18 ديسمبر، 2024 8:58 م

العراق من التظاهر الى الفوضى فالتقسيم

العراق من التظاهر الى الفوضى فالتقسيم

لقد كتبنا و كُتب الكثير عن العراق و اسباب تأسيسها والهدف من وجودها وطبيعة شعبها في الارادة الصلبة والعزيمة تجاه بعضهم البعض، و لكن مايمر به في هذا الوقت يختلف عن المراحل السابقة بتفاصيلها ، فمنذ اكثر من شهرين امتلئت ساحات التحرير في بغداد والمحافظات الجنوبية بأعداد غفيرة من المتظاهرين من جميع الفئات العمرية تطالب الحكومة بتقديم الخدمات اللازمة والقضاء على الفساد المستشري فيه حتى العظم لانها باتت جريمة منظمة وخرجت من اطار الفردية والرضا بالقليل بل دخلت الى عقد الصفقات والمشاريع الوهمية و المحاصصة في الجني بين القوى والاحزاب السياسية , ناهيك عن الشخصيات السياسية والدينية التي كانت قبل سنوات مثالاً في الاخلاص و الوطنية و لكن ارتفع سقف مطالب المتظاهرين الى حل الحكومة وتعديل الدستور الحالي في عدد من بنوده أو كتابته من جديد وفق اسس جديدة وإلغاء وتعديل بعض القوانين التي تمس حياة المواطنين و يقرر مصيره منها قانون الانتخابات و قانون المستحقات المالية للمسؤولين وغيرهما .
معلوم ان التظاهر حق طبيعي لكل انسان ومكفول وفق الدساتير والقوانين المرعية , وعلى الحكومات ان تستجيب لمطاليبهم ايضاً وفق الامكانات المتاحة ولكن في مظاهرات العراق لم تبقى سلمية وملتزمة بدعواتها و خرجت عن اطارها المعتاد ولا الحكومة تعاملت معها وفق الاسس الديمقراطية وحرية التعبير, فالمطالب كانت اثقل بعد كل يوم و اعداد الضحايا تجاوزت الالاف من بين القتلى و الجرحى حسب الاحصائيات المعلنة من قبل الجهات الرسمية, بل شهدت بعض المحافظات مجازر جماعية دفعت بالعشائر للنزول الى الشارع املاً في ايقاف سفك الدماء, والمشاهد اليومية للمتظاهرين و سقوطهم ارضاً تشمئز منها النفوس و تحمل في ثناياها القصص والروايات المرعبة والتراجيدية .
اخيراً استجابت الحكومة وخاصة السيد عادل عبدالمهدي للمطالب واعلن عن نيته في تقديم استقالته, ومن هنا بدأت وجهات نظر متعددة تظهر حول من يتولى مهامه ومدى صلاحيات حكومته في الفترة القادمة او ان يتجه العراق الى حكومة انقاذ وطنية و تعددت الاراء السياسية و القانونية حول الموضوع , ولكن مانراه ربما يكون العكس من ذلك كله، وذلك بأن استقالة عبدالمهدي لا يغير من الواقع شيئ بل و يدخل العراق في نفق مظلم يكاد يكون الخروج منه صعباً و بهذا لن يتوقف المظاهرات وذلك :-
لأن المتظاهرين اعلنوا مراراً و تكراراً بان مطالبهم لا تكمن في تغيير الحكومة و انما تغيير و إقصاء كل من تولى المسؤولية في العراق بعد عام 2003 واضعاف او الغاء دور الاحزاب وخاصة الدينية منها في السياسة و بالتالي تغيير في نظام الحكم وتعديل او كتابة الدستور من جديد .
ان المتظاهرين قدموا آلاف من ابناءهم و ليس من المقبول او المعقول ان يتركوا ساحاتهم بسهولة بل وازدادوا من مطاليبهم بضرورة محاكمة المسؤولين الذين تلطخوا ايديهم بدماء الشعب العراقي في هذه المظاهرات .
الدعم الدولي والاقليمي والداخلي الذي تتلقاه المظاهرات من الناحية المادية والمعنوية ناهيك عن التنظيم الذي يتمتع به هذه المظاهرات في الشعارات و اصدار البيانات و الاستمرارية و توزيع المهمات والشمولية , تمثل دعائم في سبيل الدوام و المواظبة .
وبهذا, فأن المشهد السياسي العراقي مفتوح امام كل الاحتمالات وقد بدأت بعضها تلوح في الافق ولكن الاكثر وضوحاً هو ان المتظاهرين لن يستجيبوا لدعوات الحكومة لان مطاليبهم تخرج من قدرة الحكومة بالخروج من الهيمنة الايرانية والاستقلال منها, بعدما دخلت في دقائق الامور واثرت في اتفه القرارات لصالحها و اطلقت يد الميليشيات للعبث بأدارة الدولة و سيادتها وفق الابعاد السياسية الايرانية .
المرحلة التالية لعدم الاستجابة تكمن في الفوضى ودخول اجندات خارجية او مايسمى بالطرف الثالث و الرابع على الخط و البدء بحرق مؤسسات الدولة و سرقة ممتلكاتها وبالتالي الدخول في حرب اهلية طاحنة تأكل الاخضر و اليابس (مع دعواتنا المستمرة لاستباب الامن و الاستقرار في العراق) واتمنى ان لا تخرج من اطار رأي شخصي ايضاً و لكنه بُعد نظر . ويستمر هذا الفوضى لأشهر و بعدها باقي المرحلة الثالثة وهي التقسيم الى اقاليم و سيكون عندها مستحباً بعدما ان كان مكروهاً وحراماً بل يكون الحل الامثل لأخراج العراق من دوامة العنف و ان الظروف السياسية و الاقتصادية الدولية والداخلية ستكون مهيأة للتقسيم و منها تشكل اقليم الانبار الذي يمتلك كل مقومات الاقليم في ظل وجود قاعدة عين الاسد للقوات الامريكية وإلحاق مدينة موصل و كركوك بأقليم كوردستان بأعتبارهما البعد الامني والاقتصادي والسياسي له وبذلك ستنهي مسألة المناطق المتنازع عليها وسيكون الاقلمين حجر عثرة في وجه الهلال الشيعي الايراني وخاصة ان اهل الانبار وموصل وغيرهما (المناطق السنية) لم تدخل في هذه المظاهرات الاخيرة .
ان مشروع تقسيم العراق قديم وقدم من جهات عديدة ويراها البعض انه الحل الامثل للوضع العراقي و لكنه يبقى مجرد رأي لايخرج من اطار التحليل و المتابعة اليومية للاحداث مع قراءة الماضي القريب .
ومن هنا لا بد لحكومة اقليم كوردستان ان تقوم بدراسة الوضع الحالي وما ستئول اليه الاحداث وتتخذ كافة الاجراءات الكفيلة لحماية أمن الاقليم و سيادته و حفظ مواطنيها و غيرهم و ان الاجتماعات المكثفة وزيارات الوفود منها واليها دلائل على مايعرفه القيادة السياسية الكوردستانية بخطر المرحلة القادمة محاولة منها لتجاوزها بسلام، لأن التاريخ اثبت ان المشاكل التي تعاني منها العراق تأتي الى الاقليم بعد فترة من ظهورها مثل الازمة المالية والجماعة الارهابية داعش واخيراً المظاهرات الشعبية .