18 ديسمبر، 2024 7:42 م

العراق .. مابين رجال الدولة وإنتهازيوا السياسة

العراق .. مابين رجال الدولة وإنتهازيوا السياسة

إن الانظمة السياسية المعاصرة تطورت نتيجة لتطور الفكر السياسي في إدارة الدولة وذلك تبعا” للإهتمام بإيجاد النظام الأمثل لخدمة المصالح العليا للدولة، إذ أن الأنظمة السياسية هي التي تحدد سلوكيات الدول وتكون المرآة العاكسة لطبيعة النظام السياسي الذي تنتهجه الدولة في سياساتها الداخلية والخارجية مما يستتبع أن يكون هناك من يتمتع بشخصية الرجل القيادي الذي يقود الدولة  بنظرته الشاملة للأمور .
إن رجل الدولة هو الذي ينظر إلى الأمور بموضوعية  وبصدق ولايمكن بحال أن يكون رجعيا، بل يمتلك صفات قيادية، له نظرة متقدمة متنورة الى الحياة، يسعى للإرتقاء بمستويات مواطنيه الإقتصادية والإجتماعية والثقافية من أجل أن تكون لبلده مكانة كبيرة ،وهو يعمل ليل نهار من أجل تحقيق ذلك ويتحلى رجل الدولة فوق ماذكرنا بقدرته على إتخاذ القرارالمناسب في الوقت المناسب والمكان المناسب.
إن رجل الدولة هو من يمارس القيادة السياسية بحكمة وعقلانية تمكنه من إدارة الدولة بصورة متحررة من الحزبية الضيقة.
أما رجل السياسة فهو الذي يهتم بالحصول على موقع رسمي في السلطة لأغراض شخصية أو لأهداف فئوية قصيرة المدى تبعا لرؤيته الضيقة لطبيعة إدارة الدولة إذ ترتبط السياسة من وجهة نظره بالصراع على كرسي الحكم والتنافس على المصالح العاجلة للحزب او لشخصه، وهو يمارس السياسة كما يلعب أية لعبة  تحتمل الربح والخسارة وكثيرا” ما يقدم على خطوات غير متزنة  ، وقد يوقع شعبه في التهلكة فهو مقامر وينتظر تحقيق المكاسب وإن كانت لاتساوي شيئا.
إن الدولة التي تقوم على رجال حقيقيون أمناء على الدولة والوطن والشعب، تبقى متواصلة النجاح ترتقي سلم التطور والتقدم وتعلوا بين اﻻمم وتستمر  من رجل الى آخر ، لأن من يختاره الشعب ليحكم إنما جاء لكي يخدم الدولة والشعب ويضع خبرته وتجربته ووقته وتفكيره الخلاق وحسن إدارته في سبيل تطوير الدولة، فيسلم وظيفته لمن يخلفه بأفضل مما استلمها، مما ينطبق عليه القول خير سلف لخير خلف، وتنتقل بذلك مقاليد السلطة والحكم بمؤسساتها الرسمية من رجل دولة الى رجل دولة ويتواصل التصميم والتنافس على خدمة الشعب ، فإدارة الدولة ترتبط وفق أفكار رجالها الحقيقيون بمنظومة من المؤسسات الدستورية، وسيادة للقانون، وشفافية العمل والمعلومات، ونظام رقابي نزيه ومتوازن، وخدمات مقدمة للمواطنين وغيرها بما يشعرهم بالراحة والطمأنينة في ظل رجال دولة يقودون البلد نحو اﻻفضل .
إن رجل الدولة هو من يلتزم ويتعهد بخدمة المواطن  والوطن على الوجه الصحيح وإحترام الدستور والقوانين ويحسن الإستماع لمطالب الشعب وتوجهاته حتى لو أضطره الأمر إلى أن يقف بالند والضد من البرلمان وأعضاءه عندما يتعاملون بنرجسية فاضحة وأنانية ضد طموحات الشعب وعيشه الكريم،  وهو من يطرح من وقت لأخر أفكارا” تساعد الفقراء والأرامل والأيتام من أجل التوصل إلى حلول لمشاكل البلد والإرتقاء بعيشه الكريم فيعيش الآمهم ويتحسس لمشاعرهم .
إن رجل الدولة هو من يعمل على أنه ملك للدولة ويحافظ على مؤسساتها وعلى من يعمل بمعيته من رجال الدولة بكفاءاتهم وعقولهم وأفكارهم الخلاقة المبدعة خدمة للشعب ويتفانى في خدمته،فرجل الدولة ﻻيعمل لخدمة جيل واحد وإنما يعمل للأجيال القادمة وفق فكر إستراتيجي بعيد الأمد .
بينما رجل السياسة يفكر ويخطط ويعمل على أن الدولة هي ملك صرف له ولعائلته ولأزلامه وزبانيته ومصالحه الشخصية وكأنها ميراث توارثه عن أهله وأن أموال الدولة هي أمواله يهبها كيف يشاء ويعمل للإنتخابات المقبلة فقط ليضمن بقاءه على كرسي الحكم غير آبه بما يدور حوله من معاناة ومآسي يجرها على رأس الشعب بسبب تسلطه حتى يصل بالدولة إلى الدرك الأسفل من الوهن والضعف والتشرذم .
أين نحن من هذا النسق وهذا التسلسل الهرمي في الحكم؟ وما الذي يفعله رجال الحكم والسياسة وهل عندنا رجل يأتي فيخطط وينفذ ثم يسلم بعده من يواصل التخطيط والتنفيذ خدمة للدولة وللشعب؟
إن رجال السياسة عندنا في العراق منقسمون بين طائفي ومنافق ،وبين زعلان ومهووس بالكلام الفارغ والعراقيون بينهم  تائهون بحيرتهم داخل الوطن ﻻيعرفون للسياسة نهج أو فكر يسيرون عليه وبين هاربون خارج الوطن عند الحصول على أول فرصة تسنح لهم الى المجهول ، المهم أن يبتعدوا عن أوهام السياسيون الغارقون في وحل الفساد  ، لأنهم     لايجدون من يعمل للدولة ومستقبل أبنائها، بل يجدون سياسيون يعملون لمصالهم الشخصية  ولطموحات سياسية آنيه لاتتعدى طموح الفوز بالانتخابات ليضمن كرسي برلماني أو كرسي وزارة أو لجنة مالية أو إقتصادية ليضمن من خلالها صفقات تعود عليه بالفائدة المادية والربح الوفير وما بعد ذلك فليكن ما يكون، وليسقط سقف الوطن على أهله.
لقد أبتلى الله العراق بسياسيين أغلبهم كان مقامرا” في حانات اوربا يتسكعون في الشوارع يشحذون الخيانة والعمالة ضد بلدهم وأهلهم  لايتورعون عن التفريط ببلدهم وشعبهم من أجل تحقيق مكاسب آنية وأهداف قصيرة الامد.
أن جميع الذين تعاطوا العمل السياسي في العراق منذ عام 2003  لم يفكروا في بناء دولة حقيقية، بل أوجدتهم الصدفة وسخرية الأقدار في العمل السياسي لذا فقد عززوا ما ورثوه من الماضي من حقد وطائفية وأنانية وتكتلات عائلية وحزبية ومذهبية ودينية ومناطقية ويقدمون للشعب وعودا” كاذبة وأوهاما” هم يعيشون فيها ويريدون من الشعب أن يصدقها لكي يظل لهم أغناما” وقطعانا” داخل الحقل لايغادروه، ولكي يظل الشعب بنظرهم المطية التي تحمل لهم الكراسي ويبقوا هم على الكراسي.
إن اﻻمر في العراق لن يستقيم إلا إذا حكمه رجال دولة لا إنتهازيوا سياسة، ومتى ما تحول فيه جميع الناس إلى مواطنين ذوي صوت حر يشخصون الخلل ويصدحون بصوتهم وينتفضون ضد الفساد السياسي والاقتصادي ، لا مجرد مجموعات يخشعون أمام أصناما” تتربع على الكراسي خلف أسوار المنطقة الخضراء، فأنهم سيصنعون رجال دولة ويزيحون أقزام السياسة وانتهازيوها الجاثمين على صدر العراق وصدورهم منذ 12 عاما” فأعتبروا ياسياسيوا العراق وإن غدا” لناظره لقريب .
حفظ الله العراق وشعبه