قبل ايام قليلة وجهنا دعوة لإقامة حملة واسعة لنشر روح الوطنية وترسيخها لدى مجتمعنا العراقي الاصيل، وعلى رجال الدين والسياسيين والمثقفين والكتاب إشاعة روح المواطنة لدى المجتمع، ونبذ من يحاول تسقيط شخصية الفرد العراقي وتسطيح افكاره، ونشر كل ما من شأنه اشاعة ثقافة حب الوطن والاخلاص له وهذه الثقافة هي من صميم الفهم الاسلامي على ما اعتقد والشواهد كثيرة لايسعنا ذكرها الان.
انطلاقا من شعورنا بالانتماء الى هذا البلد العريق وما له من دين في اعناقنا، وما نراه من انتشار ثقافة اسهمت بشكل كبير بتمزيقه وتفتيته كتبنا هذا الموضوع وما هو الا حلقة من سلسلة حلقات تصدر تباعا ان شاء الله تعالى. لكي نسهم بنشر ثقافة قد غابت عن الاذهان. وارجو ان لا يكون تبنينا لهذه المواضيع هدفا لمرمى البعض بتوجيه التهم من البعض، فنحن نحترم الاخر ما دام هو يبادلنا نفس الشعور، ولسنا مصابين بعقدة ما تجاه الاخر، كل ما في الامر نريد ان يفهم القارئ الكريم ان وطنه يستحق الاحترام ويستحق التضحية وبذل الغالي والنفيس من اجل ان يأخذ دوره المناط به. وان كلمات اهل البيت (ع) بحقه فوق كل الكلام الذي سمعناه وقراناه من هنا وهناك، غير المنسجم مع كلامهم (ع).
واليوم نريد أخذكم في جولة في تاريخ العراق لكي نحاول تصحيح بعض المفاهيم التي طالما اسيء فهمها او ان البعض يستخدمها عن قصد وعمد لتضليل الرأي العام.
ان موضوعة تاريخ العراق, سواء القديم، او في عصر الاسلام، او الحديث، موضع جدل عند البعض، فمنهم من يعتقد ان حضارة وادي النيل اعرق من حضارة وادي الرافدين وانها اكثر تطورا؛ لذا فهناك تقصير واضح تجاه ما حوته حضارة وادي الرافدين، فلاحظ التركيز على حضارة وادي النيل في كل الوسائل الاعلامية، مثلا توجد مئات الافلام انتجتها هوليود وقد شغلت حيزا كبيرا في كل العالم عن حضارة مصر والمومياء وغيرها.. اسهمت بشكل كبير في ترسيخ هذه الثقافة (جعلها الحضارة الاكثر عراقة) مع احترامنا لهذه الحضارة . كما انهم ركزوا ايضا على الحضارة الرومانية بشكل كبير وموسع، الا ان الحضارة العراقية لم نجد لها هذا التركيز! ما هي الا اشياء لم تذكر امام تركيزهم على الحضارات الاخرى، على الرغم من اعتراف جملة مهمة من علماء الاثار بان الحضارة العراقية هي الاكثر عراقة، وتأثيرها امتد الى الغرب والشرق.
اما في عصر الاسلام فهناك كم كبير من الحقائق التي اخفيت عن المسلمين انفسهم وعن العالم اجمع، حتى ان العراقيين انفسهم يتذمرون من تاريخهم (المليء بالمواقف المخزية) وقد انعكس هذا الفهم الخاطئ على واقعهم بجعله سببا لتقاعس القيادة من جهة ـــ بحجة ان هذا الشعب يخذل دوما قادته العظام على مر التاريخ ـــ والخذلان الذي اصاب المجتمع من جهة اخرى لنفس الذريعة.
في هذه الاسطر القليلة اريد ان اسلط الضوء على موضوع مهم ارى من الضروري الاهتمام به وتوسيعه في المستقبل ان شاء الله، هو كيف اسهم اهل البيت (عليهم السلام) في التخطيط الالهي لابراز العراق محورا للعالم.
من الواضح ان الله سبحانه قد خطط لنزول الاطروحة الإلهية العادلة الكاملة للمجتمع وقد هيأ لها كل ما من شأنه ان يضمن نجاح وصولها، من تكامل لعقلية ونفسية الانسان بإرسال الرسل والتدرج في تنامي مستوى التقبل، والمتتبع لتطور الرسالات يجد هذا الكلام واضحا، وعلى هذا الاساس فان الرسالات السماوية السابقة نسخت بالرسالة الاخيرة، اي ان الرسالات السابقة كانت وظيفتها ايصال المستوى الذهني والنفسي لتقبل الرسالة الاخيرة والخاتمة، فهي بطبيعة الحال تكون منسوخة. وكما ان هناك تخطيط على المستوى تقبل الرسالة الخاتمة وكيف ستكون، لا بد من التخطيط لمكان نزولها كي لا تكون عرضة للضرب من الوهلة الاولى، وحتى يحافظ على حامل هذه الرسالة من خطر المتضررين منها بالدرجة الاولى. فتم التخطيط لمكة لجعلها الحاضن لحامل هذه الرسالة، الصحراء التي لا طمع للقوى الشرقية والغربية بها. فكانت كل المؤشرات التي وردت قبيل بعثة الرسول الخاتم تشير الى ارض شبه الجزيرة العربية، وان الرسول الخاتم سيظهر في هذه الأرض. فقصة بحيرى الراهب وقصة سيف بن ذي يزن وقصة قس بن ساعدة وغيرها من المرويات تؤكد هذا المعنى.
وكما يعلم الجميع ان نزول الاطروحة الإلهية شيء وتطبيقها شيء اخر، اي ان تطبيق هذا الدين سيتم بأعلى مستوياته في دولة العدل بقيادة الإمام المهدي، لكن المكان مختلف عن مكان نزول الاطروحة الإلهية العادلة. وعلى هذا التأسيس فان اهل البيت بدأوا بإظهار نمط اخر من التخطيط الالهي لمكان التطبيق وهو (الكوفة او العراق)، الذي كان مخفيا تقريبا في العصور التي سبقت نزول الرسالة الخاتمة.
اول من بدأ اظهار هذا التخطيط هو علي بن ابي طالب (ع) بنقله لمركز الحكم من (المدينة المنورة) الى (الكوفة المقدسة) وهو اعلان رسمي لثقافة علوية جديدة. وقد عبر الصدر الاول عن هذا الانتقال بقوله:
(وكان شعب العراق وابناء العراق مرتبطين روحيا وعاطفيا مع الإمام (ع) ولكن لم يكن شعب العراق ولا ابناء العراق يعون رسالة علي (ع) وعيا حقيقيا كاملا، ولهذا كان الإمام بحاجة الى ان يبني تلك الطليعة العقائدية، ذلك الجيش العقائدي الذي يكون امينا على الرسالة وامينا على الاهداف وساعدا له ومنطلقا بالنسبة الى ترسيخ هذه الاهداف في كل ارجاء العالم الاسلامي).
ولنتابع ما قام به اهل البيت (عليهم السلام) من تثبيت لمقام هذا البلد واظهاره على مستوى التاريخ والحاضر والمستقبل.
اولا: اظهار البعد التاريخي للكوفة :
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( أول بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة ، لما امر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم ، سجدوا على ظهر الكوفة ).
مع الاخذ بنظر الاعتبار ان ادم ونوح دفنا في النجف، ومن المسلم به ان نوح كان في العراق وقد ورد ذكره في كتب الاثار باسم زيو سدرا واتنو بشتم.
وما ورد بالإسناد إلى الصدوق ، عن الصائغ ، عن ابن زكريا القطان ، عن ابن حبيب ، عن ابن بهلول ، عن أبيه ، عن ابن مهران ، عن الصادق عليه السلام قال : (إذا دخلت الكوفة فأت مسجد السهلة فصل فيه واسأل الله حاجتك لدينك ودنياك ، فإن مسجد السهلة بيت إدريس النبي عليه السلام الذي كان يخيط فيه ويصلي فيه ، ومن دعا الله فيه بما أحب قضى له حوائجه ورفعه يوم القيامة مكانا ” عليا ” إلى درجة إدريس عليه السلام ، وأجير من مكروه الدنيا ومكائد أعدائه). وكما هو معلوم فان النبي ادريس يسبق نوح بمدة طويلة.
وعن المفضل بن عمر قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) بالكوفة أيام قدم على أبي العباس فلما انتهينا إلى الكناسة قال : ههنا صلب عمي زيد رحمه الله ثم مضى حتى انتهى إلى طاق الزياتين وهو آخر السراجين فنزل وقال : أنزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي خطه آدم ( عليه السلام ) وأنا أكره أن أدخله راكبا قال : قلت : فمن غيره عن خطته ؟ قال : أما أول ذلك الطوفان في زمن نوح ( عليه السلام ) ثم غيره أصحاب كسرى ونعمان ثم غيره بعد زياد بن أبي سفيان ، فقلت : وكانت الكوفة ومسجدها في زمن نوح ( عليه السلام ) فقال لي : نعم يا مفضل وكان منزل نوح وقومه في قرية على منزل من الفرات مما يلي غربي الكوفة.
عن المفضل قال قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : أرأيت قول الله : ( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ) ما هذا التنور ؟ وانى كان موضعه وكيف كان ؟ فقال : ” كان التنور حيث وصفت لك ” فقلت : فكان بدو خروج الماء من ذلك التنور ؟ فقال : ” نعم ، ان الله أحب ان يرى قوم نوح الآية ، ثم إن الله بعده أرسل عليهم مطرا يفيض فيضا ، وفاض الفرات فيضا أيضا ، والعيون كلهن فيضا فغرقهم الله تعالى ، وأنجى نوحا ومن معه في السفينة ” : فقلت له : فكم لبث نوح ومن معه في السفينة ، حتى نضب الماء وخرجوا منها ؟ فقال : ” لبثوا فيها سبعة أيام ولياليها ، وطافت بالبيت ثم استوت على الجودي ، وهو فرات الكوفة ” فقلت له : ان مسجد الكوفة لقديم ، فقال : ” نعم ، وهو مصلى الأنبياء ، ولقد صلى فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حيث انطلق به جبرئيل على البراق ، فلما انتهى به إلى دار السلام ، وهو ظهر الكوفة ، وهو يريد بيت المقدس ، قال له : يا محمد هذا مسجد أبيك آدم ، ومصلى الأنبياء ، فانزل فصل فيه ، فنزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فصلى.
وكما هو واضح فان الذي اسهم في تكامل البشرية هم الانبياء حتى على المستوى العملي، وقد اراد الائمة ان يبينوا لنا الترابط الوثيق والاستمرارية في تعاقب الحضارات على هذه الأرض. ولاحظ كيف يستغرب المفضل من التاريخ العريق لهذا المسجد وهذه الأرض، مما يؤكد على ان هذه المعلومات لم تكن واضحة في ما سبق.
ثانيا: ما ورد في مدح ارضها وفضلها:
عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن علي ، عن أحمد بن عمر رفعه ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : (قلت له : إن أخي ببغداد وأخاف أن يموت بها فقال : ما تبالي حيثما مات أما إنه لا يبقى مؤمن شرق الأرض وغربها إلا حشر الله روحه إلى وادي السلام قلت له : وأين وادي السلام ؟ قال : ظهر الكوفة ، أما إني كأني بهم حلق حلق قعود يتحدثون ).
كما يفهم من هذه الرواية ومثيلاتها هو ربط المؤمنين بهذه الأرض روحيا بان ذكرت روايات في استحباب الدفن بجوار امير المؤمنين (ع)، وارتباط غير المؤمنين ايضا لان ارواح ذويهم واجسادهم ستكون في تلك البقعة الطاهرة.
وفي البحار وفرحة الغري : قال : حدثنا سلامة قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن محمد بن أحمد ، عن أبي عبد الله الرازي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن صفوان ، عن أبي أسامة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول : « الكوفة روضة من رياض الجنة ، فيها قبر نوح وإبراهيم وقبور ثلاثمائة نبي وسبعين نبيا وستمائة وصي وقبر سيد الأوصياء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
وقال ايضا (ع) في الكوفة : الطيبة الزكية ، وروضة من رياض الجنة ، وفيها قبر آدم ونوح وإبراهيم وقبور ثلاثمائة وسبعين نبيا وستمائة وصي ، وقبر سيدهم وهي حرمه ( عليه السلام ) ودار هجرته .
وجاء ايضا : وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض ألا قيل لروحه : الحقي بوادي السلام وإنها لبقعة من جنة عدن .
ما ورد من القرآن في مدح الكوفة وفي البحار والوسائل أيضا : عن المظفر بن جعفر العلوي ، عن جعفر بن محمد ابن مسعود ، عن أبيه ، عن الحسين بن أشكيب ، عن عبد الرحمن بن حماد ، عن أحمد بن الحسن ، عن صدقة بن حسان ، عن مهران بن أبي نصر ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي سعيد الإسكافي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) . قال : الربوة الكوفة ، والقرار المسجد ، والمعين الفرات ).
وروي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : « هذه مدينتنا ومحلنا ومقر شيعتنا . وعن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : « تربة تحبنا ونحبها . وعنه ( عليه السلام ) : ( اللهم ارم من رماها وعاد من عاداها ).
ثالثا: ما ورد في مدح اهل الكوفة:
عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : . الكوفة جمجمة العرب ، ورمح الله تبارك وتعالى ، وكنز الايمان .
وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : . إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد ، وبالمؤمنين من أهلها على غيرهم .
وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ( إن الله عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلا أهل الكوفة ).
وعن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : ( إن ولايتنا عرضت على السماوات والأرض والجبال والأمصار ما قبلها قبول أهل الكوفة).
وورد عن عبد الله بن الوليد قال : دخلنا على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فسلمنا عليه وجلسنا بين يديه فسألنا من أنتم ؟ فقلنا : من أهل الكوفة . فقال : ( أما إنه ليس بلد من البلدان أكثر محبا لنا من أهل الكوفة ثم هذه العصابة خاصة ، إن الله هداكم لأمر جهله الناس أحببتمونا وأبغضنا الناس وصدقتمونا وكذبنا الناس واتبعتمونا وخالفنا الناس ، فجعل الله محياكم محيانا ومماتكم مماتنا).
ومن الطبيعي وجود اشخاص يبغضون اهل البيت (عليهم السلام) في هذا البلد، ويوجد المنافق والمنتفع والانتهازي، وفي بعض الاحيان يسيطرون على مجريات الامور وتظهر من هذا البلد الهفوات التي تقع بسبب الظلمة والاطماع، لكن يبقى اصل وحقيقة هذا البلد، مواليا، متابعا ، مناصرا لأهل البيت (عليهم السلام).
رابعا: ما ورد في الحماية والرعاية الالهية للكوفة واهلها:
وفي نهج البلاغة : عنه ( عليه السلام ) قال : ( كأني بك يا كوفة تمدين مد الأديم العكاظي ، تعركين بالنوازل ، وتركبين الزلازل ، وإني لأعلم أنه ما أراد بك جبار سوءا إلا ابتلاه الله بشاغل ، ورماه بقاتل) .
وعن الصدوق في العيون : عن محمد بن عمر بن سالم، عن الحسن بن عبد الله بن محمد الرازي التميمي ، عن أبيه ، عن الرضا ، ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : . ذكر علي ( عليه السلام ) الكوفة فقال : يدفع البلاء عنها كما يدفع عن أخبية النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
قال المنصور لجعفر بن محمد ( عليه السلام ) : إني قد هممت أن أبعث إلى الكوفة من ينقض منازلها ويجمر نخلها ويستصفي أموالها ويقتل أهل الريبة منها فأشر علي . فقال : ( يا أمير المؤمنين إن المرء ليقتدي بسلفه ولك أسلاف ثلاثة : سليمان أعطي فشكر وأيوب ابتلي فصبر ، ويوسف قدر فغفر ، فاقتد بأيهم شئت . فصمت قليلا ثم قال : قد غفرت) .
وروى أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي في كتاب المنتظم : (أن زيادا لما حصبه أهل الكوفة وهو يخطب على المنبر قطع أيدي ثمانين منهم ، وهم أن يخرب دورهم ويجمر نخلهم ، فجمعهم حتى ملأ بهم المسجد والرحبة يعرضهم على البراءة من علي ، وعلم أنهم سيمتنعون فيحتج بذلك على استئصالهم وإخراب بلدهم . قال عبد الرحمن بن السائب الأنصاري : فإني لمع نفر من قومي والناس يومئذ في أمر عظيم ، إذ هومت تهويمة فرأيت شيئا أقبل طويل العنق مثل عنق البعير أهدر أهدل فقلت : ما أنت ؟ فقال : أنا النقاد ذو الرقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر . فاستيقظت فزعا فقلت لأصحابي : هل رأيتم مثل ما رأيت ؟ قالوا : لا . فأخبرتهم وخرج علينا خارج من القصر فقال : انصرفوا فإن الأمير يقول لكم : إني عنكم اليوم مشغول . وإذا بالطاعون قد ضربه فكان يقول : إني لأجد في النصف من جسدي حر النار حتى مات ).
فمن الجبابرة الذين ابتلاهم الله بشاغل فيها زياد ، وقد جمع الناس في المسجد ليلعن عليا صلوات الله عليه فخرج الحاجب وقال : انصرفوا فإن الأمير مشغول ، وقد أصابه الفالج في هذه الساعة ، وابنه عبيد الله بن زياد وقد أصابه الجذام ، والحجاج بن يوسف وقد تولدت الحيات في بطنه حتى هلك ، وعمر بن هبيرة وابنه يوسف وقد أصابهما البرص ، وخالد القسري وقد حبس فطولب حتى مات جوعا . وأما الذين رماهم الله بقاتل فعبيد الله بن زياد ومصعب بن الزبير وأبو السرايا وغيرهم فقتلوا جميعا ، ويزيد بن المهلب قتل على أسوء حال.
خامسا: ما ورد في ذكر مسجد الكوفة:
إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات : أخبرنا عن هارون بن خارجة قال : قال لي جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) : ” كم بين منزلك ومسجد الكوفة ؟ ” فأخبرته ، فقال : ” ما بقي ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا عبد صالح ، الا وقد صلى ، فيه فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، مر به ليلة أسرى به ، فأستأذن فيه فصلى فيه ركعتين ، والصلاة الفريضة فيه ألف صلاة ، والنافلة خمسمائة صلاة ، والجلوس فيه من غير تلاوة القرآن عبادة ، فأته ولو زحفا “.
عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ” يا بن مسعود ، لما أسري بي إلى السماء الدنيا ، أراني مسجد كوفان ، فقلت : يا جبرئيل ما هذا ؟ قال : مسجد مبارك ، كثير الخير ، عظيم البركة ، اختاره الله لأهله ، وهو يشفع لهم يوم القيامة “.
عن معاذ بن جبل ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : ” لكأني بمسجد كوفان يأتي يوم القيامة محرما في ملاءتين يشهد لمن صلى فيه ركعتين “.
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : سألته عن المساجد التي لها الفضل ، فقال : ” المسجد الحرام ، ومسجد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ” قلت : والمسجد الأقصى جعلت فداك ؟ فقال : ” ذاك في السماء ، إليه أسري رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ” فقلت ان الناس يقولون أنه بيت المقدس ، فقال : ” مسجد الكوفة أفضل منه ” .
سادسا: ما ورد في مكانتها المستقبلية وانها ستكون عاصمة لحكم الامام المهدي في اخر الزمان.
لم يكتف الائمة (عليهم السلام) بكل ما قالوه عن الكوفة وارضها واهلها، بل اظهروا ما ستكون عليه في المستقبل، لانهم يعلمون علم اليقين بما سوف يصدر من المبغضين والسلاطين من هجمة على اهل هذه الأرض. او لعل الهجمات التي شنت من اولئك جاءت نتيجة تركيز الائمة (عليهم السلام) على اهل هذه الأرض. مما ورد في اظهار المكانة المستقبلية وسأكتفي برواية واحدة:
في رواية طويلة ينقلها صاحب البحار عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق (عليه السلام):
قال المفضل : قلت : يا سيدي فأين تكون دار المهدي ، ومجتمع المؤمنين ؟ قال : دار ملكه الكوفة ، ومجلس حكمه جامعها ، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة ، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين . قال المفضل : يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة ؟ قال : إي والله لا يبقى مؤمن إلا كان بها أو حواليها ، وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم وليودن أكثر الناس أنه اشترى شبرا من أرض السبع بشبر من ذهب ، والسبع خطة من خطط همدان ، وليصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلا وليجاورن قصورها كربلا ، وليصيرن الله كربلاء معقلا ومقاما تختلف فيه الملائكة والمؤمنون وليكونن لها شأن من الشأن ، وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة .
انتهت الحلقة الاولى بفضل الله ومنه .