يواجهُ العراقُ تحديات كبيرة في سياق التصعيد الإقليمي المتسارع، بين الضغوط الإيرانية من جهة والأمريكية والإسرائيلية من جهةٍ أخرى، ويحرصُ على تجنب التحول إلى ساحة حرب بالوكالة، لكنه في نفس الوقت لا يستطيع السيطرة الكاملة على الفصائل المسلحة التي تواصلُ تنفيذَ هجماتها على إسرائيل، وفي ظل هذه التحديات، يبدو أن العراق في مفترق طرق، حيث يتعين عليه اتخاذ مواقف حاسمة لحماية سيادته وأمنه، بينما يحاول تجنب الانزلاق إلى صراع لا ناقةَ له فيه ولا جمل.
ففي سياق تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وتوقعات بأن تشهد المنطقة تغييرات كبيرة على المستويين السياسي والعسكري بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، من المتوقع أن تنعكس هذه التحولات بشكل مباشر على مواقف الدول الكبرى في المنطقة، بما في ذلك إيران وإسرائيل والعراق أيضاً؛ فالتوترات بين إيران وإسرائيل ليست جديدة، فقد شهدت المنطقة تصعيداً ملحوظاً منذ تشرين الأول من العام الماضي، على خلفية الهجمات الإسرائيلية على المنشآت الإيرانية، ومع تسريبات عن احتمالية أن ترد إيران على الهجوم الإسرائيلي عبر الأراضي العراقية، تجد الحكومة العراقية نفسها في موقف بالغ الصعوبة، بين الضغوط الإقليمية والدولية والحاجة إلى حماية سيادتها الوطنية، حيث تزداد المخاوف في العراق من احتمالية شن هجوم إيراني على إسرائيل انطلاقاً من الأراضي العراقية.
هذه المخاوف التي تنذر بأن يتحول العراق إلى ساحة مواجهة غير مباشرة بين القوى الإقليمية، تثير قلقاً متزايداً لدى العراقيين على المستويين الرسمي والشعبي على حد سواء، حيث أفادت تقارير إسرائيلية حديثة بأن تل أبيب حددت بنك أهداف يتضمن مواقع لفصائل مسلحة مقرها في العراق، كأهداف محتملة في حال استمرت الهجمات المنطلقة من الأراضي العراقية على إسرائيل، هذا التهديد يضع العراق أمام سيناريوهات صعبة، حيث يبدو إن تصاعد الهجمات يعكس حقيقة أن بغداد قد تصبح مركزاً للاشتباكات غير المباشرة بين طهران وتل أبيب.
ووفقاً لصحيفة تايمز أوف إسرائيل ، فإن الأقمار الصناعية الإسرائيلية قد رصدت عمليات نقل صواريخ ومعدات عسكرية من إيران إلى العراق، وهو ما يعزز من مخاوف تل أبيب من استخدام هذه الأسلحة في هجوم محتمل على أهداف إسرائيلية، فالتورط الإيراني في العراق لا يقتصر على دعم الفصائل المسلحة، بل يتعدى ذلك إلى قيامها باستغلال الأراضي العراقية لتوجيه ضربات ضد أهداف إسرائيلية، فإيران تعتبر العراق جزءاً من محورها الاستراتيجي في مواجهة الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية، مما يجعلها تستند إلى الأراضي العراقية كمنصة لزيادة ضغوطها على إسرائيل، ليصبح العراق مركزاً حساساً للمناوشات العسكرية والتكتيكية التي قد تضر به بشكل مباشر.
من جهةٍ أخرى، فإن نقل إيران لصواريخ باليستية ومعدات عسكرية عبر الأراضي العراقية يمثل تهديداً للأمن الإقليمي بأسره، فتلك الخطوة قد تؤدي إلى تحفيز ردود فعل عسكرية من قبل إسرائيل أو حتى من قبل الولايات المتحدة، التي تعتبر إيران خصماً رئيساً في المنطقة، هذا الوضع يزيد من معضلة العراق في محاولة الحفاظ على موقف حيادي وتجنب التصعيد.
هذه التطورات تأتي في وقت حساس، حيث تتزايد الهجمات بالطائرات المسيرة من قبل فصائل مسلحة على إسرائيل، مع استمرار إيران في تقديم الدعم لتلك الفصائل، ما يزيد من تعقيد الوضع، وما يرفع من احتمالات الرد الإسرائيلي المباشر، لتوجه تل أبيب رسالة تحذير إلى بغداد، مطالبة إياها بالعمل على منع هذه الفصائل من استخدام أراضيها كمنطلق للهجمات، ورغم ذلك، نفت الحكومة العراقية تلقي أي رسالة رسمية بشأن هذه التهديدات، مؤكدةً أنها تراقب الموقف بقلق دون رغبة في الانجرار إلى صراع إقليمي، وتهدف إلى الابتعاد عن أي دور مباشر في الصراع الدائر في المنطقة، ورغم ذلك فإنها تواجه صعوبة كبيرة في السيطرة على الوضع داخل أراضيها، ليصبح هذا الهدف أكثر صعوبة يوماً بعد يوم، خاصة بعد أن توعدت إيران برد قاسٍ على الهجوم الإسرائيلي الأخير على أراضيها، في وقت تؤكد فيه طهران استعدادها لاستخدام كافة الإمكانيات المتاحة لمواجهة العدوان ، فهذا التصعيد يزيد من تعقيد الوضع في المنطقة، ويضع العراق في موقع حساس للغاية بين هذه القوى.
التحذيرات الإسرائيلية الأخيرة تُظهر بوضوح حجم المخاطر التي قد تواجه العراق في حال استمر التصعيد الإقليمي بين إيران وإسرائيل، ووسط هذه الضغوط، تتزايد المخاوف بين الأوساط الرسمية والشعبية في العراق، من أن تكون المنشآت النفطية ومحطات الطاقة الكهربائية جزءاً من هذه الأهداف المحتملة، فالعراق الذي يسعى لتجنب استدراجه إلى أي صراع إقليمي، يخشى من تحول أراضيه إلى ساحة معركة بين إيران وإسرائيل، وهو ما قد يتسبب في تداعيات كارثية على الاستقرار الداخلي، وهذا القلق يعكسه أيضا الموقف الرسمي العراقي الذي يحرص على عدم إعطاء أي مبرر لإسرائيل لاستهداف الأراضي العراقية، في الوقت ذاته، تواصل الفصائل المسلحة في العراق تنفيذ هجماتها ضد أهداف إسرائيلية، وهو ما يعقد الموقف ويزيد من التوترات، فالحكومة العراقية تدرك أن استمرار الهجمات قد يفضي إلى وقوع ضربة من قبل إسرائيل أو حتى من قبل الولايات المتحدة ضد المنشآت العراقية الحيوية، وهو ما قد يتسبب في مزيد من الأزمات الداخلية، فضلاً عن تداعيات اقتصادية خطيرة، وهناك تنامي للقلق الشعبي بسبب تهديدات محتملة للمرافق الحيوية في البلاد، على الرغم من أن الحكومة العراقية تنفي أي مسؤولية عن الهجمات المنطلقة من أراضيها، إلا أن العديد من العراقيين يشعرون أن البلاد قد تُجذب إلى صراع أكبر لا ذنب لها فيه، هذا الشعور بالتهديد يعزز من الانقسامات الداخلية ويزيد من تعقيد قدرة الحكومة على اتخاذ موقف متوازن.
إلى جانب هذا التصعيد، وجهت الولايات المتحدة تحذيرات واضحة إلى إيران من شن هجوم آخر على إسرائيل، مؤكدةً أنها لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تصاعد الهجمات على حليفتها ومحذرة أنها لن تستطيع كبح رد الفعل الإسرائيلي إذا حدث ذلك، هذا الموقف الأمريكي يزيد من تعقيد الوضع بالنسبة للعراق، الذي يجد نفسه محاصراً بين تهديدات إسرائيلية وأمريكية ووسط أزمة إقليمية تنذر بتداعيات خطيرة على أمنه وسيادته، في وقت تسعى فيه حكومته للحفاظ على توازنها الداخلي والإقليمي.
إن الوضع في العراق بات يزداد تعقيداً مع كل يوم يمر، حيث التحديات الداخلية والخارجية تفرض عليه خيارات صعبة، ووسط احتمالات تصاعد الهجمات من الأراضي العراقية على إسرائيل، وردود الفعل المتوقعة من تل أبيب وطهران، فالعراق، الذي لا يريد أن يتحول إلى ساحة صراع بين القوى الإقليمية، ينبغي أن يتحرك بحذرٍ كبير لتجنب استدراجه إلى مواجهة قد تضر بمصالحه الوطنية، مع استمرار الفصائل المسلحة في تنفيذ هجماتها، فالتصعيد بين إيران وإسرائيل يهدد بتقويض استقرار العراق وأمنه السيادي، ويضع الحكومة أمام مفترق طرق حساس في كيفية التعامل مع هذه الأزمة الإقليمية.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الحكومة العراقية من منع تحول بلادها إلى ساحة صراع مفتوحة، أم أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من التصعيد؟