تتعثر اللغة هنا في العراق، حالها حال كل شيء آخر بإستثناء التدهور. وتصبح عالقة غير قادرة على أن تسعف الإنسان وهو يحاول وصف ما يدور من حوله بكلمة مختصرة إختصارا شديدا ولكن لها القدرة على رسم صورة قريبة من الواقع في ذهن المتلقي. وبما أن اللغات العراقية على كثرتها وتنوعها لم تستطع أن تخلق لنا مثل هذه الكلمة (المصطلح)، وبما أن الحاجة هي أم الإختراع فإنني أقترح مصطلح (فيرريش) لوصف كل حالة تحمل في طياتها عدد هائلا من المتناقضات، تجمعت في ذات المكان وذات الزمان لترسم لوحة غريبة وتعكس واقعا غرائبيا لا يستطيع الإنسان أمامها إلا أن يقف مدهوشا بعينين على اشد توسعهما وفاه مفتوح وعقل غير قادر على ربط اللوحة بكلمة معينة حتى تسهل عملية التواصل ونقل المعلومة الى إناس آخرين.
(فيرريش) كلمة سمعتها مصادفة قبل أيام ولأول مرة من سيدة تتحدث لمسؤول في الدولة عن الغبن الذي اصاب زوجها نتيجة الاحداث الاخيرة التي شهدتها مدينة طوزخورماتو حيث أستهدفت عملية إرهابية حياة العديد من المدنيين الابرياء… لم اكن منتبها لتفاصيل الحديث لأنني لست مسؤولا والحمد لله إلا عن نفسي وعائلتي، كنت منشدا في تلك اللحظات لسماع اخبار العراق، وفجأة نطقت تلك السيدة بكلمة (فيرريش)، وألقتها مثل صاعقة ملتهبة ضربت مخازن ذخيرة الافكار في مخيلتي، انتبهت على الفور وتسائلت عما تعنيه هذه الكلمة، وتدخلت بدون ارادة لاقطع الحديث سائلا:هل قلت فيرريش ياسيدتي؟ وما هو فيرريش؟ فضحك الحاضرون جميعا مستغربين..
لم يكن فيرريش لدى تلك السيدة غير نعت لأحد الأشخاص، ولكنني عرفت أن هذا المصطلح يستحق مكانة أعظم، ودورا أهم بكثير من نعت شخص ما.. فبدات على الفور بالبحث عن معناها في القواميس وشبكة الانترنت فلم اجد لها مثيلا.. غير بعض الكلمات التي تتشابه معها كتابة خاصة بعض الاسماء الانكليزية. وايقنت عندها بان (فيرريش) قد تكون وصفا مناسبا لبعض الحالات الشاذة التي نعيشها في العراق ونعجز عن وصفها بالأوصاف أو تسميتها بالمسميات المتعارف عليها محليا.
بدءا اود أن ألتمس من الأخوة الادباء والمثقفين التركمان وكل المهتمين باللغة والادب التركماني لإدخال مصطلح (فيرريش) الى لغتنا الجميلة، والتي ستكون صفة لكل حالة غريبة وشاذة كما ذكرنا أعلاه.. إذا مصطلح جديد يضاف الى قاموس المصطلحات الغني الذي تشتهر بها مدينة طوزخورماتو، ويأخذ مكانه الى جانب المئات من المصطلحات( الالقاب) مثل (إيلان كوز، دووارا باخان، قودوغ نالي، كوراموسى، كاريخ، مينداو، ديريج، وطني، خه ربنده …. الخ).
اثناء تواجدي في اوروبا حيث حقوق الانسان والنظم الحياتية المبرمجة بدقة تصب جميعها لخدمة الانسان الى جانب الحيوان والشجر والحجر، كنت اتابع ما يجري في العراق مستغربا تلك الاحداث الدامية وعمليات الذبح الجماعي بأيدي مخلوقات (بهيئة انسان) دون رحمة، والإقتتال الدموي بين ابناء البلد الواحد، فضلا عن ضياع سلطة القانون، وسيادة النعرات العشائرية والدينية والقومية والمذهبية على المجتمع المدني الذي تحكمه المؤسسات الدستورية. ولكن الوضع في العراق عند مشاهدته يتكون إمارات تحوي في داخلها إمارات وهلم جرا، وكل إمارة عبارة عن جاهل يقود المئات أو الالوف أو مئات الالوف حسب حجم الإمارة ونفوذها وسلطانها يقودهم في حقيقة الأمر بأحكام الجاهلية وليس القوانيين التي تنص عليها اللوائح العراقية أو الدستور العراقي.. ونتيجة لذلك فإن الانسان العراقي ينسلخ من انسانيته يوما بعد يوم، فاي مصطلح يتناسب مع هذا الوضع ياترى! اليس وصف (فيرريش) هو الأكثر مناسبة لهذه الحالة (الفيرريشية)؟