ماحضرت أو أحدا من زملائي الصحفيين تجمعا ثقافيا أو ندوة فكرية عراقية داخل البلاد أو خارجها بدءا من عمان وإنتهاء يستوكهولم قط إلا وكان محور حديث الحضور – جل إحترامي لهم – عن المطبخ العراقي وألوان الطعام ، والتي غالبا ماتبدأ بـعبارة ” أفيش ريحة هلي ” تطلقها احدى الحسناوات الأنيقات على أنغام ” إلي مضيع وطن وين الوطن يلكاه ” ليبدأ بعدها الحديث وبلا هوادة عن الدولمة والشيخ محشي وكبة السراي وكعك السيد وشربت زبيب الحاج زبالة وعصير جبار أبو الشربت وهمبركر ابو يونان وفلافل ابو زكريا والشاي المهيل والقوري الفرفوري على الفحم وبقلاوة نعوش وقطايف الشكرجي وكاهي أبو علي وباجة الحاتي وكبة برغل ابو نبيل والأصابع المالحة والزلابية والبرمه وووو . فننسى في خضم المطبخ وتوابله مأساة العراق جملة وتفصيلا ، ننسى المهجرين والمشردين والنازحين والفقراء والمساكين والمعتقلين والعاطلين والمسحوقين واجهزة المخابرات الدولية التي هتكت عرضه وقوات الأحتلال التي دنست أرضه وطائرات الجنبي التي قصفت أرضه ولسان حالي وحال زملائي من فرسان السلطة الرابعة يردد في تلكم المحافل على الدوام داخل العراق وخارجه ” دخانكم عمانه وطبيخكم ما إجانه ” وأقول سواء قدر لي أن أحضر مجالس بائسة كتلك ثانية ام لا ، ان البصرة الفيحاء ليست حلاوة نهر خوز …بغداد ليست دولمة وتكة ،معلاك ، قلب …الموصل ليست كبة مصلاوية وكيبايات محشية ….النجف ليس طرشي محشى وفسنجون ..كربلاء ليست حلاوة دهينية وسكنجبيل … بابل ليست باقلاء بالدهن وقيمر السدة … واسط ليست خبز عروك ..ديالى ليست برتقال ومشمش وخوخ وتفاح …الأنبار ليست دليمية وهبيط … ميسان ليست دجاج مي وسمك مجفف … المثنى ليست دراج وخضيري مشوي على الفحم …. صلاح الدين ليست كليجة وشاي مهيل …الفلوجة ليست كباب مشوي وخبر بالتنور .. سامراء ليست قوزي على تمن وبرياني … الأعظمية ليست زنود الست أبو عفيف وفلافل ابو زكريا ..الكاظمية ليست شراب بلانكو وكبة دعبول ….. اتمنى ان نتحدث هذه المرة عن آثار العراق التي سلبت وخيراته التي نهبت وشعبه الذي ضاع وأن ندع الحديث عن الطعام وألوانه حتى خروج آخر متسلل أجنبي دخيل – من دبش – من أرض سومر واكد وبابل والحضر وآشور . أودعناكم أغاتي.