19 ديسمبر، 2024 7:08 م

العراق… من قادسية صدام إلى قادسية عبد المهدي

العراق… من قادسية صدام إلى قادسية عبد المهدي

واحده من اكبر ويلات القرن العشرين التي مرت بها منطقتنا العربية والإسلامية هي الحرب العراقية – الإيرانية , التي شنها نظام البعث على إيران تحت مسمى ( قادسية صدام ) تلبية لرغبات دولية وخليجية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران والإطاحة بنظام شاه إيران ( محمد رضا بهلوي) في 12 شباط عام 1979, كانت حربا بالنيابة شنها صدام وحزبه الفاشي وجند لها الملايين من أبناء العراق المقهورين كما سخر لها كل إمكانيات العراق الاقتصادية طيلة ثمان سنوات ( 1980 – 1988م ) , لم يجن منها العراق سوى الخراب والدمار, بعد أن خلفت ورائها بلدا خربا اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا, وأكثر من مليوني ضحية بين قتيل ومعوق ومفقود .. استمرت ويلاتها إلى يومنا هذا الذي نرى فيه بلدنا محتلا من نفس القوى التي أمدت صدام بالعون من اجل إشباع نزعاته المتطرفة, ونفس الدول العربية التي مولت صدام بالمال والعتاد اليوم تمول المنظمات الإرهابية بالسلاح والمال لقتل الشعب العراقي مرة أخرى.
في حينها وتحديداً في 16/10/ 1980 التحقت في خدمة الاحتياط بالفوج الأول لواء المشاة الآلي 27 التابع للفرقة الإلية الأولى – الفيلق الرابع الذي مقره محافظة ميسان / جنوب شرق العراق ..حملت بندقيتي لمدة ثمان سنوات متتالية على خط النار بل وأحيانا بالأرض الحرام في مناطق الشوش – دزفول ومندلي وشرق البصرة , نعم لم يكن خياري المشاركة بهذا الاقتتال وإنا موظف في وزارة النفط , ولكني كنت أشارك مئات الآلاف من الجنود الاحتياط مواليد الخمسينيات شباب العراق المتواجدين في جبهات القتال الممتدة على الحدود الإيرانية – العراقية لأكثر من 1200 كم طول , جميعنا لم يكن يريد للحرب بالاستمرار ولكن الإعدامات الجماعية للهاربين من الخدمة العسكرية واعتقال ذويهم وزجهم بالسجون وقطع رواتبهم , احد أهم أسباب استمرارنا بالخدمة العسكرية إضافة إلى غطرسة القائد الضرورة وعقوباته الجماعية أدت إلى إن ندفع بأعز أيام شبابنا بين القصف والقصف المتبادل ونحن نرى قوافل القتلى ملفوفة بالعلم العراقي تتجه صوب المدن ولا نعرف متى يكون دورنا نحن لكي نلتف بقماش العلم العراقي لندفن في مقبرة وادي السلام في مدينة النجف الاشرف. ولا أنسى أبدا يوم أعلن وقف إطلاق النار في 8/8/1988 كيف خرج العراقيون إلى الشوارع يحتفلون ويرقصون ويتبادلون التهاني لانتهاء الحرب التي لا يريدون لها الاستمرار.
وما تنتهي حرب حتى تبدأ حرب جديدة ولكنها حرب من نوع خاص ليست ضد إيران هذه المرة وإنما حرب احتلال – دولة الكويت – وضمها إلى العراق كمحافظة عراقية ( المحافظة التاسعة عشر ).. عندما أطًلق القائد المهزوم على معركته الجديدة تسمية ( أم المعارك ) التي جاءت نتيجة اختلاف صدام مع دولة الكويت حول تسديد ديون تمويل الحرب مع إيران , واستمرت منذ عام 1990 م وانتهت بدخول قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا العراق عام 2003م .. وكالعادة حملنا السلاح ضمن تنظيمات الحزب القائد المفروض علينا أيدلوجيا بالقوة, ونحن نقاتل العروبة دفاعاً عن الإسلام بعد أن قاتلنا الإسلام ثمان سنوات دفاعاً عن العروبة.
بعد احتلال العراق في نيسان عام 2003 م من قبل قوات التحالف الدولي , عاش العراق والعراقيون تحت جرعات أفيون الإسلام السياسي المخدر لعقول الناس وخطب المرجعية الدينية المحذرة لهؤلاء الصبية السياسيين القادمين من إيران وسوريا ودول أوربية , وكل عام يوعدون العراق بالخير الوفير والزرع الكثير ولكن دون جدوى بعد أن فاح دخان فسادهم في كل مكان وأخذوا يسرقون مئات الملايين من الدولارات بمشاريع وهمية وعمولات وصفقات تجارية كبيرة , إذ بلغت أيراد بيع النفط لشهر تشرين الأول الحالي (6 مليارات و 107 مليون دولار ) فقط .مما جعل الشعب يتساءل أين تذهب تلك الأموال؟ وما هي أبواب صرفها تحت ظل حكم طائفي محاصصاتي .
توسعت التظاهرات، التي انطلقت في العراق في تشرين الأول / 2019، إلى مدن عدة في الجنوب العراقي لتشمل 9 محافظات مع العاصمة، التي شهدت انتشار الاحتجاجات إلى 5 أحياء في بغداد نفسها، منها حي الزعفرانية جنوب العاصمة، حيث أقدم المتظاهرون على حرق الإطارات والتحرك بمجاميع منظمة في مناطق عدة لمحاولة الوصول إلى ساحة التحرير وسط بغداد، إلا أن القوات الأمنية حاولت منعهم من الوصول بتفريقهم بالقوة المفرطة.
هذه التظاهرات غير المسبوقة هي الأولى في العراق التي تخرج من دون الدعوة لها من قبل الأحزاب والكتل السياسية، كما في دعوات التيار الصدري في التظاهرات المليونية. وقد جمعت الشباب الغاضبين المحتجين على غياب الخدمات العامة والبطالة وزيادة النفوذ الإيراني في العراق.
كما أن هذه التظاهرات هي الأولى من نوعها منذ استلام حكومة (عادل عبد المهدي ) السلطة قبل عام تقريباً، حيث يطالب المحتجون بمحاسبة الفاسدين ومكافحة البطالة.
وعلى الرغم من أن المتظاهرين يطالبون رئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي بالاستقالة , ألا أنه يرفض ذلك ويصر على ركوب موجة القادسية الثالثة مهما كانت النتائج .

أحدث المقالات

أحدث المقالات