بعد الخسارة الفادحة للأحزاب الولائية في الإنتخابات الأخيرة، تحاول الدفع نحو تحقيق حكومة توافق بين كتلتي الفتح (الأحزاب الولائية الشيعية والذيول من الأحزاب السنية) والإصلاح (التيار الصدري)، ولا مانع عندها من إختيار رئيس وزراء صدري قح كبديل عن رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، الذي تعتبره الأحزاب الولائية عميلا للولايات المتحدة الامريكية، ومن العجب انها اعتبرت محاولة إغتيال الكاظمي الأخيرة عبارة عن مسرحية بطلها الكاظمي لتحقيق تعاطف شعبي وعربي ودولي للحصول على الولاية الثانية، لكن عندما أدانت ايران العملية، تغيرت بوصلة الأحزاب الولائية الى اعتبار الولايات المتحدة هي التي تقف وراء عملية إغتيال عميلها الكاظمي! فعلا حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقله له.
العجب العجب هو الموقف الايراني من عملية الأغتيال، في البداية أشارت (وكالة الأنباء الايرانية الرسمية إيرانا) بأنه (من المحتمل ان محور المقاومة هو من نفذ عملية الإغتيال)، لكن سرعان صرحت المخابرات الايرانية بنفي الإحتمال متساءلة بعجب (ليس واضحا لماذا إتهمت وكالة إيرنا محور المقاومة)؟ ايران بلد العجائب كالسمكة اللزجة التي تفلت من اليد.
لكن اليس غريبا ان تقوم الولايات المتحدة بإغتيال الكاظمي بهذه الطريقة الساذجة، وهي تمتلك آلاف الوسائل لو أرادت التخلص منه أو من غيره؟ ثم ان الطائرة المسيرة التي استخدمت في العملية أيرانية الصنع وسبق ان عرضت خلال العرض العسكري الذي قام به الحشد الشيعي في مخيم أشرف في محافظة ديالى، كما ان القذيفة ايرانية الصنع، وهي نفس القذيفة التي استخدمت من قبل طائرة مسيرة لضرب السفارة الأمريكية، وتم السيطرة على المسيرة وانزالها سليمة. كما ان الطائرتين من النوع القاصفة، وعادت أدراجها الى منطقة إنطلاقها، ويمكن بسهولة تتبع خط مسيرها وتحديد مكانها.
حاولت الميليشيات الولائية التركيز على نقطة اعتبرتها ـ من غبائها ـ في غاية الأهمية، وهي ان منظومة الدفاع الامريكية (سيرام ) لم يتم تشغيلها، ومن المعروف ان منزل الكاظمي يبعد حوالي 2كم عن السفارة الأمريكية، ومدى المنظومة 1 كيلو متر مربع، بمعنى ان المنظومة لا يمكن تفعيلها ضمن هذا المدى، كما ان الطائرتين سلكتا الطريق المعاكس لجهة السفارة الأمريكية وبطيران واطيء، وبمستوى منخفض فوق نهر دجلة الذي يعتبر منحفض نسبيا، لذا لا يمكن رصدها، والمنظومة مخصصة لصد الصواريخ وليس الطائرات المسيرة سيما التي تحلق على إرتفاع اقل من 200 متر. كما انه لا توجد اتفاقية بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة لتأمين المنطقة الخضراء بأكملها، فالمنظومة خاصة بحماية السفارة الامريكية فقط، ولا علاقة لها بعموم المنطقة الخضراء.
لا يمكن تجاهل التصريحات التي سبقت عملية الإغتيال الأخيرة، فقد صرح زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق بأنه ستُضرب المنطقة الخضراء بطائرات مسيرة، وسيقع اللوم والمسؤولية على محور المقاومة، ولا نظن ان قيس الخزعلي لا ينطق عن هوى، فتنبأ عما سيحصل، ولا نظن بأنه عراف، وتمكن عبر الضرب على الرمل التوصل الى هذا الأمر، وان كانت عنده معلومات، فكان من الأولى ان يقدمها الى قائده، اي القائد العام للقوات المسلحة، كما أقسم الحزعلي بالإنتقام لشهداء التظاهرات الحشدوية من الكاظمي، وحمله المسؤولية. علاوة على تصريحات زعيم حزب الله بأن الكاظمي عليه ان ينسى العودة الى جهاز المخابرات او رئاسة الحكومة، لذا الميليشيات الولائية هي التي هددت الكاظمي مرارا وتكرارا، وسبق ان استهدفته في محاول اغتيال قبل أشهر بالهجوم على جهاز المخابرات بثلاثة صواريخ كاتيوشا خلال تواجد الكاظمي في الجهاز.
الذي يهمنا في هذا الموضوع ان الكاظمي ومن قبله من وزراء الحكومة من المالكي فصاعدا هم من نفخوا في بالونة الميليشيات الولائية، ودعوها تتضخم على حساب القيادة العامة للقوات المسلحة، كما ان مهادنة الكاظمي وما يسمى بسياسة الإحتواء للميليشيات الولائية، أثبتت فشلها، وجعل الميليشيات الولائية تتنمر عليه، بل جعلت منه مسخرة ومضحكة عبر تحدية من خلال دوس صوره بالأحذية، واعتباره معزا، والتهديد بقطع إذنه، ومحاصرته في المنطقة الخضراء، سلسلة من الإهانات لا يمكن ان يقبلها اي إنسان عنده ذرة من الكرامة والغيرة والإعتداد بالنفس. لا يهمنا الكاظمي شخصيا ان أهين او أحتذيت صوره، لكنه بعتبر اكبر رمز تنفيذي في العراق، وهذا ما يهمنا، انه رمز للعراق سواء رضينا عنه أم لم نرضى. ويفترض ان يكون قويا، لأن في قوته قوة العراق، وفي ضعفه، ضعف العراق. ومن المعروف ان الكاظمي باعتباره رئيسا للمخابرات والحكومة، وسبق ان قال انه يعرف من هي الجهة التي استهدفته، وكررها ثلاث مرات، لذا فلا داع لتشكيل لجان تحقيقية او قيام الإدارة الامريكية ودول اخرى بإرسال فرق تحقيق للمساعدة في كشف الجهة التي قامت بالإغتيال، وتبقى الكرة بيد الكاظمي، فهل سيسددها في مرمى الميليشيات الولائية، او سيرميها خارج الهدف كما فعل بعد محاولة اغتياله في جهاز المخابرات، هذا ما ستبين في الأيام القادمة.
اقول في الختام: إن من يتعامل مع الأرنب كأنه أسدا، عليه ان يتحمل نتائج فعله، ولا يلوم إلا نفسه.
العراق المحتل