18 ديسمبر، 2024 7:10 م

العراق في المرتبة 158 !

العراق في المرتبة 158 !

في التقرير الصادر مؤخراً عن منظمة مراسلون بلا حدود، حول التصنيف العالمي لحرية الصحافة على مستوى العالم، والذي تبين فيه حالة حرية الصحافة في 180 بلداً؛ قبع العراق في المرتبة 158 بعد أن احتلت كوريا الشمالية المرتبة الأخيرة. ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لنا كعراقيين بعد مرور أكثر من 14 عاماً على زوال النظام الشمولي!
كي نصل الى قناعات وفهم يتفق عليه غالبية المهتمين بهذا الأمر، لابد من تناول مثل هذه المعطيات التي كشف عنها تقرير هذه المنظمة الأممية المعتبرة، بشكل موضوعي ومهني بعيد عن الرغبات الآيديولوجية والشعبوية المهيمنة على المشهد الراهن. فلا جدوى من ترسانة المبررات والاجوبة الجاهزة التي تطلق دائماً بمواجهة ما تطرحه مثل تلك التقارير والدراسات، فقد جربنا ما ينضح عن خطابات شيطنة الآخر وتبجيل كل ما نقوم به من أعمال وتوجهات حمقاء. ليس هناك أدنى شك من موضوعية ومهنية المعايير المتبعة في قياس مثل هذه النسب، والتي جاء بها تقرير (مراسلون بلا حدود) وهي المنظمة المحترفة في مجال عملها، لذلك علينا كصحفيين وكتاب عراقيين يهمنا انتشال أهم ما حصلنا عليه بعد زوال النظام المباد؛ أي الحرية، مما انحدرت إليه في الأعوام الأخيرة ولا سيما بعد احتلال عصابات داعش الهمجية لثلث الأراضي العراقية حزيران من العام 2014 وما تلاها من مناخات العسكرة المسعورة.
إن حرية الصحافة بشكل خاص ومنظومة الحريات بأنواعها المختلفة بشكل عام؛ هي الرافعة الأساس للنظام الديمقراطي الذي سن من أجله دستور البلاد الحالي، وما هذا التدهور الذي أشار إليه التقرير، إلا مؤشر على خطورة الوضع بعد الفشل والعجز الذي رافقنا في مهمة تأسيس صحافة حرة ومستقلة على أرض الواقع. لقد أفرغت الطبقة السياسية المهيمنة على مقاليد أمور البلد من الفاو لزاخو، غالبية التشريعات والقوانين التي دعت الى تأسيس إعلام وصحافة حرة ومستقلة، بعد أن وضعت مريديها وأتباعها على دفة المفاصل العليا لذلك الحقل الحيوي، لتعيد ترميم الحطام الذي خلفته أربعة عقود من العبودية والاستبداد. مثل هذه المرتبة (158) لا تليق بالعراق بعد مرور كل هذا الوقت على ما يفترض كونه نظاماً تعددياً فيدرالياً وديمقراطياً، وهي تدعونا الى إعادة النظر بكل ما جرى في هذا الميدان الحيوي (الصحافة والإعلام) بعد أن نجحت قوى التشرذم والطفيلية وضيق الأفق، بتحويله الى ما يشبه الإقطاعيات يوروثونها لمن يشاؤون من محظوظي حقبة الفتح الديمقراطي المبين.
لا أحد ينكر واقع وجود ما يعرف بـ (الصحف الصفراء) والعاملين فيها من المرتزقة والمأجورين، ونوع الأدوار التي يؤدونها مقابل الصحافة الحرة، لكن للعمل الصحفي الحر والمستقل، ملاكات أخرى مترعة بالشجاعة والأمانة والإيثار والوعي العميق، ومن خلال ما سطروه من مآثر استحقت هذه المهنة الراقية لقب (السلطة الرابعة) والتي تعد اليوم السلطة الأهم بين سلطات ما يعرف بعالم القرية الكونية. ونحن اليوم بأمس الحاجة الى تحولات جذرية ونوعية في هذا الحقل، ومع إدراكنا لصعوبة حصول ذلك مع مثل هذه الحيتان والاصطفافات السياسية والاجتماعية والآيديولوجية المتخلفة، فستظل مثل هذه المشاريع بانتظار أجيال أخرى، لها من المواهب والاستعداد ما يمكنها من تحويل تلك التطلعات المشروعة واللائقة بالعراق الجديد الى واقع..
نقلا عن الصباح الجديد