23 ديسمبر، 2024 9:56 ص

العراق كان هنا”، هذا لسان حالنا، كما ينطق – نحن سياسوا العراق

العراق كان هنا”، هذا لسان حالنا، كما ينطق – نحن سياسوا العراق

“وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين”.
لا نأسف، ولا نعتذر، ولا نندم، ولا نغتم، ولا نحزن، ولا نخرج عن النص.
ولكننا ننحط، ونتأزم، ونضطرب، ونخفق، ونشوش، ونتحامق. 
ونرشح، ونفوز، ونحكم، ونطغى، ونقتص.
ونفجر، ونمكر، ونغدر، وننقلب، وننبطح.
ونتأزم، ونظلم، ونسرق، ونكذب، وندلس.
ونخلط الأوراق، ونبعثر الأوراق، ونتزوج من أربعة نساء أو أكثر.
ونحج البيت العتيق مرة وأكثر، ونتبادل الأدوار والكراسي مرات عديدة.
ونسجن، ونموت شنقا أو رميا بالرصاص، أو نموت بمفخخة أو بكاتم، ذلك لأننا سياسيون.
وكثيرا ما نستخدم السلالم الصاعدة والنازلة، ولنا في كل صعود مشهد، وفي كل نزول هناك لنا مشاهد كثيرة.
ثم نحز رؤوس من سبقنا، ومن يلحقنا يحز رؤوسنا.
ونتلون كتلون الحرباء، ونتخاصم في العلن ونتصالح في السر، ونتصالح في العلن، ونتخاصم في السر، ونفعل مالا نقول.
 
كأنها دورة تأهيلية إذا اجتزناها بنجاح، نكون وبحسب اجندات تأهلنا وتكليفنا الذي يصب في مصلحة اسيادنا ويحقق اهدافهم، نكون قد ساهمنا بإنحدار شعبنا نحو الهاوية، أو نحدره إلى واد سحيق، ونساهم في عدم احترام شعبنا ودولتنا، ونساهم في عدم احترام ماضيها وحاضرها ومستقبلها، فضلا عن عدم احترام تاريخها الممتد إلى أكثر من 7000 سنة، اذ نحاول جهد امكاننا أن نتحكم بمصير الوطن والمواطن، فنزيد من كان غنيا غنى، ومن كان فقيرا فقرا، ذاك هو سلوكنا، وهذه هي سجايانا، وهذا هو لسان حالنا نحن السياسيون.
 
وفي هذه الحالة جعلنا من بلدنا ساحة للتراشق وميدانا للحروب بجميع انواعها، فقتلنا روح الوطنية والابداع في مواطني البلد ومجتمعه الفسيفسائي، وابداعنا ينحصر في كيف أننا نصنع الأزمات التي تتحمل تكلفتها خزينة الدولة وأبناء البلد؟
 
ومن انجازاتنا التاريخية أن جئنا بداعش، وأسسنا لأن تخذل أمامها جميع القوات المسلحة في الموصل وتكريت والرمادي، وصرنا جناحها السياسي في معظم مفاصل الدولة، ألا أن جهودنا ضاعت بوجود قطعات الحشد الشعبي، ببعثرة أوراق الخطة المرسومة، وبوقف تقدم داعش لاحتلال بغداد، فضلا عن تحريرهم لتكريت وأغلب الأراضي التي اغتصبت.
 
ونستعين بامريكا وإسرائيل وتركيا ودول الاعراب لعرقلة الجهود التي يبذلها الحشد الشعبي لتحرير الأراضي التي استولت عليها داعش، لابل نعرقل تقدمه ونفشل خططه ونتهمه باخس الرذائل حسدا منا عليهم لذلك كثيرا ما نسميهم بالمليشيات، وسنحاول جهد امكاننا ان نطلق عليهم “المجموعات الإرهابية المسلحة” وبأسلوب مخابراتي متقن.
 
نشكر امريكا أن وقفت معنا إلى هذا الحد الذي بلغه البلد من تداعيات وانتهاك لسيادته وإلغاء دوره المؤثر في المنطقة والعالم من أجل “عيون إسرائيل”، لذلك فنحن نحاول جاهدين أن تكون علاقتنا مع امريكا قوية ومميزة لتحقيق جميع الأهداف التي تجعل وطننا ضعيفا، لأن لا عيش لنا فيه وهو قوي وسيد، ذلك لأننا مع البلد الضعيف نسمى بالسياسيين المخلصين المحنكين، ولنا في ذلك حصانة وحقوق وسيادة ومناصب وإمتيازات وأموال طائلة، بينما في الوطن القوي ذي السيادة الغير منقوصة سنكون اثرا بعد عين أو أن نكون فيه كالجرذان، وتملأ منا السجون أو نعيش مشردين بسبب إستهتارنا وفسادنا.
 
نشهد إن أحسن ما قمنا به من انجازات هو أننا ضحكنا على ذقون العراقيين وواعدناهم بوعود واماني كاذبة عند الحملات الانتخابية، ومع ذلك كانوا يصدقوننا ويصوتون إزاء أسمائنا في كل مرة ويتركون المرشحين الاكفاء الخيرين، فلعبنا لعبتنا ونجحنا في ذلك نجاحا باهرا، واتفقنا على تقسيم الكعكة وتقاسم الأدوار فيما بيننا بنظام توزيع الاسهم وتقسيم الحصص، وسرقة الأموال ونهبها تحت غطاء الديموقراطية وبعض الأغطية الاخرى كالشراكة والتوافق والتي تعني في حقيقتها المحاصصة والطائفية.
والانجاز الآخر الذي لايقل أهمية عن الانجاز الأول هو اننا ساهمنا وبقوة في ان نصنع حكومات ضعيفة مكبلة ومشلولة وعاجزة عن حفظ الأمن وتأمين متطلبات الشعب في العيش الكريم والرغيد، وأيضا عاجزة عن وقف فسادنا وإستهتارنا، ووقف جولاتنا المكوكية مع دول الجوار الأشقاء، أو حتى بالاحرى استحالة ملاحقتنا قضائيا وجنائيا في حال أن “تطلع ريحتنا” أو نتعدى حدودنا في ممارسة الفساد.
وأمر آخر انها لا تستطيع أن تؤمن حقوق الشعب وتؤمن متطلبات الخدمات الانسانية لكي لا يعيش المواطن في حياة كريمة مستقرة، لان لا وجود لنا في البلد مع حالة ان يتحرى المواطن فيه حالات العيش الكريم والاستقرار والرخاء والازدهار، فذلك هو “مبلغ وعيه، ونضوج أفكاره، ومطلب حقوقه، وملاحقتنا لظلامته” طبقا لما حدث تماما من جمعة يوم 31.8.2015 وماتلاها من جمع تظاهر فيها الناس وماجوا.
 
يطلق الشعب علينا والاعلام مختلف الاسماء والالقاب الشائنة ونحن كاننا لا نأبه لذلك ولا نسمع ولا نرى، سكارى بالمناصب، والمال، والجاه والوجه، والسيارات المتينة، والامتيازات اللامتناهية، والخدمات الراقية، والقصور الفخمة المترامية الأطراف، والنساء الحسناوات، فنحن مشغولون بنهب اموالهم وسرقتها وتوظيفها واستثمارها في خارج البلد بأسماء أقاربنا واصدقائنا، بينما الشارع يغلي ويضج ولا يعرف السعادة والاستقرار، وغارق بمشاكل الحياة والقرف والبؤس الذي صنعناه فصالا له وبأيدينا وأيدي اصدقائنا من اخواننا الصهاينة والسلاجقة والاعراب وبعض اخواننا الخونة المخلصين والدواعش.
 
سياستنا بفعل جهودنا الاستثنائية ساهمت في تسريع الدولة للوصول إلى نقطة الانهيار، والشعب يتظاهر بالتغيير للإصلاح الشامل، ونحن نستجيب لمطالب المتظاهرين بالانهيار الكامل الذي يبشر بالتوقف التام لجميع مظاهر الحياة، فطموحنا وواجبنا لا يتوقف عند حد الا بتسليم العراق ترابا إكمالا لدور سلفنا صدام، والدفع بالعراقيين للوصول إلى اعتاب أبواب المجاعة والقحط والعوز الشديد والموت والهجرة الجماعية للشباب لبلاد الغرب وتفريغ العراق من طاقاته البشرية الشبابية وبقية الطاقات الانتاجية الزراعية والصناعية والعلمية.
 
نقول للشعب الذي نهبنا ثروته وسرقنا امواله وقضينا على خيراته ودمرنا صناعاته واوقفنا جميع مشاريع الاعمار والبناء والتنمية والاستثمار، وقضينا على جميع مؤسساته التعليمية والقضائية والصحية والانسانية، نقول له:
لا تعولوا علينا في يوم ما ان نأتيكم بخير وعطاء ابدا ابدا، ليس لأننا موكلون بهذا الفعل فحسب، ولكن أيضا “فاقد الشيء لا يعطيه” وأن مصيرنا ووجودنا مرهون بهذا التداعي، فهل ياترى انه من المعقول أن نضحي بأنفسنا من أجلكم، أم الاحرى لنا ان نضحي بكم من اجلنا؟؟
ونقول لكم أيضا أن لا تضيعوا وقتكم بالتظاهر وتشغلوا أنفسكم بالتفاؤل، ذلك لأن القضية محسومة لصالحنا “أن لا اصلاحات” مهما تظاهرتم ومهما فعلتم، عليكم أن تفهمونا على حقيقتنا من أننا ندعي بأننا طلاب حق في هذا الوطن، ومن تلك اللحظة التي وضعتم فيها اصابعكم بالحبر البنفسجي، كان ذلك منكم اقرارا لنا بأن وضعناكم تحت وصاية نظام الحكم الذي صنعناه لكم بأيدينا على مقاسنا، وحصناه بالدستور الذي يرعى مصالحنا ويثبت حكمنا على رقابكم بغطاء الديموقراطية وبخبرة أسيادنا الأمريكان، فلا تستغربوا لما نفعله بكم ذلك لأن طبيعة نظام الحكم الذي فرض عليكم وقبلتموه من خلال التصويت على الدستور هو نوع من أنواع الاستعمار الحديث، وضرب من ضروب الاقطاع السياسي الذي أقررتم على قبوله والتصويت عليه.
 
وبهذا نكون قد أنجزنا معظم مهامنا الموكلة بنا، ولم يتبق علينا مما نقوم به وننجزه إلا الشيء اليسير، لا تتعدى في جميع الأحوال إلى 3 مهام إن لم يطرأ طارىء، هن:
*المصالحة الوطنية، ليتسنى لأخوتنا ورفاقنا الولوج في العملية السياسية لاكمال الشق الثاني من المسيرة النضالية الخيانية “لكي لا نبقي لأهل هذا الوطن من باقية”.
*والثانية، فاننا سنساهم في إقرار الحرس الوطني الذي يلبي طموحاتنا في اذكاء الطائفية وأدامة الاحتراب والحروب الأهلية، ويتسنى لإخواننا الدواعش الانخراط فيه ليستفيدوا من اكتساب الصفة الرسمية بعد أن يرتدوا بدلة الوطن العسكرية، وبعد أن يتخلصوا من لحاهم ستعود وجوههم الثانية، ولتخليصهم كذلك من ربقة الارهاب وما يرافقها من مساءلة قانونية، ولعلنا نستطيع في المستقبل القريب أن نقنع الدولة بتعويضهم عما فقدوه من الناحية المادية والمعنوية تعويضا مجزيا، وسنساهم في اعتبار قتلاهم شهداء.
*اما الثالثة وهي بيضة الميزان، ان نسعى جاهدين لتقسيم العراق وتحويله إلى كانتونات متصارعة، وبذلك نكون قد انجزنا مالا يستطيع من سبقنا انجازه، وحين ذاك عندما يقال لمن يسأل عن العراق، فيقول له لسان حالنا، “العراق كان هنا“، فهكذا هو لسان حالنا كما ينطق، نحن سياسيوا العراق .
 
وأخيرا والكلام لنا: تعرف السياسة على أنها “فن الممكن”، ولكن وبعد معرفتنا لسياسي اليوم أنهم إجتهدوا ليجعلوا منها “فن المستحيل” بالمقدار الذي جعلوا فيه العراق أن يقال له في يوم من الأيام سواء على الأرض أو على الخريطة : “العراق كان هنا“، وهذا مافعله بنا سياسيوا العراق الحاليون، ولكن لاندري بالضبط ما هو مقدار ما سيفعله بنا وبأبنائنا وأحفادنا سياسيوا العراق من الجيل الثاني مستقبلا، والتي قوامها الشباب الذين سيحكموا العراق ممن ركبوا موجة الهجرة للغرب في هذا الآن.
 
ونقول: يمضون ويبقى العراق شامخا أبيا، تتعلم الدنيا منه:
العلم والعمل، والحب والانسانية، والحضارة والاصالة، والإيمان والدين، والإرث والتاريخ، والشعر والأدب، والشجاعة والكرم، والحلم والصبر.
 
هذا والسلام على العراق.
وعلى من رقد في أرض العراق من أنبيائه وأوصياءه وعباده الصالحين والشهداء.
وعلى من دافع عن العراق.
وعلى شعب العراق.
وعلى من اخلص للعراق.
وعلى أهل العراق.
واللعن الدائم على أعداء العراق ومن خان العراق، وتجرأ على ارضه وشعبة وامواله وثرواته، وكذبوا على شعبه، وظلموا أهله، فلا ندخل عليهم ونصدقهم ماحيينا ونحن منهم براء.
 
فعن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله أنه قَالَ:«إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءٌ بَعْدِي , فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ , وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ , وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الْحَوْضَ , وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى الحَوْضِ».
صدق رسول الله الاكرم(ص).