19 ديسمبر، 2024 2:12 ص

العراق: هل من بصيص أمل؟

العراق: هل من بصيص أمل؟

استبشر العراقيون بالطريقة الجديدة في انتخاب الرئاسات الثلاث: رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، رئيس الجمهورية برهم صالح، وتكليف عادل عبدالمهدي بتشكيل الحكومة. ذاك أن فضاءات جديدة، مشجعة وإيجابية، رسمت لوحة التسليم السلمي والآمن والسلس للمسؤوليات الكبيرة في الدولة، متجاوزة «حصة» حزب تقاتل البعض منه متشبثاً بالسلطة، على رغم تجربته الفاشلة في إدارة الحكومة. وربما كان الشعب يعقد اليوم آمالاً عريضة على قادة «العهد الجديد» من التكنوقراط الذين يمتلكون المؤهلات الكافية المطلوبة، ويتسمون بالاعتدال ويعلنون عن عزمهم وتصميمهم على إجراء التغيير نحو الأفضل.
تُرى هل يستبشر الشعب بحكومة جديدة تطوي الخمسة عشر عاماً من الفشل الذريع في إدارة البلد؟ تجربة خاضتها الأحزاب السياسية المتنفذة، ولم يحصد الشعب منها غير الذل والهوان. هذا ما حدا به الى رفض عودة الأحزاب السياسية التي اعتلت المشهد بعد 2003، مطالباً بشخصيات مستقلة وكفوءة تستلم المشهد السياسي، وتمتلك حنكة سياسية وباعاً في الديبلوماسية وعلاقات واسعة داخلياً وخارجياً، وإرادة وعزماً لازمين لإجراء تغييرات جذرية في مفاصل الدولة، والسير قدماً الى الحكم الرشيد، مع الاستفادة من الأخطاء المتراكمة، لجهة قيادة دفة سفينة العراق الى بر الأمان.

هل ستتمكن القيادة الجديدة من زرع الأمل في نفوس الشعب وإعادة الكرامة المفقودة إليه؟ التحديات كبيرة والضغوط الداخلية والتدخلات الخارجية أكبر. ولا أحد ينتظر من «القبطان الجدد» تحقيق المعجزات خلال الفترة القريبة المقبلة، لكن الشعب يترقب عملاً جاداً لجهة إصلاح النظام السياسي وتعزيز الاستقرار – أحد الأركان المهمة في طريق تعافي الاقتصاد، واتخاذ حزمة من الإصلاحات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والأمنية، وترميم البنية التحتية وتحسين قطاع الخدمات، بما في ذلك توفير الماء الصالح للشرب وتأمين الكهرباء، والاهتمام بالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، وتوفير فرص العمل، وإصلاح النظام السياسي، ومعالجة التغيير الجغرافي الحاصل في مناطق سهل نينوى وكركوك.

إن العراق في حاجة الى استراتيجية فعالة للتنمية، ومعالجة الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد، وإعادة البناء والإعمار، بخاصة في المدن التي دمرتها الحرب ضد داعش، والى تنمية اقتصادية مستدامة، واعتماد الشفافية ومبدأ المساءلة والإصلاح الإداري، والحد من الفساد في مؤسسات الدولة، وبناء أسس متينة للعلاقة بين بغداد وأربيل مبنية على الثقة المتبادلة واحترام الدستور وحل الإشكالات العالقة، ومنح صلاحيات أكبر لمحافظتي البصرة والموصل للنهوض بالخدمات وإصلاح البنية التحتية وتوفير الخدمات والسكن.

إن العراقيين يترقبون حكومة قوية قادرة على تغليب الهوية الوطنية، وقبر المحاصصة الطائفية، ومحاربة الجريمة المنظمة، والحد من القتل المبرمج للنساء، والدفاع عن حقوق الإنسان العراقي، بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو قوميته أو انتمائه السياسي أو الحزبي أو اتجاهه الفكري.

إن من اولويات الحكومة الجديدة محاربة الفساد، الذي وصلت مستوياته، وفق تقارير منظمة الشفافية الدولية، الى أن يتبوأ العراق في العام 2004 الموقع الـ129 من بين 145 دولة، وفي عام 2010 جاء في الموقع الـ175 من بين 178 دولة، وفي عام 2017 «أحرز» المرتبة الـ169 من أصل 180. وهذا إضافة الى الحد من الاستئثار بمقدرات البلد وثرواته الوفيرة، وإخراج البلد من دوامة الفشل والأزمات المتواصلة في مفاصل الدولة، والعمل على بناء اقتصاد متعاف والتزام منهج قويم لترميم ما تم تخريبه، وليس الاعتماد على اقتصاد الظل الذي أفرز السوء في توزيع الثروة والدخل، والفساد الذي ولد البطالة، بحيث انحسر دور القطاع الخاص في الإنتاج الوطني.

أما على المستوى الخارجي والديبلوماسي، فقد أصبح العراق مركزاً لصراع القطبين المتخاصمين، الولايات المتحدة الأميركية وإيران. وما على العراق إلا أن يلتزم بشرعية الدولة المستقلة ودستورها وسيادتها، وأن لا يسمح باستخدام الأراضي العراقية ساحة لتصفية الحسابات، وأن يضع حداً للجارة تركيا في موضوع توغل قواتها في الأراضي العراقية متى تشاء أو تقصف القرى الحدودية وتحرق الأخضر واليابس وتشرّد سكانها.

إن الحكمة اليوم تكمن في أن يصدر البرلمان قراراً بوضع ضوابط للخلافات والاجتهادات المختلفة في مجال تفسير بنود الدستور العراقي ومواده ومعالجة النقاط الغامضة فيه، وتكليف الحكومة الجديدة تشكيل لجنة مختصة لهذا الغرض، من الخبراء والقانونيين، غير الحزبيين أو الموالين لأطراف معينة.

إن الانحياز للشعب وكسب وده وقبوله واحترامه وثقته ودعمه، الركن الأساسي للنجاح في تنفيذ البرنامج الحكومي، لا الاكتفاء بإرضاء الحزب أو الكتلة التي رشحت هذه الشخصيات والرضوخ لمطاليبهم وضغوطاتهم، إذ ليس هناك ما هو أهم من صوت الشعب، وليس هناك ما هو أكثر قوة وتأثيراً من غضبه وسخطه عندما يثور، وتظاهرات بغداد والبصرة خير مثال على ذلك. ترى هل سيصلح العطار، هذه المرّة، ما أفسده الدهر؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات