العراق اليوم يحترق ، والنار تنشب في جسمه المتهالك ويتصاعد لهيبها من اخمص قدميه الى قمة رأسه ، وعاجلا ام آجلا ستقضي عليه النار المستعرة وتحيله الى رماد تتناثر في ارجاء المنطقة ، مجرد وقت ليس الا .. ولا احد يستطيع ان ينقذه من مصيره المحتوم الذي حدده وقرره العراقيون انفسهم ، وهم الذين اوصلوا العراق الى الحالة المزرية التي عليها الان ، وليس احد اخر ، وما يقال عن الدور السيء لامريكا او اسرائيل في ما يجري ويحدث في العراق وسوريا والمنطقة تمهيدا لتقسيمها ، محض هراء ، وتبسيط للامور وتهرب من المسؤولية ، وجهل تام للحالة الاجتماعية والسياسية القائمة في المنطقة وعدم دراية بالعلاقات االتي تربط شعوبها بعضها ببعض ، فلا يوجد اي ترابط يذكر بين فسيفساء مكونات العراق ، الثقة بينهم مفقودة تماما ، وصلوا الى مرحلة من المستحيل ان يعيشوا في اطار دولة واحدة ومجتمع واحد ، حالة العراق اصعب واعقد بكثير من التنظيرات التبسيطية لبعض المحللين السياسيين والقادة الحالمين بعراق واحد موحد ، تبسط بغداد قبضتها الفولاذية على كافة المحافظات والاقاليم .. كل المؤشرات والمشاهد تشير الى ان الدولة في طريقها الى التفكك ، اقليم كردستان منفصل تماما عن باقي المناطق الاخرى العراقية ، وهو يختلف معها في كل شيء تقريبا ، ولايمكن مقارنتهما ببعض ، رغم احتضان الاقليم الكردي لمليون ونصف المليون من العرب السنة النازحين من المناطق الساخنة ، ولكنه مازال يحتفظ بخصوصيته التي تميزه عن باقي المكونات العراقية .والعرب السنة بدورهم يختلفون ثقافيا ودينيا واجتماعيا عن الشيعة وبينهما حرب طائفية ضروس ذهب ضحيتها مئات الالاف من الابرياء ومازال القتل والخطف والاحتقان الطائفي قائما بينهما .. وكذلك الامر بالنسبة لباقي القوميات والطوائف العراقية الاخرى ..وكنا نعتقد ان رئيس الوزراء الجديد “العبادي”سيغير بعضا من السياسات العدوانية لـ”نوري المالكي”وسيعمد الى حل ازماته الكثيرة التي اثارها مع المكونين الرئيسيين”السنة والكرد”اللذين بدونهما لن يبقى للعراق اسم ولا اثر ، ولكنه لم يفعل ذلك ، بل اتبع نفس السياسة السابقة ، والنتيجة ان العراق مازال يواصل سيره نحو التفكك والتشرذم ولا احد يستطيع ايقاف تقدمه .. كنا ننتظر من “العبادي”بحسب وعوده وكلامه الموجه الى العراقيين والعالم عند تسنمه منصب رئيس الوزراء ان يصلح الشأن الداخلي وينهي الازمة القائمة منذ سنوات بين بغداد واربيل ولكنه بدل ان يفعل ذلك ويتوجه الى اربيل حيث الحكومة الشرعية ، راح يزور مدينة السليمانية لبث الفرقة والخلاف بين الحزبين الرئيسين في اقليم كردستان “الديمقراطي والاتحادالوطني الكردستانيين”بزعامة”مسعودبارزاني”و”جلال طالباني”اللذين توترت علاقاتهما منذ فترة بسبب نتائج الانتخابات وتوزيع المناصب الحكومية ، وقد ادت الزيارة الى”مزيد من الخلافات بين الحزبين”بحسب عضو البرلمان العراقي الدكتور”محمودعثمان”.وما حصل بعد ذلك ان العلاقة بين بغداد و اربيل مازالت متوترة وبقيت العقوبات المفروضة على الشعب الكردي من وضع حصار اقتصادي الى قطع رواتب موظفي اقليم كردستان على حالها ..وكنا نطمح ان يبتعد عن سياسة سلفه السيء الذكر”180″درجة ، ولا يعود اليها ابدا ، ولكنه كرر نفس اخطائه .. وعد ان يصلح علاقات العراق مع جيرانه العرب ويفتح معهم صفحة جديدة وخاصة مع المملكة العربية السعودية ، وكنا نتوقع ان يدشن عهده بزيارة خاطفة الى المملكة واظهار حسن النية تجاهها ، ولكنه بدل ذلك قام بزيارة”طهران”ومقابلة مرشد ثورتها”خامنئي”والمسؤولين الاخرين لاظهار الطاعة والولاء واخذ التعليمات والارشادات اللازمة لادارة العراق.. وبذلك برهن ان” لدى”العبادي”ميول كبيرة لايران قد تكون اكثر من ميول المالكي”والكلام ايضا للسياسي العراقي”محمودعثمان”وأن”العبادي فتح مجالاً كبيراً لإيران، حتى بات قائد فيلق القدس الإيراني”قاسم سليماني”يصول ويجول في العراق من الشمال إلى الجنوب، من دون أي رادع يردعه وكأنّه في بلده”ويؤكد أنّ”إيران أصبحت مهيمنة على البلاد أكثر من قبل، وأصبح العراق وكأنه بلدهم”، واخيرا يطلق السياسي الكردي المخضرم الذي قضى اكثر من خمسين عاما من عمره في المجال السياسي صوته محذرا من ان”يولّد إطلاق يد إيران في العراق ردود فعل إقليمية ودولية، فضلاً عن ردود فعل داخلية من قبل المكون السني الذي يرفض ذلك التدخل بشكل قاطع، الأمر الذي قد يكون له تداعيات سلبية على الوضع العراقي”. وقد كنت كثيرا ما نبهت في مقالات سابقة لي ، الدول الخليجية والسعودية على وجه الخصوص من
التمدد الايراني في العراق والمنطقة وضرورة ان تجد لها مواطيء اقدام راسخة مماثلة وتفتح قنواتها الدبلوماسية والاقتصادية مع اقليم كردستان ومع المكونات العراقية الاخرى بغض النظر عن انتمائها القومي والديني ..