لو كان العراق بلداً “عاديّاً” حاله حال الكثير من دول العالم لكان الآن مثلاً يحتذى به في التحضر البشري والأجتماعي والعمراني، ولكان نظامه السياسي هو الأفضل في العالم… لكن العراق ليس بلداً “عاديّاً” ولذا لم يكن هو المثال النموذجي للبلدان المستقرة، ولم يكن في يوم من الأيام وعلى مدى عمره الضارب في أعماق التاريخ ورغم طمع الغزاة فيه فريسة سهلة لكل من دنس ارضه الشريفة غازياً طامعاً معتدياً.
العراق بلد الثروات الضائعة والأمكانيات المبددة وبلد الرجال الثائرة وبلد البصمات الواضحة عبر التاريخ. لم يتعرض وطن للغزو والاجتياح قدر تعرض العراق شماله وجنوبه وشرقه وغربه لهجمات الطامعين ولم يحاول الغزاة تدنيس أرض قدر محاولاتهم تدنيس ارض العراق ولم يعمل مستعمر على طمس هوية شعب قدر عمل المستعمرين على طمس الهوية الوطنية لشعب العراق، كما لم يضع أناس بصماتهم على تاريخ الحضارة قدر ما وضعها العراقيون ولم يحفر بلد أسمه في ذاكرة الشعوب كما فعل العراق…
حتى في أيام أزدهاره، لم يكن العراق ليكن ويستكين وكان يبحث دائماً عن دروب مظلمة لينيرها، وعن زوايا معتمة ليشرق بشمسه عليها، وقد أورثه هذا نقمة الجهلاء، وامتنان وتقدير العلماء. كما أورثه كماً كبيراً من مؤامرات الأعداء وتاريخاً أصطبغ بلون الدماء، وأياماً باهرة وأخرى ليست بهيجة ولا زاهرة.
لم يعمر الطغاة في العراق كثيراً رغم كثرتهم ورغم جبروتهم وكان أنتقام العراقيين منهم فريداً غريباً لاسابقة له. لأن دماء العراقيين ثائرة وغيرتهم عامرة وشرفهم عزيز وعنفهم وعنفوانهم لا شبيه له الا طيبتهم ونخوتهم!
واليوم، وما أشبه الليلة بالبارحة، يريد طاغية جديدة أن يسوم العراقيين كي يجعل ارادة أسياده من الأمريكان والعجم هي العليا، وكي يجعل أرادة الشرفاء من العراقيين هي السفلى. يريد طاغية اليوم المالكي وزمرته من حزب الدعوة المشبوه ومن تحالف معهم أن يكونوا أسياد العراق، وهم لم يصدقوا أنفسهم حين غفل طرف العراقيين فجاء بهم الأمريكان ليضعونهم في المقعد الأول، وهو مقعد ليسوا أهلاً له. فبعد أن كان المقعد الأول يتشرف ويرتقي بمن قبلهم أصبحوا عالة على مجلسهم وزيادة في مكانهم والأدهى أنهم استمرؤوا الظلم والقتل والترهيب، وظنّوا أنهم مانعتهم حصونهم في منطقتهم الغبراء من غضبة الشعب اذا ثار.
والشعب ياسادتي قد ثار، لكن الطغاة ولغبائهم ظنوا ويظنون أن الوقت لصالحهم، وهو ليس كذلك! يظنون أن اعوانهم الذين اندسوا بين الثائرين سيستطيعون اطفاء الشعلة واخماد الجذوة غير عارفين أن النار الأزلية التي انطفأت في حقول كركوك النفطية قد أنتقلت الى ساحات العزة والكرامة حيث انها لن تنطفيء حتى يسترجع العراق وجهاً عربياً يليق به وبأهله، وعندها سيكون قد فات ساعة مندم.
الأكراد والرهان على السراب
كعادة القيادات الكردية محاولة استغلال ضعف دولة المركز لسبب أو آخر للحصول على مكاسب يحسبونها أستراتيجية وماهي كذلك، فقد حاولت هذه المرة استغلال ضعف حكومة المالكي وتهالك “دولة رئيس الوزراء” على كرسيه لتحقيق مكاسب تمثلت في موافقة التحالف الوطني والذي يتزعمه المالكي على “كل” شروط الأكراد ودون تحفظ، فقد كان “دولته” مستعداً لتلبية أي شرط يطيل بقاءه على الكرسي يوماً أو بعض يوم.
القيادات الكردية تعلم جيداً أن حلم الدولة الكردية لاتقف في وجهه وحدة العراق وتماسكه فقط، وأنما يمنعه من التحقق على ارض الواقع أسباب وظروف منها دولي ومنها اقليمي ومنها وطني، وبعض منها قومي يتعلق بالشان الكردي نفسه. وعليه فأن ماسيحققه لهم المالكي ليست مطالب أستراتيجية لايملك هو مفتاحها ولا أمرها، وليست حقوقاً تاريخية ضائعة وأنما مكاسب آنية تتعلق بتوزيع الغنائم بين الحرامية!
إن زيادة تخصيصات الأقليم من الموازنة المركزية يعني زيادة فرص الأثراء غير المشروع على حساب شعبنا الكردي في الشمال. ومن يتصور أن “الجماعة” في الأقليم غير فاسدين فهو واهم وعليه أن يتأكد من صحة معلوماته… والفرق بينهم وبين “الجماعة” في المنطقة الغبراء أن جماعة الأقليم يسرقون 70% من الموازنة ويصرفون الباقي للشوارع والخدمات، أما جماعة “الغبراء” فيسرقون 98% من الموازنة ويتقاتلون على 2% المتبقية.
وماسيسلبه الأكراد من محافظة كركوك لن يساعدهم على قيام “دولتهم” وجل ما سيحقق لهم هو مكاسب اقتصدادية طفيفة واخرى سياسية تزيد من قوة أوراقهم في سوق البورصة السياسي.
إن على الأكراد أن يعوا أن قوة العراق وأستقلال قراره السياسي وازدهاره هو قوة واستقرار وازدهار لهم ايضاً، وأن ماتدفعهم اليه قياداتهم المشبوهة هو رهان على سراب، يراد منهم استغلال الشعور القومي لديهم لتحقيق مصالح حزبية وشخصية ضيقة. واذا كان قد قيل على أن العرب لا يقرأون، فما بال الأكراد وتاريخ ثوراتهم شاهد على ما نقول.
ما سمعنا بهذا في آباءنا الأولين:
طلع علينا حسن نصر الله ومن قبله فطاحلة التنظير السياسي في العراق بتصريحات مثيرة تدعّي أن مشاركة حزب الله ومن وراءه “التيار الصدري” في الحرب التي تجري على الأرض السورية انما هو لحماية “مرقد السيدة زينب” من التكفيريين الذين هددوا بنسفه وتدميره! لا أريد التعليق على مصداقية هذا الأدعاء، فقد عودنا نصرالله ومقتدى وكل رموز الأحزاب الطائفية (من الطائفتين) على أستغلال المشاعر الدينية الصادقة لدى عموم ابناء طائفتهم كي يسوقوهم وهم معصوبي الأعين خلف تحقيق مآربهم وتنفيذ أجندات أسيادهم. ولكني أتسآل هل كان موقفكم هذا من مرقد السيدة زينب سيتاثر لو أن النظام الإيراني لم يقف حليفاً لنظام الأسد في سوريا؟ ومادمتم تؤمنون بأن جهادكم هو جهاد عابر للحدود فلماذا لم تنصروا أخوانكم المسلمين في بورما وهم يجابهون حملة تطهير ديني بشعة تستهدفهم كمسلمين؟
الدين واحد ولو أختلف المذهب ونصرة المسلم واجبة اينما كان أم أن دم المسلم البورمي أرخص من طابوقة سياج المرقد الزينبي؟
وعلى ذكر مقتدى وجماعته، ماذا حلَّ بجيش المهدي؟ ولماذا لم نعد نسمع عنه شيئاً؟ واذا كان قد تحوّل الى النشاطات السياسية والمدنية، فما هي هذه النشاطات؟ أفيدونا يرحمكم الله.