23 ديسمبر، 2024 12:45 م

العراق في عيون ابنائه

العراق في عيون ابنائه

يختلف العراق في عيون ابنائه، ليس في الجغرافية ، وطبيعة التضاريس ولا بالمناخ ايضا، وانما بالمعيشة، والشكل الطبقي الذي يحدده المكان والمظاهر عموماً.
قد يحاول بعضهم اقناع نفسه بالواقع الذي يعيشه ويسلم بذلك المثل “كل واحد ياكل رزقه” او يسعى لاشاحة وجهه عن اشكال البهرجة التي باتت تلاحقه في كل مكان ، ويضع قاعدة صارمة يلزم بها نفسه والمتطلعون من اولاده “مدو  رجلكم على كد غطاكم” ، لكن ماذا يفعل لو كان الغطاء غير موجود اصلا؟!.
من هنا، اختلفت صورة العراق في عيون ابنائه ، حيث كل يرى العراق من زاوية المعيشة التي لا تقف عند حدود “اللقمة” ، بل تشمل كل مستلزمات الحياة الإنسانية الطبيعية في بلد يصحو ويغفو على الثروات، لكنها تبدد لصالح القلة، ولعل منطق السياسة قد فرض رأي الأكثرية، لكن ، كما يبدو، ان منطق الاقتصاد لا يزال محكوما لسلطة ونفوذ الاقلية.
ليس لما يطرح علاقة بالحسد ، كما يتصور الأغنياء الذين يتحسسون من عيون الفقراء،  ولا رغبة في التنافس معهم على الثروة، بقدر ما هي محاولة ، لا تجدها الا على الوراق، للتنفيس عن كوابت النفس، من خلال اظهار حالة الغبن، والدعوة الى اعادة نظر في تقسيم الثروات وتوزيعها.
الاشكالية التي اخذت تكبر وتتسع في عيون الابناء ، انها تحولت الى ظاهرة ، تراها عند النشء قبل غيرهم، فهذه مدرسة حكومية، وتلك أهلية ، ومن خلال تبادل النظرات بين هذا التلميذ وذاك، يبرز التمايز ويتسع الشق.
الشارع ، هو الآخر ، يضع مديات مختلفة لنوع الرؤى ، وفيما تزدحم البيوت بساكنيها المنشطرين اسرياً على ارث متهالك ، ترى قصوراً تبنى على انقاض قصور هدت، لمجاراة العصر ، والتطور و(الموظة).
الأمنيات تتباين هي الأخرى بحسب كل ، عين ، داخل الوطن الواحد، فهذا يتمنى مائة متر يسكن فيها، او حتى خمسين متراً، المهم (ملك) والسلام، وآخر يتمنى فرصة عمل، وراتب شهري ، مناسبا لمؤهلاته او حتى غير مناسب، وثالث تقتصر طموحاته على طعام دسم يتناوله ولو مرة من عمره ، بينما ينظر اصحاب الملايين والمراتب الرفيعة ، والرواتب الضخمة الى مجمل الحياة بشكل آخر يتجاوز (المتعة) و(اللذة) و(الترف) ، داخل حدود الوطن ، الى فسحة العالم.
شكل آخر ، ووطن مختلف ، لما يراه مريض فقير ينتظر في طابور مستشفى حكومي دوره للفحص او اجراء عملية جراحية، ومريض آخر يتعالج اينما يريد.
كذلك، فرق كبير بين سائح يطوف الدول والبلدان، تحت بند تعميق العلاقات مع الدول الصديقة والشقيقة، وعقد الاتفاقات والصفقات المشبوهة والسليمة، او طلبا للعلاج و(التشييك) من اجل خدمة الوطن ، او مجرد الترفيه عن النفس، وآخر يبحث عن لجوء هرباً من خوف يلاحقه، او هربا من البطالة ، حتى.
وطن واحد على الخريطة وفي الواقع ، لاشك في ذلك، لكن العيون تختلف وتتقاطع في رؤيته.