23 ديسمبر، 2024 12:54 ص

العراق قلب المثلث الذهبي

العراق قلب المثلث الذهبي

تميز العراق عن غيره من البلدان، بمميزات نادرا ما تتوفر لوطن من الأوطان، فقد حباه الله بموقع يتوسط قلب العالم، وثروات اقتصادية هائلة وتنوع في سكانه، والإحداث التاريخية التي شهدها لم تحدث في بلد آخر .

فحين هبط ادم فيه كان الموطن الأول للبشرية، ومنه انطلق الحرف الذي علمها الكتابة وفيه سنت أولى القوانين، وشهد إحداثا غيرت مجرى التاريخ البشري، فعلى أرضه هزم المسلمون الإمبراطورية الساسانية وسقط عرش كسرى، فكان موطن الخلافات الإسلامية، وفيه إنهارت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وهزم شبابه اعتي هجمة بربرية شهدها العالم في العصر الحديث، متمثلة بالإرهاب الداعشي فغيروا مجرى التاريخ مرة أخرى .

وعلى ذلك كان العراق ميزان لما يحصل في المنطقة، فإذا ما استقر العراق كانت المنطقة مستقرة، وضعفه يتسبب بضعف المنطقة برمتها، وهذه القناعة أصبحت راسخة عند جيرانه والدول المحيطة به، وخير شاهد على ذلك ما حدث في العراق بعد عام 2003، حيث اثر على المنطقة والدول المحيطة به، فشهدت أحداثا وهزات سياسية تبعت الذي حدث في العراق، ولما ضرب الإرهاب الداعشي العراق عانت منه جميع الدول المحيطة بل العالم كله، ما يزال مستنفرا جهوده من اجل التخلص منه .

وما شهده العراق من صراعات وتدافع سياسي وطائفي، انسحب على الدول المحيطة بالعراق، فكان الصراع بين جمهورية إيران الإسلامية وتركيا والمملكة العربية السعودية، هذه الدول ذات الإمكانات الاقتصادية والبشرية الهائلة، يتوسطها العراق الذي لا يقل شأنا عنها، ولكنه كان ساحة للتدافع والصراع السياسي والاقتصادي بين هذه الدول، التي باتت تتدخل في شأنه الداخلي ويدعم كل منها أطرافا موالية لها، مستغلة التغيرات السياسية التي حدثت فيه بعد عام 2003، بعد خروجه من حكم دكتاتوري واحتلال أمريكي .

فكان أن نزفت المنطقة الكثير من ثرواتها بسبب الصراعات غير المبررة، التي جلبت لها خسائر باهضة على حساب شعوبها، التي تحلم بالسلام والتعاون المشترك والاستقرار، وأصبح الصراع مفتوحا بين إضلاع المثلث لا يمكن حسمه أو توقع نهايته في القريب العاجل، كونه ولد حروبا لم تنطفئ نيرانها بعد، وجعل هذه الأطراف تستعين بالدول العظمى، من اجل أن تكون الغلبة لطرف على حساب طرف آخر، وهو ما نشهده اليوم من الصراع الدائم بين إيران والسعودية وتركيا، الذي يخبو أحيانا ويرتفع أحيانا أخرى .

ومادام العراق هو نقطة الارتكاز في المنطقة، وهو الجسر الذي يربط تركيا ومن خلفها أوربا بالخليج العربي وبحر العرب ومن بعدها آسيا، والطريق البري الذي يربط إيران بالسعودية، فعلى العراق أن يكون المبادر لخلق علاقة تكاملية بين هذه الدول، إذا ما توفرت الحكمة والرؤية والقرار الشجاع، وان يسع في تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة، ويكون ساحة لتبادل المصالح والمنافع بدل ان يكون ساحة للصراع .