للأعلام سطوة وتأثير كبير على حياتنا من حيث نعلم أو لا نعلم ، وهو ليس سلطة رابعة كما يطلق عليه في عالم السياسة ، بل هو الخامسة والسادسة ، بل هو ومن وجهة نظري وعلى ضوء الأحداث والظروف التي يشهدها العالم والمستجدات التي تحدث وعلى ضوء الأمور المتشابكة والمتداخلة هو السلطة الأولى والأخيرة فالعالم يسيره الأعلام قبل أي شيء آخر! ، فهو الذي يقلب موازين المعادلات السياسية ، وهو الذي يشعل الحروب ويطفئها بنفس الوقت ، وهو الذي يسقط الحكومات والدول والأنظمة ويأتي بغيرها،(الامريكان أسقطوا النظام السابق أعلاميا ! قبل أن يسقطوه حربيا ، بعد أن شنوا عليه حربا أعلامية مدمرة ، جعلت منه نظاما شريرا أمام العالم يجب أسقاطه لأن وجوده يمثل تهديد للسلم العالمي والأهلي !) ، فأذا كانت هناك وساطة بين دولتين تشهد حالة من الأحتقان السياسي فأول شيء يطلبه الوسيط هو تهدئة الأعلام بينهم وعدم التصعيد ، لا شك أن الأعلام في العراق قبل 2003 يختلف تماما وكليا عما أصبح عليه بعد الأحتلال الأمريكي البريطاني الغاشم 0 أن الأعلام بالأنظمة الدكتاتورية ومنها النظام السابق في العراق ، يتسم بالمركزية الشديدة ويكون أعلام موجه من قبل الدولة فهي التي تحدد ما يكتب وما يشاهد وما يصَرح به عبر وسائل الأعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ( الصحف والأذاعة والتلفزيون) ، وهي تحدد ما يجب أن يسمعه المواطن وما لا يسمعه! ، فليس هناك أية فسحة من الحرية للتعبير عن أية موضوع كان ، سياسيا أو غير سياسي ، وتكون العقوبة شديدة ، وقد تصل لحد الموت! لمن يتجاوز ذلك ، حتى وأن حدث بزلة لسان غير مقصودة ، من قبل مسؤول في الدولة مهما على وكبر شأنه! ، فتصور ماذا يحدث بالنسبة للمواطن العادي البسيط !؟ 0 الذي حدث في العراق بعد الأحتلال هو أنهيار ذلك الجدار الأعلامي المركزي القوي المتشدد الممنهج والمبني منذ أكثر من 4 عقود! ، ليتفاجأ العراقيين بتسونامي رهيب من الأعلام ! وفيضان من الصحف والمجلات وعشرات الفضائيات التي تزداد يوميا وهي تكتب وتنقل الأخبار الصغيرة منها والكبيرة ليس في العراق فحسب بل في العالم كله ، فلم يستطع العراقيين تحمل كل هذا الكم الهائل من وسائل الأعلام وأخبارها المتنوعة! ، ومن الجدير أن نذكر هنا : أن عدد الصحف التي صدرت من بعد سقوط النظام السابق وصلت الى أكثر من 60 صحيفة وبعدد أقل من ذلك من المجلات الأسبوعية والشهرية ، بعد أن كانت أبان النظام السابق 4 صحف فقط و3 مجلات أسبوعية وشهرية! ، كلها تصدر برقابة متشددة من الدولة ، ومن قناتين تلفزيونيتين لا تشاهد فيها الأ صور القائد وأخباره ولا تسمع ألا صوته وخطاباته! ، وفجأة الى مئات القنوات التلفزيونية والفضائيات التي تنقلك الى كل العالم بتغيير رقم أو بتحريك أشارة من الريموت! ، وتزامن ذلك كله مع دخول الموبايل والأنتريت وباقي وسائل الأعلام وتكنلوجيا المعلومات الحديثة 0 أن المصيبة تكمن في أن هذا التسونامي الرهيب من الأعلام بكل تفاصيله وتقنياته وتعدداته يصدر بلا أية رقابة تماما! ، فكانت صدمة الأعلام كبيرة على المواطن العراقي كما هي صدمته بالأحتلال وسرعة سقوط النظام السابق! ، حيث لم يستطع عقل المواطن العراقي رغم عطشه وجوعه الشديد لأعلام حر لعقود طويلة من الزمن! ، على أستيعاب وتحمل كل هذا التحول الأعلامي الرهيب والمفاجيء ، بالأخبار والتقارير والمقابلات والندوات والمسلسلات والمنوعات والأغاني والأفلام بما فيها القنوات الأباحية! وما الى ذلك ، فأصيب الكثير من العراقيين بحالة من الصداع والدوار والتوهان الفكري بسبب تلك القنوات ، كما هَزت تلك القنوات الأباحية وأثرت على البنية الأخلاقية للكثير من العراقيين المحرومين من كل ذلك ، والتي لم يشاهدوها من قبل بهذه السهولة واليسر! 0 وشيئا فشيئا أخترق الأعلام الحر المنفلت والمقصود والممنهج! جدار الأسرة العراقية وبان تأثيره واضحا على بنيانها الأجتماعي والنفسي والتربوي والأخلاقي حيث أصابها الكثير من التصدع وهذا هو المطلوب من قبل أمريكا وبريطانيا ومن تعاون معهم لتدمير الحجر والبشر على السواء في العراق!! 0 الخطير في موضوع الأعلام ، هو أن الكثير من العراقيين لا يعرفون بأن الأعلام الحر في العالم هو موجه وتحت سيطرة أمريكا والصهيونية العالمية وهو أحد أسلحتها لتدمير من تريد ان تدمره من الدول والشعوب! ، وهذا ما عملته أمريكا بالعراق ، الذي تحول بين ليلة وضحاها من بلد منغلق في كل شيء كنظام دكتاتوري يحسب الأمور بألف حساب ، ويعد ويحسب على المواطنين حتى أنفاسهم! ، ليتحول الى ساحة مفتوحة ومباحة للعالم كله في كل شيء وبأي شيء 0 لقد لعب الأعلام الحر المنفلت غير المراقب والذي لا تحكمه أية قوانين وضوابط دورا كبيرا، في خراب العراق وتدميره ، لا سيما وأن هناك قنوات فضائية عراقية تعرف كيف تدس السم بالعسل للمواطن العراقي الذي أصبح أسير لتلك الفضائيات بل هو مدمن على مشاهدتها!! 0 وبقدر ما كان لهذا الأنفتاح الأعلامي من أيجابيات فقد كانت سلبياته أكثر وأكبر وأخطر! ، فحرية الأعلام المنفلت هذه ، ضيعت الكثير من الحقائق أن لم أقل ضيعت كل ماجرى ووقع وحدث بالعراق من بعد الأحتلال الأمريكي البريطاني الغاشم ، من خلال تشتيت ذهن المواطن العراقي بسماع ألف رواية وحكاية عن أية حدث يقع وأزمة تحدث! ، فكل حدث أو أزمة أو مشكلة تكون قابلة للزيادة والنقصان والتلفيق والشطب والحك والفبركة! من هذه الجهة وتلك ومن هذا الحزب وذاك ، ومن هذا السياسي وخصمه ، حتى ضاعت على المواطن العراقي معرفة حقيقة أبسط الأمور التي يريد معرفتها ، لا سيما أذا علمنا أن غالبية الأحزاب السياسية في العراق لها فضائيات وصحف تكتب لها ما تريد ، خاصة في موسم الأنتخابات والصراعات السياسية ، فضاعت على المواطن معرفة الحقيقة ومن هو على حق وصواب ، ومن هو الكذاب والملفق! ، فالكل ينتقد الكل والكل يتكلم بلغة الشرف والنزاهة والقيم والمباديء والحق والحقيقة ، ولكن لا وجود للحقيقة ولا لكل ما يدعونه ويقولوه وسط هذه الفوضى الأعلامية الخطيرة! 0 أن المواطن العراقي وأمام هذا الأنفلات الأعلامي الحر المدمر والخطير الذي نهش فكره وعقله! ، بدأ يحن ويرغب ويتمنى أن يعيده الزمن الى دكتاتورية الأعلام والصحف والقنوات المحددة والمسيطر عليها من قبل الدولة!! ، بدلا من هذه الفوضى والحرية الأعلامية المنفلتة والمزيفة! ، بل بات المواطن العراقي يريد ويطالب بنظام وحكم دكتاتوري! ، أن كان يضمن له الأمن والأمان وراحة البال بعد أن شاهد الحرية بوجهها القبيح المدمر المنفلت الذي أوصل البلاد والعباد الى الضياع!0