لا شك ان المتابع للعملية السياسية في العراق منذ انطلاقها عام ٢٠٠٣ والى يومنا هذا ، يجدها لم تشهد استقرارا طيلة الفترة الماضية بل كان ديدنها توالد الأزمات والعبور عليها دون ايجاد الحلول المناسبة لها حتى كادت في تشرين من عام ٢٠١٩ ان تؤدي الى انفجار شعبي يطيح بالأخضر واليابس… لكن لماذا هذه الأزمات المتلاحقة؟ وما هي اسبابها؟ وكيف نتجنبها؟ او نجد الحلول المناسبة لها؟ وكيف لم ينتبه الساسة او صناع القرار ان العبور فوق الأزمات دون حلها هو خطأ ستراتيجي يضر بالجميع!!!.
لا اختلاف ان الأزمات المتوالية التي عصفت بالبلاد كانت مضرة بشكل كبير ، ومنها:
· الازمات السياسية: وطابعها الصراع والخلاف داخل البرلمان واروقة الحكومة وبين قادة الاحزاب على المصالح والمكاسب واقتسام النفوذ ، وكان هذا النوع باكورة انطلاق الأزمات واخطرها لان لاعبيه كانوا وما زالوا يشكلون قمة الهرم السياسي الحاكم في العراق.
· الازمة الاجتماعية: وهذه الازمة دخيلة على المجتمع المتعايش والمتنوع في العراق منذ الاف السنين ، لكنها دخلت مع المحتل الامريكي الذي طبقها على قاعدة “فرق تسد” حتى يتمكن من السيطرة على البلاد واستعباد سكانها بزرع الفتنة بين صفوفهم ، وللأسف استمرت هذه الازمة الطائفية والمذهبية طيلة فترة وجود المحتل ولم تنتهي بخروجه بل تجذرت بعده دون علاج الى خلافات مناطقية ونزاعات عشائرية اغمضت الدولة عينها عنها ولا يستبعد تدخل ايادي خارجية معادية للعراق في تأجيجها.
· ازمة الهوية: وهذه الازمة هي الأخطر على مر تأريخ العراق المعاصر ، حينما حاول المتربصون به مسخ الهوية الوطنية بإدخال تنظيم القاعدة ومن ثم داعش فكرا مشوها وتنظيما ارهابيا تكفيريا ووجودا على الارض ، ورغم تجاوز هذه الازمة – المحنة بتضحيات الأبطال ودماء الشهداء ، الا اننا لم نستطع ان نرمم الهوية الوطنية للفرد والولاء والانتماء للعراق لحد الان بما الحقه النظام البائد والارهاب من أضرار جسيمة لحقت بها.
· ازمة القيم: وهي الازمة التي يتنازل الفرد فيها عن قيمه الأخلاقية والدينية او يكيفها دون ضوابط وفق مصالحه واهواءه ، وهذه الازمة نخرت جسد الدولة الوليدة بتحليل نهب المال العام واستشراء الفساد والسرقات في السر والعلن.
· ازمة الوعي: وهذه الازمة تجمع كل الأزمات في بوتقة واحدة فلو كان هناك وعي سياسي لما اختلف الساسة على المصالح وفضلوا مصالهم الخاصة على مصلحة المجموع ، ولو كان هناك وعي اجتماعي لعرف الجميع بان هذا البلد بعمقه الحضاري الممتد الى الاف السنين لن تهزه رياح التطرف والعنف بل يجب ان تسوده اجواء الوئام الاجتماعي والتعايش ولو بعد حين ، ولو كان هناك وعي قيمي لحكم الفرد في تصرفاته ضوابط الدين ولاستقاها من مصادرها الصحيحة ولأبعد هوى النفس عن المال الحرام ولصان الدولة ومؤسساتها مثلما يصون الاب بيته لأنها الإطار المعنوي الذي نعيش داخله ويجمعنا تحت ظلاله.
ان ازمات العراق بعد ٢٠٠٣ ليست تركة النظام السابق الثقيلة ولا الاحتلال البغيض والارهاب اللعين ولا الفساد والخلافات السياسية والاجتماعية فحسب ولا الازمة الاقتصادية والصحية وغيرها وتنازل المثقفين عن دورهم في كل المجالات ، بل ان ازمته الحقيقية والاساسية تتمثل في ازمة الوعي وغيابه عند الضرورة ووقت الحل على كل المستويات اعلاه … لذلك فان قمة ما نحتاجه اليوم هو الوعي بكل شيء وتحصين الفرد من الوقوع في حبائل الفساد او الارهاب او هوى النفس او مجاميع المخربين ، وهذه مسؤولية يتحملها الجميع بدءا من المدرسة والمنبر والجامعة ونحتاج الى سنوات طويلة قادمة لإصلاح ما خلفته الأزمات المتراكمة على العراق من أضرار في كافة المجالات.