لم تعد الأزمة العراقية مجرد مظاهرات ومطالب واحتجاج ومواجهات مع المالكي ومليشياته. أصبحت بالفعل وبرد الفعل ثورة أشعلها عود ثقاب ومصرع طفلين في الفلوجة والموصل على يد قوات (سوات SWAT) المالكي. على غرار مصرع أطفال درعا على يد أقارب الأسد.
لم يعد الناس يذكرون قصة البداية لأن ما أعقبها تجاوزها، وخطوة خطوة وجد المالكي نفسه في مواجهات دامية غير محسوبة وغير مسبوقة، والعراقيون في مواجهات حركها تراكم الغضب والظلم والفرز الطائفي. تراكم الأخطاء والخطايا.
من بداية متواضعة اشتعلت حرب أهلية إقليمية الأبعاد ليس بين المالكي والشعب العراقي، ثم امتدت الحرب فتشارك بها طهران بطائفيتها تحت عنوان حماية المذهب، فاتسعت أكثر لتشمل لبنان وحزب الله في شيعيته، فأبعد أيضاً وأبعد لتشارك فيها موسكو بمصالحها العسكرية والتسليحية وما تتطلع إليه من دور أعطاها إياه المالكي في مياه البصرة الدافئة.
على الطرف الآخر ستتحرك القوى، السنة في الخليج العربي وكثير من أهل السنة في أرض الإسلام، ومن خلف هؤلاء جميعاً وأمامهم الغرب بمصالحه تقوده أميركا وتحشد قواتها في المتوسط تحت عنوان الضرب ثم لا تضرب فكأنها كانت تبحث عن سبب لعودة قواتها إلى المنطقة وها هي ذي تعود للمنطقة مُرّحباً بها لتضرب.. ثم لا تضرب ولكنها لا تعود لأرضها. تبقى في المتوسط لأسبابها الأخرى المازالت مجهولة؟!!!.
اكتفت واشنطن بديلاً من الضرب بعقود تسليح يوقعها المالكي ويغرق العراق بديونها وتداعياتها الإقليمية، ثم تعقد طهران ومن خلفها موسكو اتفاق جنتلمان مع واشنطن وتابعها المالكي ببغداد بدا واضحاً فيه هيمنة موسكو على القرار السوري ثم الإيراني وما بينهما العراقي استتباعها له. الاتفاق قيد التنفيذ ولكن القوة الأميركية باقية. لا تضرب ولا تنسحب. باقية لماذا ومن أجل من..؟- لا جواب-.
لم تتوقف الحرب الوطنية العراقية بين فريقين: الشعب الثائر المطالب بحريته ونظام طهران ووكيله ببغداد المالكي المتشبث بالحكم ببعد طائفي وفيما يشبه الملكية. ولأن العراق ليس هامشاً في اللعبة فقد دخل على أزمته جماعات وعناصر تقاتل هنا وهناك. دخل حزب الله ومجموعات من إيران وأُخرى قاعدية حركتها واشنطن وطهران لإدامة زخم الصراع الذي يحرك عجلات الاقتصاد العسكري والطائفي والمذهبي والسياسي وتجارة الصفقات.. ألخ. وغدى العراق أرض صراع بين السنة والشيعة، بين العرب والفرس، وكان ذلك مريحاً للكثيرين بالرغم من سلبه ولكنه سلب يمكن تطويقه وتصفيته وقت الحاجة إليه.
أصبحت الحرب الأهلية العراقية بأبعادها المذهبية وجماعتها ومصادر تمويلها بالسلاح والمال حرب إقليمية- دولية- دينية- مذهبية بامتياز. حرباً يحاول كل فريق أن يكسبها لا للعراق بل لفريقه وما يمثل إقليمياً: إيران- حزب الله- نطام المالكي- روسيا في مواجهة : السعودية. تركيا. الخليج العربي- الأُردن- أميركا وبريطانيا وألمانيا بقدر محسوب مع مراقبة عسكرية أمنية للوضع. لم يحسم أحد الفريقين الحرب ولا ينتظر أن يحسمها لأن المصالح الكبرى تصارع من خلفها وما تزال ولم تحسم خياراتها. لم تعد تغيير لنظام. أصبحت حرب تغيير المعادلات في الشرق الأوسط بين مختلف القوى على مستوى الدول، والقوى على مستوى الطوائف، وبأحلام المستقبل لا بتضاريس الماضي؟.. وما تزال المعركة مستمرة لا حسم فيها لحين ميسره..!