شكلت هجمات باريس نقطة تحول في مسار الحرب على الارهاب بنتائجها المتسارعة والمتمثلة بعودة فرنسا القوية لغمار الحرب والتحاق بريطانيا والمانيا بركب الدول الكبرى المشاركة فيها الى جانب روسيا وأمريكا وهو مايعني تدويل الأزمة السورية وخفوت الدور الاقليمي فيها وتحوله لمرحلة التبعية …
لقد شكل توسيع تنظيم داعش لقائمة أهدافه باستهداف الدول الغربية في عقر دارها من خلال خلاياه النائمة هاجسا لدى تلك الدول وهو مادفعها لتغيير استراتيجيتها لمكافحة الارهاب واعادة طرح فكرة التدخل البري ضد التنظيم الذي يتفق الجميع على استحالة اسقاط حكمه دون اللجوء لهذا الخيار ولعل مايتردد اليوم علنا بشأن ارسال قوات أمريكية وعربية لقتال داعش في العراق وسوريا ماهو الا ثمار لهذا التغيير في الخطط الغربية .
ولعل من البديهي القول بأن فكرة ارسال قوات عربية “سنية” لقتال التنظيم المتطرف أمريكية بامتياز حيث ترغب واشنطن من خلالها بجعل تلك القوات في خط المواجهة الأول مع المتطرفين و بالتالي كبش فداء في مستنقعات سوريا والعراق مايعني حتمية الاستنزاف العسكري والاقتصادي للدول المشاركة بتشكيل تلك القوة فيما يكتفي الأمريكيون بقوات خاصة قد تقوم بعمليات نوعية كاستهداف قادة داعش والسيطرة على بعض المواقع الاستراتيجية دون أن تكون تلك القوات ولو تم تعزيزها لاحقا في خطوط القتال الأمامية .
وبالحديث عن القوة العربية المفترضة فان هناك عدة تساؤلات تثار حولها في ظل غموض موقف المعارضة السورية وفصائلها المسلحة منها ورفض الحكومة العراقية لها وعدم ابداء النظام السوري و الدول المعنية بها لمواقف صريحة بخصوصها لغاية الآن ، فاذا كانت طلائع القوات التركية قد وصلت فعلا لضواحي الموصل لتعيد
تجديد أطماعهم القديمة فيها بعد تطهيرها من داعش وابعاد حزب العمال الكردستاني عنها في ظل عجز حكومي عراقي عن الرد ولاعتبارات عديدة فان الأنظار تتجه لقطر والسعودية “تحديدا” لمعرفة مدى رغبتهما في المشاركة بقتال قد تصب نتيجة شقه السوري على أقل تقدير في مصلحة نظام الأسد دون اغفال حقيقة موقف جبهة النصرة ذات الصلات الوثيقة مع الدوحة من هذه التطورات المهددة لكيانها هي الأخرى ، دون أن ننسى ضرورة التمييز بين محور الدوحة – الرياض – أنقرة ومحور عربي جديد يلوح في الأفق يجمع بين الامارات ومصر والأردن ويمتاز بمرونته النسبية وتأييده للدور الروسي بل وربما استعداده للقتال الى جانب الجيش السوري ضد التنظيمات المتطرفة وهو محور ينبغي (عراقيا) تكثيف التعاون الأمني معه وتبادل المعلومات الاستخبارية دون الحاجة لتواجده البري في العراق حصرا ، كما ان الاشكاليات المتعلقة بتلك القوة في الساحة العراقية لاتقل عن نظيرتها في الساحة السورية فهي بالتأكيد ستأتي لتعزيز الانقسام السياسي والمجتمعي في العراق خصوصا مع الموقف الرافض لأي تدخل أجنبي من قبل فصائل الحشد الشعبي وهو مايعني امكانية الصدام المسلح معه مماقد يؤدي لوقوع القوة المفترضة بين مطرقة داعش وسندان الحشد في معركة طويلة الأمد ستحرق الأخضر واليابس في الجغرافية العراقية .
وفي ظل هذه التداعيات الخطيرة يبدو موقف رئيس الوزراء ضعيفا و مترددا في حسم خياراته فبعد أن صم الرجل أذانه عن دعاوى حلفائه الشيعة بطلب التدخل الروسي وهو ماأدى الى تأزم علاقاته مع الحشد الشعبي وقع في اشكال جديد متعلق بالقوة الخاصة فكان التخبط والتناقض سيد الموقف ففي الوقت الذي رفض رئيس الوزراء ارسال أي قوات برية وعد ذلك عملا عدائيا كان الناطق باسمه يتحدث عن تفاهمات مشتركة مع الأمريكيين حول نشر تلك القوات الذين مالبثوا ان قاموا بتأكيد الخبر تزامنا مع تقديم حكومته لمذكرة احتجاج رسمية للسفير التركي في بغداد رافقها تأكيد أنقرة على تنسيق مسبق مع بغداد حول التدخل في الموصل !!
الواقع ان العبادي في موقف لايحسد عليه فرضوخه للضغوط الأمريكية سيعني حتما توتر علاقاته مع ايران وانقلاب قوات الحشد الشعبي ضده وهو ماسيصب في مصلحة داعش طبعا أما استمراره بمعارضة الرغبات الأمريكية فسيكلفه الكثير خاصة اذا ماقررت واشنطن وقف دعمها العسكري وطلعاتها الجوية وهو ماقد يؤدي لقلب موازين المعركة لمصلحة التنظيم المتطرف ، أما خيار اللجوء لموسكو فانه يبدو نظريا الى حد كبير لأن تطبيقه على أرض الواقع يتطلب فك الارتباط السياسي والأمني بين بغداد وواشنطن الممتد منذ اسقاط جحافل القوات الأمريكية لنظام صدام حسين عام 2003 وهو أمرا متعذر في الوقت الحالي ناهيك عن عدم تصور امكانية ترك الأمريكيين للساحة العراقية خالية للروس فرد الفعل الأمريكي على قرار بغداد بطلب الدعم من موسكو كان مغيب دوما لدى المطالبين بذلك الدعم فأمريكا لن تنسحب من العراق بتلك السهولة التي مكنتها من دخوله قبل 12 عام ولو أدى ذلك لجعل البلاد ساحة لحرب عالمية مع الدب الروسي !!
ان ارسال قوات عربية لا يراد منها محاربة الارهاب بقدر مايراد منها أن تكون تثبيتا لواقع جديد بعد الحرب ولعل فكرة تلك القوات بذاتها قد أثبتت فشلها في حرب اليمن والتي لاتزال تلك القوات تخوضها منذ 8 أشهر دون القدرة على تحقيق هدفها الرئيسي رغم حصار اليمن برا وجوا وبحرا بل انها قد مهدت لتوسيع الرقعة الجغرافية المسيطر عليها من قبل تنظمي القاعدة وداعش بعد انتزاعها من قوات التحالف الحوثي – الصالحي !!!
ختاما يمكن القول بأن عاملي الواقعية السياسية والمصلحة الوطنية يعدان أساسيان للخروج من عنق الزجاجة ففي الوقت الذي تفرض به الواقعية معرفة حقيقة ان أزمات العراق السياسية والأقتصادية والعسكرية تجعله ضعيفا مستنزفا ولاتوجد بحوزته أية ورقة ضغط على الأمريكيين وبالتالي استحالة فرض شروطه ومطالب حكومته عليهم أو حتى على الروس وان القبول بقوات أمريكية مدعومة بقوات الجيش والشرطة والعشائر والبيشمركة هي أفضل من قوات عربية قد تدخل البلاد في أتون حرب طائفية واسعة النطاق على غرار ماحصل باليمن خاصة اذا ما تدخلت طهران هي الأخرى وهو ماسيحصل حتما ودون أن ننسى حقيقة ان بامكان أمريكا وبسهولة ارسال قواتها رغما عن الحكومة العراقية وبصرف النظر عن موافقتها من عدمه ، وهنا يجب على القوى السياسية الشيعية تحديدا الابتعاد عن لغة الشعارات والمزايدات السياسية والتزام الواقعية السياسية كمبدأ ثابت.
فيما تتلخص المصلحة الوطنية بضرورة تحرير الأراضي العراقية من حكم داعش ومنح ضمانات جدية لكل الأطراف المحلية لتأجيل النظر في مستقبل البلاد لما بعد الحرب وتقديم مصلحة الشعب العراقي على مصالح دول الجوار وأجنداتها الخاصة وهو مايتطلب اجراء تغييرات حقيقية في بنية النظام السياسي العراقي وبعيدا عن سخافة (الخطوط الحمراء) بدءا بتعديل الدستور ومرورا بفتح حوار جاد مع معارضي العملية السياسية وانتهاءا بانشاء الأقاليم التي ينص عليها الدستور و بارادتنا (لأنها قادمة لامحالة ورغما عنا) اذا ما أردنا أن يصبح الارهاب جزءا من ماضي هذه البلاد .