23 ديسمبر، 2024 5:31 م

العراق…مرحلة جديدة بمخاطر أكبر

العراق…مرحلة جديدة بمخاطر أكبر

عام مضى، إستقبلناه بآمال وأمانٍ محفوفة بالترقب وعدم الإطمئنان… حيث كنا نعيش ظروف العجز الملموس، للنهوض بواقع لا يتحرك باتجاهات سليمة على الأصعدة كافة، لكننا كنا نحمل همومنا، مستعينين بالإرادة رغم (تشاؤم العقل)، ننحاز الى (التفاؤل) رغم عدم الرضا، نتطلع الى الممكن والمستقبل، رغم معرفتنا بحجم التآمر، ومخططات أعداء الشعب، واتساع دائرة تجار الدم، وباعة الضمائر، وحملة شعارات (الأنا)، والموت للآخر!!!! نعم نعيش راهناً غارقاً بالسلبيات والمخاطر لكنه لا يخلو من إنجازات ملموسة وإيجابيات لسنا في وارد الحديث عنها رغم حاجتنا لذكرها وخصوصاً أهمية بناء القوات الحارسة للوطن وهيبة الدولة، عام مضى مخلفاً أعداداً إضافية، من الشهداء والأيتام والأرامل فضلاً، عن أطنان من مخلفات الفساد والإفساد… لكننا مازلنا قادرين على حمل الألم، والعضّ على الجراح… فتأريخنا فيه قدر لا يستهان به من التجارب التي تؤكد إن (من رام وصل الشمس حاك خيوطَها)، وإن (دوام الحال من المحال)، وإن (إن مع العسر يسراً)، وإن الشعوب الحية قادرة على تجاوز أزماتها عندما تتمسك بحقها في الحرية والكرامة، وترفض الاستعباد و الاستبداد والتبعية وبيع أو رهن إرادتها…
ويطل علينا عام جديد، لكنه يزف إلينا في أيامه الأولى مخاطر جديدة، أكبر، إختارها لنا أقبح الأعداء، ويحملها ويسوقها إلينا مرتزقة تكفيريون!! أطلّ علينا العام الجديد، بدفعة جديدة من أدوات التخريب المعدة بعناية فائقة، دُفع لساحاتنا مرتزقة ليدشنوا مرحلة جديدة من مراحل التآمر على وحدة العراق، ونسيجه الاجتماعي، ودمنا المستباح… لقد دخل العراق مع بداية عام 2014 مرحلة نوعية في طبيعة المهام الإرهابية، تتمثل بمحاولة الاحتلال المباشر لمدن كاملة، وإعلانها نواة لدولة مستقلة، قابلة للتمدد والاتساع…
ولكن لابد من الاشارة الى أن هذا التحدي الجديد ذا الطابع العدواني النوعي لا يخلو من حمل نقيضه فقد انكشفت الرؤى واتضحت المواقف وظهر الفرز الوطني وهو في طريقه الى التكامل حول الموقف الحقيقي من الإرهاب ومن التكفير ومن وحدة العراق كما العلاقة العضوية بين العشائر الأصيلة والجيش الوطني وبانت إنتهازية الكثيرين، كما عرف الجميع من هم الدافعون لعجلة التقسيم والفتنة الطائفية، وخطورة وثمن اللعب بالنار.
كنا في كتابات سابقة قد تحدثنا عن العراق في أجندة الأعداء، ومشروع (بايدن) التقسيمي، وتحدثنا عن مخاطر الانقسام السياسي، و دوره في تنمية مشاعر الانقسام الطائفي والعرقي، وتحدثنا عن الحاجة الى العمل الجاد لتجسير الفجوات قبل اتساعها، ولكن (لقد أسمعت لو ناديت حياً!!)… لأن الكثير ممن استهوتهم خضرة الدولار، وأعمت بصائرهم الأحقاد والتبعية، أوغلوا في مستنقعات البغي، ولم يعد لهم خيار سوى التعايش مع الانحطاط، ولم يبق أيضاً لمن يعي ويدرك خطورة البغي والظلم والتقسيم والاقتتال، سوى النهوض ليس من خلال التنظير المنفصل عن العمل، بل من خلال الحشد والممارسة لمقتضيات المواجهة على ثلاثة محاور هي:
المحور الأول: يكمن في كشف الهدف الحقيقي لمعسكر الأعداء، القاضي بإدامة العنف واستمرار الاقتتال، وصولاً لتقسيم العراق، من خلال تأجيج الفتنة الطائفية والقومية، مما يوجب اتباع سياسة على مستوى المركز، تعتمد على إشاعة الثقة، وتلبية المطالب الحقة، والمشاركة الوطنية، وسد الذرائع، حتى ولو كان ذلك على حساب (الأنا) و (العض على الجراح)… وانطلاقاً من حقيقة أن لا رابح لمن يربح معركة، فالجميع خاسرون، مادام العدو الرئيس رابحاً، ولهذا ينبغي تجنب الدخول في معارك عسكرية قبل استنفاد كافة الوسائل الأخرى وما لم ينكشف عجز الحلول التي يطرحها البعض رغم إدراكنا بأن لهذا التأخير فوائد تجنيها قوى الإرهاب في تنظيم نفسها واجبار البعض وسوقهم معها. ومع ذلك لابد من ضبط النفس لتجنيب الأبرياء مخاطر التصعيد العسكري ولأجل عدم السماح لتوظيف ذلك إقليمياً ودولياً، فضلاً عن التوظيف الطائفي محلياً، الذي يغوي بعض البسطاء، فتلفهم عجلة التكفير والإرهاب.
المحور الثاني: ويتعلق بالأيديولوجياالحاملة والمروجة لتلك الأهداف: فبعد كشف الأهداف الحقيقية لمعسكر الأعداء، يأتي الدور لكشف طبيعة الأيديولوجيا الحاملة والمروجة لتلك الأهداف (ايديولوجيا التكفير) حيث إن السياسة كعلم تخضع: لقوانين وأسس وقواعد، ومن أبرز القواعد السياسية رسم الأهداف الاستراتيجية والمرحلية، والتعامل بمرونة عالية، في إطار التكتيك الخاص بالشعارات، والمهام الجزئية، والممارسات اليومية، وذلك يقتضي وجود ايديولوجيا: حاملة، ومبررة، وضابطة، لتلك الأهداف، والممارسات، والمواقف… وهنا تبرز أهمية وخطورة (ايديولوجيا التكفير)، الرافضة للتعايش السلمي، وحتى الحوار مع الآخر، وهي ايديولوجيا حاملة بإمتياز لرايات الفوضى والإرهاب، كوسيلة لتقسيم المجتمع، وإدامة الاحتراب، ولهذا فإن مهمة جميع المخلصين، تكمن في التصدي الحازم لهذه الايديولوجيا، ولجميع مقولات (التوظيف السلبي لبعض حوادث التأريخ) ايضاً، من خلال طرح: (الفكر المستنير)، و (الرؤيا السديدة) الكاشفة لعورات تلك الايديولوجيا التكفيرية، ومحاربتها من خلال (البديل) الحامل لرايات الحق والعدل والحرية والكرامة والسلام والتعايش، والتبني لقواعد السياسة السليمة، المهتدية بالعقلانية والواقعية (العميقة) والمستفيدة من الاليات (الحديثة) في التعاطي الجدلي التخادمي، بين الدولة والسلطة والأمة بكل مكوناتها بالتطبيق، وليس بالتنظير، أو الادعاء فحسب…
إن (تجاهل) الدور الفكري والمفاهيمي في التصدي للإرهاب، يعطل الحل، ويؤجل الخلاص، ويوسع دائرة المغرر بهم…
المحور الثالث: ويتعلق بالأدوات البشرية المستخدمة، للوصول الى الأهداف… حيث أن رسم الأهداف، وتبني الايديولوجيات فحسب، لا يغني في عملية إنجاز وتحقيق تلك الأهداف دون وجود وسائل وأدوات بشرية ومادية فاعلة، لذا فإن الساسة لا يهتمون أثناء الممارسة والعمل بالقوانين والقواعد والأسس السياسية فحسب، وإنما يعطون أهمية كبرى للأدوات المنقذة والعاملة… سواء كانت هذه الأدوات أحزاباً، أو كتلاً أو شخصيات سياسية أو عشائرية أو دينية مبرمجة ومعدة سلفاً لحمل مسؤولية تحقيق تلك الأهداف، سواء كانت هذه الأدوات البشرية مستوعبة للاديولوجيات بشكل واعٍ، أم متبنية لها شكلياً، أو منخرطة بدوافع مالية أو مصلحية أخرى، وإن كان الاهتمام ينصب على جانب المهارات والقدرات الواعية لأساليب التضليل والتعمية، من خلال إتقان فن السفسطة والديماغوجية المؤسسة، والغارقة في المخادعة والكذب، وهنا تجدر الإشارة الى إمكانية الاستفادة من أدوات بشرية، غارقة في الجهالة والتوحش، لا تفهم سوى لغة القتل والدم!!! لذا فإن التصدي لهؤلاء الواعين لمهامهم، والجاهلين، لغير مهمة القتل والتخريب معاً، لا تكون إلا من خلال، خلق مؤسسات: متنوعة متخصصة، واعية، وقادرة على ابتداع أساليب للتصدي لهذه الأدوات، مثلما تصدت لتلك الايديولوجيات الضالة، ومن خلال (رؤى) واقعية، و (إدارة) كفوءة، و (إرادة) حرة، غير مرتهنة إلا لمصلحة الأمة متحررة من قيود بعض حوادث التأريخ المعيقة، لبناء علاقة منسجمة بين الأمة والدولة… فالقدرة على التعاطي مع الواقع الراهن، والمخاطر المحدقة، تحتاج الى الحكمة المدركة، لموازين القوى المختلفة، والمتحولة، وطرائق العمل السياسي الحديث، التي انفتحت، وكسرت حواجز التواصل، ولم يعد عالم اليوم محكوماً بقيود التعامل السابق فالسيادة مقيدة، والحدود مستباحة، والعولمة حاكمة، ومع ذلك فلا يجوز هنا التعاطي مع الواقع الراهن بسلبية، ولا ارتهان، فشعبنا ووطننا يستباحان من قبل التكفيريين والإرهابيين بما يستوجب (الحزم) الموصل الى (الحسم) والخلاص الكلي، وليس بأسلوب (الانبطاح) أو (الصفقات) تحت شعارات (الواقعية) و (التعقل)… فحيث يغيب العقل فلا مجال للحديث عن عقل، أما فيما يخص التعامل مع الذين ما زالوا يحتفظون بشيء من العقلانية، ويخطئون التصرف، فلابد من التمسك بأسلوب الحوار والعقل، الذي لا بديل عنه، للوصول الى الحلول الضامنة لحقوق الجميع و المُعزة لكرامات الجميع.
وهنا لابد من الإشارة الى الاهتمام بجدية لدعوات التوحد العملية لبلورة موقف ائتلاف او تحالف او كتلة او محور عابر للتخندقات والهويات الفرعية الطائفية لتتحمل أعباء مسؤولية التصدي للمخاطر الجديدة القديمة فلم يعد من الحكمة إهمال بناء (محور) تدور حوله عجلة (البناء والسلام) وإعاقة المساعي الهادفة للشر، لتصعيد الاحتقان الطائفي، وصولاً لحرب أهلية يُقسّم بموجبها العراق الى دول تكون (محميات) في عهدة دول أخرى، ولازلنا جميعاً نتغنى بعراق الحضارات، ولمن يرى أن التقسيم والأقلمة حل يجنبنا مزيداً من الدماء، نقول: إن التقسيم سوف يكون بداية حروب جديدة على الأمتار والأشبار من الأرض ومن الحدود والثروات لا تنقطع لإدامة استنزاف الجميع، وجعلهم مرتهنين بالقوى الخارجية، لذا فإن الحل يكمن في: التلاحم ومشاركة الجميع و اشاعة السلام والحزم مع الإرهاب بما يعزز الرغبة في التعايش بكرامة، يضمنها: القانون وقيم العدالة والحرية، ولا سبيل الى ذلك دون حشد جهود القوى السياسية، لخلق كتلة عابرة للهويات الفرعية، يكون محورها (التحالف الوطني) بمشاركة الكتل و الأحزاب الوطنية الخيّرة المؤمنة ببرنامج وطني يضمن وحدة الشعب والوطن وسلامة وكرامة الجميع، يعمل على أساس بناء دولة حديثة، محور اهتمامها المواطن والوطن (سيادة وحرية)، وعلى أساس المشاركة والشورى، وتحقيق المطالب المشروعة لجميع العراقيين، وفي مقدمتهم: (المحرومون تأريخياً) والشهداء، والمظلومون، ومن يشعرون بالإقصاء والتهميش وسلب الحقوق، وأخيراً نؤكد على أن (المغالبة) بين أبناء الشعب الواحد لا منتصر فيها، والغالب بالشر مغلوب لا محالة (أما الزبد فيذهب جفاء، واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .