5 نوفمبر، 2024 3:36 م
Search
Close this search box.

العراق والأرضيه المعقدة أمام بناء الديمقــــراطية

العراق والأرضيه المعقدة أمام بناء الديمقــــراطية

(الحلقة الاخيرة)
* كلام ذات صلة :
– الديمقراطية ليست استفتاء بالأغلبية ، فلو استُفتي الأمريكيون لظل السود عبيدا.
” مارتن لوثر كينج “
………………………………………………………………………………
ديمقراطية نهج البناء ام شعار للمزايدات ؟
لاادري لماذا كلما اسمع حديث ( وكله في اوساط السياسين الشرقين عموما و العراقيين على وجه الخصوص ) عن الديمقراطية ‘ اتذكر واقعتين اولها الفلم السينمائي و الثاني كتب عنه الصحفي الاشهر الراحل محمد حسنين هيكل :
من كان من جيلي يتذكر الثنائي الكوميدي ( لوريل و هاردي ) ‘ وكان في كل الافلام لوريل يمثل شخصية النحيل الذي يتميز بالغباء المفرط ‘ أما هاردي فهو البدين الذي يحاول ان يظهر الذكي بينما هو ليس بهذه الدرجة من الذكاء ‘ شاهدت عرض احد افلامهم في بداية السبعينات في احد دور العرض في بغداد ‘ فلم يتحدث عن غرق سفينة في البحر كان الثنائي من ضمن ركابها ‘ ومعهم مجموعة من المجرمين الهاربين …! ضمن الاحداث يستطيع لوريل و هاردي و مجموعة المجرمين ان يتخلصوا من الغرق و يصلون الى ساحل جزيرة خالية من البشر ولكن ذات طبيعة خلابة وعامره بكل مستلزمات الحياة الطبيعية من الزرع و الماء و الحيوانات ( وحسب فهمي ان الفلم يتحدث بشكل ساخر عن اكتشاف القاره الامريكيه وتاسيس ولاياتها الحاليه من قبل مجاميع من المجرمين الهاربين من اوربا بعد ابادة سكانهم الاصليين ) وبعد البقاء عدة ايام يدعو رئيس مجموعة المجرمين للاجتماع ويبلغهم بانه قرر بقائهم في الجزيرة واعتبارها ملكا لهم ولكي ينظمون الحياة اقترح ان يشكلون الحكومة التي تدير شؤونهم ..! و من خلال حركات و حوار كوميدي يتم تشكيل الحكومة احدهم يرشح نفسه لاحد المواقع والبقية يصوتون و هكذا ‘ ولوريل المسكين كلما يرفع يده ‘ ليرشح نفسه ‘ رئيس الجلسه يهمله و اما صديقة هاردي يحصل على احد مواقع المسؤولية وتقريبا كل افراد المجموعة ياخذون عنوان و موقع في مسؤولية ادارة الجزيرة الا لوريل ويرفع يدة قائلا : فقط بقيت انا دون مسؤولية في الجزيرة ويبدأ يبكي ولكن رئيس المجموعة يواسيه و يقول له : كيف تقول هذا ‘ بل انت لك موقع متميز ‘ انت الشعب ونحن نحكم من اجلك ….‘ صديقه الاناني هاردي يستغل صديقه الشعب ويسخره لخدمته حتى نهاية الفلم من خلال مواقف كوميدية مثيرة ….!!
اما الواقعة الثانية التي رواها الراحل هيكل ضمن احد تحليلاتة عن وضع مصر كان يكتبه اسبوعيا في الاهرام بعنوان ( بصراحة ) يقول : ضمن الديث عن احدى الدورات الانتخابية لبرلمان مصر في عهد الملك فاروق ‘ احد المناطق‘ لهم شخصية جامعية حاصل على شهادة دكتورا ه من جامعة سوربون الفرنسي في القاهره‘ يقترحون علية ان يرشح نفسه ممثلا لمنطقتهم بدل ( العمدة ) الذي محتكر الموقع لنفسه في كل الانتخابات السابقة ‘ يقتنع الرجل ‘ وعند بدء حملة الدعاية الانتخابية وفي احد لقاءتة مع الناس يتحدث عن الحرية والديمقراطية كضمانين لتطور المجتمع ‘ والعمدة في اول لقائه مع الناس يواجههم بسؤال : اتعلمون ماذا يقصد الدكتور الفلاني بضمان الحرية والديمقراطية لكم ؟ أنه يقصد ان يسمح للنساء ان تتزوج باربعة رجال ‘ كما للرجل الحق بالزواج باربعة نساء .. وبعد هذا الادعاء كما يقول المثل ( عينك ماتشوف ماحصل للدكتور ) …!!!
***
بقدر فهمي المتواضع لمفهوم الديمقراطية ‘ تكونت عندي قناعة انه : لايمكن بنائها الا من قبل قادة مؤمنين بها ودعم من شعب واعي يفهم ميزاتها في بناء الدولة وخدمة الناس ‘ ولايمكن الحصول على ذلك الا ضمن مسيرة يقودها قياده مؤمنة بهذا النهج والشعب بمستوى وعي يفهم دون وسيط بينهم و بين معنى الوطنية والانتماء و ماهي الطريقة المطلوبة لاداء واجب المواطنة و ضمان الحصول على حقوق المواطنة عندما يؤدي واجبه بامانة ؟ ويفهم وبوعي الروح الوطنية كيف يتصرف عندما يحصل اختلال بالميزان ( اداء الواجب و حصول الحقوق ) …. ودراسة تجارب الشعوب امامنا تؤكد أن الضمان الذي ادى الى حصول مستويين متفاهمين الى بناء الدول والمؤسسات تحت عنوان ( الديمقراطية ) في المنظومة الاوروبية بعد جهد ونضال وتضحيات … واعتقد أن ما ضمن الامان لحقوق الانسان بما يستحقة في تلك الدول هو وعي الشعب وفهم قادتهم ( حكامهم ) لهذا الوعي يمنعهم من الاختلال بحقوق الشعب .
بقدر تعلق الامر ببناء الحكم الديمقراطي في العراق ‘ كما اشارنا في الحلقات السابقة من هذا البحث ‘ لانرى في الصفحات جهد لبناء الحكم الوطني في العراق ‘ الوثائق تؤشر على الاساس الاول لبدء بمسيرة البناء الديمقراطي وهو العمل المنظم لتوعية الشعب لانقاذه من كل الظواهر المانعة لذلك الهدف ‘ والذي يتحدث عنها الدكتور على الوردي في دراساته كبدء العمل الجدي والمخلص لتخلص المجتمع العراقي من النزعة العقلانية المتطرفة ‘ كما حصل في اوروبا اذ نجح جهد القادة باقناع الناس عن طريق البحوث العلمية و الدعوة المنظمة لتوعية لاجل ان يتنازل عن عقلية التطرف و يميل الناس تدريجيا نحو النضوج والرصانه بحيث اصبح توجههم الى الاخذ بطريقه هادئة لمعالجة المشاكل والنزاعات الاجتماعية لاتراق فيها الدماء او تنتهك الحرمات ‘ و اشرنا ان التقصير في تحقيق هذا الهدف يعود الى الاحزاب و التجمعات حيث ان قادة تلك الاحزاب والجماعات رغم ان بعضهم طرحوا انفسهم كمؤمنين بمعنى العصري للحرية وبناء المجتمع ولكن في الحقيقة ان في دواخلهم يحركهم نزعة الوصول الى الحكم وكان له الاولوية في نضالهم و محاولاتهم للتقرب من الناس ولضمان التأييد لهم يحركون نزعاتهم المتجذرة بدل من التوجه للعمل من اجل تغيير الواعي كا ساس لتحقيق بناء الدولة .. والاشارة الى هذه الحقيقة لايعني انه لم يحصل العمل بهذا الاتجاة في العراق بل ان الشخصيات القيادية التي كانت يقود البلد بداءت خطوات فعاله من اجل ذلك منذ نهاية الثلاثينيات القرن الماضي وخطط ( رغم انه كان بخطوات بطيئه) وفي ضوء رسالة الملك فيصل التاريخية ‘ ولكن طموح الوصول للحكم بدافع احياء النزعات العنف والتطرف و المبالغة في اتهام مسيرة بناء الدولة من منطلق الارث اطلاق اتهامات ( العمالة و ….الخ ) انفجرت كل تلك النزعات من خلال هزة 14 تموز التي نبشت من المجتمع العراقي ماكان مدفونا وفتحت الجروح دون ان يرى العراقيين من يعمل بجد لتندمل تلك الجروح ‘ بل ان الصراع من اجل الوصول للحكم في كل مرحلة يؤدي الى توسع الجرح و لا يزال مع الاسف …
***
الشعب يريد البناء و عيش
امن و حريــــــــة مسؤولة
لمصطلح ( الديمقراطية ) اكثر من وصف و تفسير ‘ جاءنا اول الوصف من الاغريق ..! و( يعني “حكم الشعب” لنفسه، هو مصطلح قد تمت صياغته من شقين “الشعب” و “السلطة” أو “الحكم” في القرن الخامس قبل الميلاد للدلالة على النظم السياسية الموجودة آنذاك في ولايات المدن اليونانية وخاصة أثينا .) والكلمة بحد ذاتها بين الشرقيين عموما و العراقيين خلق صراعات حول تفسيرها قبل ان يتوجه اي طرف بشكل منظم للعمل لاعتمادها هدفا قابلة لتحقيق ‘ وكان لنزعة العقلانية المتطرفة ( حسب تعبير الدكتور علي الوردي ) دور في اعتبارها غريبة و غير ملائمة لبيئتنا ….!!! وتنوع التفسير لمعنى المصطلح كل حسب رؤيته من قبل المفكرين والمنورين و الاحزاب كذلك ‘ فعند الروائي حامل جائزة نوبل نجيب محفوظ ان نجاح الديمقراطية مرتبط بحرص الحكم على التعليم والتوعية اما الحكم الاستبدادي فليس من مصلحته نشرالعلم والتنوير ‘ وهناك من مفكرين اخرين يؤكدون ان رصيد الحكم عنوانه الديمقراطية ليس نتائج يعلن من خلال صناديق الانتخابات فقط ‘ بل وعي الناس باهميتها ‘ ويوجد في المسيرة الانسانيه من المفكرين من فسر الديمقراطية كنوع من البلاء حيث ان الكاتب الايرلندي الساخر ( جورج برنارد شو ) يصفها بانها جهاز يضمن عدم عيشنا أفضل مما نستحق …! وهناك اخرين يعتبرون حكم الديمقراطية نوع من حكم الغوغاء ، حيث يمكن لواحد و خمسين في المائة من الشعب استلاب حقوق التسعة و أربعين في المائة الآخرين.
غرابة تجربة الديمقراطية
في العراق بعــــــد الاحتلال
لسنا في صدد نفاق الادارة الامريكية التي نفذت جريمة تحطيم الارادة العراقية الوطنية ( تحت عنوان انقاذ العراقيين من الديكتاتور ) تنفيذا للمخطط الصهويني العنصري ‘ قوة الشر التي لايتخلى على خبثها من اجل ادامة وجود الطرف القوي الوحيد وهو الكيان المسخ الاستيطاني لاسرائيل في قلب العالم الاسلامي الحقيقي ( الرسالة والحضارة ) وليس الاسلام التكفيري الذي شك في ظهورها بالقوة بانه صنيعة نفس المخطط ‘ شك قريب من الحقيقة ..! ولكن نتحدث عن كذبتها الكبيرة عن برنامجها لمساعدة العراقيين بهدف تاسيس حكومة ديمقراطية تكون منارا لنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط …. وهي تعرف حق المعرفة بان هذا الادعاء تدخل ضمن المستحيلات في الوضع العراقي حيث ان ادارة الامريكية عندما هاجمت لاحتلال العراق ‘ كان في حالة يرثا لها نتيجة جروح عميقة ناتجه عن اكثر من عشر سنوات من الحصار الاقتصادي القاتل الذي ادى الى ظهور جروح عميقة فى النسيج الاجتماعي والنفسي لكل العراقيين اولا ‘ وثانيا ان تلك الادارة المجرمة بدات حملتها التحريضية ضد العراق ببث اشارات فتح الباب لتمزيق وحدة العراقيين عندما رفع شعار انقاذ الشيعة والكرد من ظلم الديكتاتوري …. كانها في خطوتها الاولى توجه الى تحريض جزء من العراقيين على جزئه الاخر كبداية لحرب طائفيه حصل فعلا بعد الاحتلال و عمق جروح العراقيين ‘ وبعد احتلال البلد ادعى بالعمل من اجل بناء الديمقراطية ‘ ولكم كما قال احد الصحفيين ( عندما تكون الديمقراطية هبة الإحتلال .. كيف لك أن تتعلم الحُريّة من جلادك ؟
فاجأنا الاحتلال ‘ أن أحد ( رموز المعارضة ) في مقدمة من دخل البلد مع المحتل ومن اكثر الناس المتحمسين لاسقاط الدولة في وطنه ‘ عندما ترك العراق كان صبيا لايفهم ابجدية السياسة ‘ لذا كان متوقع منه ان يكون من الداعيين لانفتاح الاجتماعي والحرية المسؤولة ‘ ولكنه وتاكيدا لارث ( روح الانتقام ) وعندما شكل اول حكومة انتقالية وبعد ان اجريت اول انتخابات عامة ‘ كان صدمة الناس : هروب اول وزير للكهرباء بكل المبالغ المخصصة لمعالجة ازمة الكهرباء و وزير الدفاع بكل المبالغ التي خصصت لاعادة بناء قوة دفاعية عن مستقبل العراق وشعبه ‘ و قديما قيل ما بني على باطل فهو باطل …!! هكذا ومن اول خطوة احبط امل العراقيين وكشف زيف كل ادعاء المحتل ومؤيده ….!! وظهر للعيان ان المحتل ومن عاونوا وتحت عنوان الحرية فتحوا باب الفوضى الواسعة شارك في توسيعه كل الاتجاهات السياسية والذي ساعد المحتل على اسقاط دولة العراق بمافيه اليسار العراقي الذي تعاون مع هؤلاء القوى في اصدار مجموعة من قرارات وقوانين ظهرت مع الايام انها قرارات و قوانين لصالح فئات وليس اسس لبناء الديمقراطية ‘ تحت عنوان تعويض السجين السياسي وباعتراف انفسهم تم تعويض عتات المجرمين تحت تاثير توجهات عشائرية وطائفية ( 3) وما زاد الطين بلة كما يقال شاركوا جماعيا في صياغة دستور مليئ بالالغام يهدد مستقبل العراق …. وليكون الله في عون العراقيين في ما ينتظرونه في الايام من مفاجأت الحكام والذي يظهر همهم الاول انفسهم وذلك واضح من التركيز في تنظيم ميزانية الدولة على مكاسب لمن يدخل البرلمان و يصبح وزير … واهمال ابسط علامة دستورية لوجود الدولة وهو : النشيد الوطني و العلم ….!!!!
وختاما ‘‘ هناك قول مسجل في التاريخ بتوقيع ( أفلاطون ) يقول : ( أن أسوأ ما يواجه الانسان من مصاعب يبداء عندما يتاح له أن يفعل مايريد ….!!!) و إذا كان هذا الانسان من نوع الذي يصفه الدكتور الوردي رحمه الله بقوله ( من اكثر الناس هياما بالمثل العليا ودعوة اليها في خطاباته وكتاباته ومجادلاته ولكنه في الوقت نفسه من أكثر الناس انحرافا عن تلك المثل في الواقع حياته ) ( 4 ) من هنا ياتي …التشائم المؤلم … والله اعلم.
فترى منذ 2004 كل من يتحدث عن الفساد المفضوح في العراق ‘ هم من ماسكي امور الحكم وليس : ( الاستعمار واذنابه و اعداء الامة ….!!!) .
……………………………………………………………………..
كتب هذا البحث اصلا باللغة الكردية عام 2007 ونشرت بحلقات في صحيفة ( رووناكى – النور ) و طبع في كراس من قبل ( دار جيا للنشر ) لصاحبة الصحفي الراحل شعبان مزوري .
( 1 ) نص الرسالة الملك فيصل الاول منشور ضمن كتاب مذكرات جعفر العسكري ص 190
( 2 ) نفس المصدر ص 199
( 3 ) روى لي احد الاصدقاء ان احد الاحزاب العراقية رغم انه معروف بنضاله المتميز في مراحل كثيره في تاريخ العراق الحديث ‘ الا انه وفي وضع مابعد الاحتلال لجاء الى نفس اسلوب الاحزاب الطارئة بعد الاحتلال وقدم قائمة باسماء مؤيديه كان بينهم ( عامل بسيط ) احيل على التقاعد بعنوان ( العقيد ) في الجيش العراقي ولله في خلقه شؤون .
( 4 ) الدكتور علي الوردي / دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ص 239 .

أحدث المقالات

أحدث المقالات