوم أنّ الحالة العراقيّة بعد الاحتلال، والظروف غير الصحّيّة في البلاد، حينها، دَفَعت لفرض (يونامي) على العراق وبدفع أمريكيّ رغم أنّ الطلب قُدِّم “شَكْليّا“ من “حكومة العراق”!
ورغم حالة الاستقرار النسبي في بعض مرافق الحياة العراقيّة، وخروج العراق، في شباط/ فبراير 2022، من البند السابع الذي فُرِض بعد غزو الكويت، إلا أنّ المشهد العراقيّ العامّ بقي مليئا بالمطبّات، وربّما، الألغام التي قد تنفجر في أيّ لحظة!
وقبل أيّام، وتحديدا يوم العاشر من أيّار/ مايو 2024،طالب رئيس حكومة بغداد، محمد شياع السوداني رسميّاً بإنهاء أعمال (يونامي) في العراق.
فهل غياب (يونامي) سيؤثّر على أحوال العراق العامّة بصورة سلبيّة أم إيجابيّة؟
وسبق لحكومة السوداني، نهاية نيسان/ أبريل الماضي،أن أكّدت اعتزامها إعادة تنظيم العلاقة مع الأمم المتّحدة من خلال مطالبتها بعثة (يونامي) بإنجاز مهامها بحلول شهر أيّار/ مايو 2026.
وهذا الطلب العراقيّ كشفه الأمين العامّ للأمم المتّحدة “أنطونيو غوتنيريش“ عبر رسالة إلى مجلس الأمن الدوليّ نهاية آذار/ مارس الماضي، وبُرِّر الطلب نتيجة ” لحالة الاستقرار الأمنيّ والسياسيّ التدريجي في العراق“!
وشدّد “غوتيريش“ على وجوب استعداد العراق إلى تولّي زمام الأمور، وأنّ مهام (يونامي) المقبلة مع بغداد تهدف لتحقيق “الانتقال التدريجي والتحضير لنقل قدرات البعثة إلى فريق الأمم المتّحدة المحلّيّ في مجالات الانتخابات،وحقوق الإنسان، والإعلام“، وتعزيز قدرات بغداد في مجالات ” مكافحة الفساد، وإصلاح الأمن“.
ولكنّ غوتيريش أكّد وجود عدّة تحديات في الواقع العراقيّ، ومنها مشكلة الجماعات المسلّحة الفاعلة، والخشية من إمكانيّة ظهور إرهاب جديد، أو “داعش”، ومشكلة الصراع على السلطة، ومخاوف القوى السنّيّة والكرديّة من تَغوّل القوى الشيعيّة الحاكمة والفاعلة!
وهل سيتمكن السوداني من قَلْب المعادلة العراقيّة وتسليم الأمور، والجمل بما حمل لمكوّن واحد، ولو بصورة تدريجيّة، وبالذات بعد الإصرار على صبغ غالبيّة مفاصل الدولة بلون مذهبيّ محدّد، والسعي لإدخال مناسبات دينيّة خاصّة ضمن الإطار العامّ للدولة، ومنها المحاولات الحاليّة والجادّة لإقرار عطلة “يوم الغدير” بشكل رسميّ، وكذلك محاولات هدم نصب “أبي جعفر المنصور” ببغداد لأسباب مذهبيّة وتاريخيّة!
العراق بلد مليء بالأزمات، وهو بلا رئيس للبرلمان منذ عدّة أشهر، والفوضى السياسيّة تترك الجميع في حيرة من أمرهم!
ويتمثّل تفويض “يونامي“ بمنح الأولويّة لتقديم المشورة والدعم للعراقيّين بشأن “ تعزيز الحوار السياسيّالشامل والمصالحة الوطنيّة“!
ولا نعلم أين هذه المساعدة، وأين تلك المصالحة الوطنيّة، ونحن نتابع يوم، 9/5/2024 نائبا بالبرلمان العراقيّ في لقاء تلفزيونيّ وهو يشتم كبار صحابة النبي الكريم، ويستفزّ مشاعر الملايين، وهنالك الآن ضجّة قانونيّة وشعبيّة وشرعيّة تتعلّق بهذا التجاوز الخطير؟
ثمّ ما الذي قدّمته المنظّمة الدوليّة للعراقيّين، وهم يُعانون في واقعهم السياسيّ والأمنيّ من تَغوّل، مستمرّ، لشخصيّات وجماعات، لا نقول خارجة عن القانون، بل فوق القانون، وتأكيدا لذلك الواقع المخيف وضعت الحكومة البريطانيّة، الأربعاء الماضي، العراق ضمن “القائمة الحمراء”، وحذّرت مواطنيها من ” السفر الى العراق”!
إنّ الألغاز الكبيرة في الدستور العراقيّ، والتشابك السياسيّ بين الحكومة والشركاء، وبالذات مع السّنّة والكرد، وتنامي السلاح خارج إطار القوّات الرسميّة المسلّحة، والتدخل الأجنبيّ، وتفشّي المخدّرات وغيرها من الآفات جميعها أسباب كافية لوجوب استمرار عمل المنظّمة الدوليّة ببغداد!
ومع هذه الظروف المركّبة كيف يمكن لمجلس الأمن أن يقتنع بالمبررات المرفقة بالطلب العراقيّ، بينما الواقع مرهق ومخيف، وبالذات ما يتعلّق بسير العمليّة السياسيّة، الانتخابات، وحقوق الإنسان، وحرّيّة التعبير لدرجة أنّ العشرات من المدنيّين، وهم مسلّحون حقيقة، يتهجّمون، الاثنين الماضي، على منزل لشاب بسبب تعليق له بمواقع التواصل الاجتماعيّ يتعلّق بشخصيّة “دينيّة شيعيّة عراقيّة”!
استمرار حالة الانغلاق السياسيّ، وتهميش المعارضة العراقيّة بالخارج، وهشاشة غالبيّة مؤسّسات البلاد الإداريّة والماليّة والخدميّة والصناعيّة يفرض على المجتمع الدوليّ التأنّي قبل الموافقة على الطلب العراقيّ الذي يفتقر لأرضيّة صالحة وصلبة للتعايش الوطنيّ والسلم المجتمعيّ!
ينبغي على المجتمع الدوليّ، الذي يراقب الواقع العراقيّبحذر، وأن يساهم مساهمة جادّة، في خلاص العراقيّين من محنتهم المعقّدة، والسعي لبناء دولة إنسانيّة جامعة وعادلة لا مكان فيها لأيّ متورّط بانتهاك القانون وسلب أرواح الناس وحرّيّاتهم!
فهل سيساهم المجتمع الدوليّ في ترميم البيت العراقيّ أم أنّه سينسحب وسيكتفي ببيانات القلق الجافّة التي لا تُساهم في تغيير الواقع العراقيّ المرير؟
والسؤال الدقيق: مَنْ الذي سينقل للمجتمع الدوليّ الواقع العراقيّ إن أُنْهِيَت مهام (يونامي)، وتوقّفت إحاطاتهالدوريّة، وهل سيتابع المجتمع الدوليّ أحوال العراق عبر الإعلام فقط؟
استقرار العراق مفتاح سلام وأمن للمنطقة، فلا تُفرّطوا في العراق لأنّ نيران خرابه، لا قدّر الله، ستنتشرّبالمنطقة والعالم!
dr_jasemj67@