23 ديسمبر، 2024 10:16 ص

العراق من البعث الى الإسلاميين

العراق من البعث الى الإسلاميين

لم تختلف كثيرا الاوضاع بين مرحلة سلطة البعث في العراق ومرحلة سلطة الاسلاميين بعد إسقاط النظام بل تراها متشابهة في نواحي عديدة ، انها تجربة فيها تشابه كبير بالنسبة للعقل الممسك بالسلطة لكنها تختلف في طبيعة النظام ، سابقا نظام استبدادي بالكامل الآن نظام ديمقراطي يمارس فيه الاستبداد بشكل كبير .
الصورة في نواحي كثيرة منها تبدو متشابه بل متقاربة الى حدما بين مراحل تعد حساسة في تاريخ العراق الحديث ولعل البعض يجد في المقاربة بين المرحلتين خيانة لاحداهما لكنهما يتشابهان في الكثير من التفاصيل على الرغم من الاختلاف في الشكل بين النظامين .
أيهما أفضل عراق حقبة البعث أم عراق الاسلام السياسي ؟ الهدف ليس المقارنة بين العهدين بل من اجل الكشف عن طبيعة المشكلات والتحديات التي تواجه مشروع الدولة ، لو اتيح الآن للكثير من الاحزاب الممسكة بالسلطة اللحظة التأريخية التي أتيحت لنظام صدام حسين اعتقد انها ستخوض بنفس المشكلات التي خاضها النظام لانها الآن تملك نفس الحساسية تجاه مشروع الدولة ولديها نفس العقد الطائفية والاثنية لكن اتجاهاتها مختلفة وتمارس الكثير من سلوكيات النظام السابق لكن باختلاف اللحظة التأريخية ، اللحظة التي أمسك بها نظام صدام حسين الحكم لا تشابه الاوضاع اليوم “وسائل اتصال محدودة ، صراع بين معسكرين ، مستوى ونوع الامساك بالسلطة مختلف عن صدام حسين ، وجود أكثر من قوة سياسية مشاركة على الارض  “
اختلاف الظرف التأريخي كان العامل الحاسم في اختلاف الاداء بمعنى آخر أن الكثير من القوى الممسكة بالسلطة تملك نفس القدر الطائفي الذي تمتع به نظام صدام حسين وتملك نفس المستوى من الكراهية الدينية والاثنية ولا تؤمن بحق الآخر في التعبير والمشاركة على المستويات السياسية والاقتصادية .
الآن يوجد قلق داخلي وخارجي بشأن من يشغل موقع رئيس الوزراء في المرحلة القادمة إن حدث تغيير أو جرت الانتخابات بشكلها السليم وهذا القلق مصدره أن القوى المؤهلة لتقديم رئيس وزراء تعاني نفس المشكلات لكن ربما بنسب مختلفة أو تقديرات آخرى وهي قوى مشاركة خلال السنوات الماضية في الحكومات ، واذا تمكنت من تغيير معادلة القوة القائمة الآن فانها مطالبة باجراء تغيير في نهجها لادارة الدولة وإلا ستقع بنفس المشاكل والتحديات التي واجهت الحكومة خلال السنوات الماضية . 
حقبة البعث تعد واحدة المراحل التأريخية الأسوأ التي مربها العراق وذلك جراء عمليات الربط القسري بين مصالح حزب البعث و مؤسسات الدولة وتحولت العملية فيما بعد الى زواج غير شرعي بين مصالح مجموعة من الاقارب أمسكت السلطة ومصالح الدولة والشعب ، دفعت الى خلق تشوهات حقيقية في جسد الدولة لذا فان لحظة انهيار نظام صدام حسين شهدت انهيارا لجميع مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة العسكرية التي لم تحل وفق قرار الحاكم المدني بول بريمر انذاك فقط بل نتيجة الاوضاع الاستثنائية التي سادت العراق .
بعد العام 2003 كانت الامال معقودة على عراق ديمقراطي خصوصا في ظل وجود جهة ضامنة مثل الولايات المتحدة لكن للاسف فأن الاوضاع الادارية والسياسية ونزوع الاستبداد مشابه لحقبة البعث لدى الكثير من القوى ، صحيح أن من حق القوى التنافس والبقاء وممارسة الحياة السياسية لكن ليس من حق هذه القوى احتكار السلطة والثروة وليس من حقها ايضا تقريب عدد كبير من الفاشلين الى المراكز المهمة والحساسة في الدولة وليس من حقها ارهاب الناس عبر القاعدة والميليشيات وليس من حقها الاحتفاظ بقطعة سلاح واحدة .
الاوضاع المحيطة بادارة الدولة بعد انتخابات 2014 ستختلف الى حد كبير عن السنوات الماضية ليس لان القوى تطورت أو تغيرت أو انها أدركت اللعبة جيدا ، هذه القوى لم يتغير فيها شيء لكن النظام الديمقراطي الموصوف دستوريا والجيد قادر على اجراء عمليات اصلاح لنفسه بمعنى آخر فان الثبات في وضع متغير متحرك يعني التراجع ، وهو الفرق المهم والجوهري الذي يمتاز به عن النظم الاستبدادية ، النظم الاستبدادية تكتسب شرعيها من المريدين والاجهزة المحيطة بالنظام وهي عوامل تؤهل رئيس النظام الى البقاء في السلطة والامثلة كثيرة في المنطقة والعالم لكنه بالنتيجة ” نظام عقيم ” عاجز عن اجراء اصلاحات .
المخاوف تجاه مستقبل التجربة الديمقراطية تكمن في التراجع الملحوظ بملف ادارة الدولة والغموض الذي يحيط بمستقبل الديمقراطية والوضع الطائفي وحجم الفساد الهائل وتبديد الثروات ونزوع الاستبداد لدى القوى الممسكة بالسلطة ، تبديد القلق تجاه بناء السلطة على حساب الدولة بمعناها المدني العامل الحاسم في تحقيق الاستقرار الامني والسياسي للبلد وهذه القضية تتحملها القوى والمؤسسات “الحكومة ، البرلمان ، القضاء ” خلاف ذلك فان الاضطراب سوف يستمر ولن تتمكن أي حكومة من تحقيق أوضاع سياسية سليمة .