مثل كل عام منذ التغيير في 2003 أعتاد وفد الخارجية العراقية برئاسة الوزير هوشيار زيباري ان يشارك بفعالية في اجتماعات الجمعية العامة، وهي فرصة لا تعوض لعقد لقاءات مع رؤساء وقادة ووزراء خارجية دول العالم، كما انها فرصة للمشاركة في اجتماعات والقاء محاضرات والمساهمة بنقاشات على قدر كبير من الاهمية لبحث كل انواع التوترات التي يمكن أن تساهم في ارباك النظام العالمي ..
وقد اتيحت لي فرصة المشاركة في وفد الخارجية العراقية لحضور جانباً من هذه اللقاءات والاجتماعات، وذلك في العام الماضي عندما كنا نعد ( من خلال اجتماعات كبار المسؤولين) في نيويورك لمؤتمر القمة العربية اللاتينية برئاسة العراق الذي انعقد في ليما عاصمة البيرو .. إكتشفت بكثير من الدهشة والسرور فعالية الدبلوماسية العراقية.. والعدد الكبير من اللقاءات التي اجراها السيد الوزير والوفد المرافق له .. كنا نتوجه الى مبنى الامم المتحدة صباحاً وتبدأ الجولة المكوكية في اللقاءات وجلسات الحوار لينتهي يوم العمل هذا بانتهاء المساء الذي لا يحل إلا عندما يرسل السيد الوزير إلى غرفنا في الفندق برنامج عمل اليوم التالي ..
وقد حرصت منذ بداية وصول الوزير مع الوفد المرافق له الذي ضم ابرز سفراءنا ( محمد الدوركي، محمد علي الحكيم، احمد بامرني، محمد الحميميدي، فريد ياسين) الى نيويورك ان اتتبع هذا النشاط الذي عهدته كثيفاً للدبلوماسية العراقية .. واتضح لي ان بالامكان تقسيمه على عدد من الموضوعات الحيوية للعراق :
أولاً : قضايا تتعلق بالازمة السورية والجهود المبذولة لايجاد حل سياسي من خلال انعقاد اجتماع جنيف 2 بحثها الوزير مع اغلب الوزراء والمسؤولين وبخاصة مع المبعوث العربي والدولي الاخضر الابراهيمي ومع وزير الخارجية السوري وليد المعلم .
ثانياً : قضايا تتعلق بالايفاء بالالتزامات الدولية وإيواء لاجئين بحثها الوزير في لقاءه مع الامين العام للامم المتحدة بان كي مون وما يمكن ان تقدمه بعثة الامم المتحدة للمساعدة في العراق اليونامي .. وضرورة ان توفي الامم المتحدة بالتزاماتها بموجب مذكرة التفاهم المبرمة بينها وبين العراق بشأن اعادة توطين ساكني مخيم الحرية (ليبرتي) في دولة ثالثة بعد ان اوفى العراق بالتزاماته بموجب المذكرة . كما بحث الوزير مع وزير خارجية المانيا إمكانية ايجاد مخرج لتوطين عدد من ساكني مخيم ليبرتي في المانيا .
ثالثاً : قضايا تتعلق بالحد من انتشار الاسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل : حيث ألقى الوزير بياناً في اجتماع الجمعية العامة رفيع المستوى المعني بنزع السلاح النووي اكد فيه التزام العراق باحكام معاهدة عدم الانتشار النووي ودعا الى انشاء منطقة شرق اوسط خالية من الاسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل الاخرى . كما شارك الوزير في مؤتمر معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، واعلن انضمام العراق في 26 من ايلول 2013 الى المعاهدة بعد تصديق مجلس النواب العراقي ورئاسة الجمهورية عليها واستقبل ذلك بترحاب كبير .
رابعاً: الاوضاع في العراق والمنطقة العربية : فبدعوة من مجلس الشؤون الخارجية في نيويورك وبحضور عدد كبير من رجال الفكر والسياسة والاعلام ألقى السيد الوزير محاضرة عن تطورات الوضع الداخلي وسير العملية السياسية في العراق والتحضيرات الجارية لعقد الانتخابات التشريعية العامة في العراق بموعدها ثم عرج على تطورات الوضع في المنطقة وبخاصة الازمة السورية وتاثيراتها على العراق وعموم المنطقة واجاب على اسئلة الحاضرين .
خامساً: قضايا تتعلق بتشجيع الاستثمار في العراق واعادة الاعمار بحثها الوزير مع وزير خارجية نيوزلندا الذي اعلن بقرب وصول وفد من رجال الاعمال النيوزلنديين الى العراق للنظر في امكانية الاستثمار في اعادة الاعمار، ومع وزير خارجية اسبانيا لتشجيع الشركات الاسبانية على الاستثمار في مجال قطاع البناء والاسكان، ومع وزير خارجية الجيك الذي اعلن عن رغبة الشركات الجيكية في الاستثمار والمشاركة في اعادة اعمار العراق، ومع وزير الشؤون الخارجية الاماراتي لتطوير الاستثمار للشركات الاماراتية في العراق وزيادة حجم التبادل التجاري وتعزيز حركة الطيران بين البلدين .
سادساً : قضايا تتعلق باستعارة الخبرات في مجالات الزراعة وادارة الموارد المائية: بحثها الوزير مع وزيرة خارجية استرالياً ووزير خارجية هنغاريا ..
سابعاً : قضايا تتعلق بالتدريب الفني وبناء القدرات: بحثها الوزير مع المديرة التنفيذية للبرنامج الانمائي للامم المتحدة من اجل تطوير البرامج في مجال بناء القدرات والتدريب ، وضرورة انتقال مكتب الامم المتحدة الانمائي الى بغداد، كما بحثها مع وزير خارجية سنغافورة الذي أعلن عن استعداد بلاده لتدريب الفنيين العراقيين في مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية ..
ثامناً: قضايا تتعلق بتنفيذ الالتزامات ما بين العراق والكويت بحثها الوزير مع وزير خارجية الكويت من اجل تنفيذ الالتزامات التي اتفقت عليها اللجنة الوزارية المشتركة وتنشيط حركة التجارة البينية وتسهيل التأشيرات لدخول المواطنين والتعاون في شتى المجالات.
تاسعاً : قضايا اخرى مثل تلك التي بحثها السيد خضير الخزاعي نائب رئيس الجمهورية وبمشاركة السيد الوزير مع جوزيف بادن نائب رئيس الولايات المتحدة الامريكية لتفعيل اتفاق الاطار الاستراتيجي والتنسيق في مجال مكافحة الارهاب، ومع الرئيس الايراني السيد حسن روحاني لتعزيز علاقات التعاون ودعم المفاوضات بين مجموعة الخمسة زائد واحد مع ايران والملف النووي الايراني، ومع أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني . كما بحث السيد الوزير مع اكمل الدين احسان اوغلو الامين العام لمنظمة التعاون الاسلامي دور المنظمة في الدفع للتقارب بين المذاهب الاسلامية في المنطقة .
تلك هي المحاور الاساسية للسياسة الخارجية العراقية المعبرة عن هموم ومشاغل العراقيين وطموحاتهم يجسدها الحضور الدبلوماسي العراقي في أبرز اجتماعات المنظمة الدولية، وهو حضور نشط ومحاور مع كافة القوى الدولية المؤثرة في صناعة القرار الدولي، ومع القوى الاقليمية التي تسهم في إرساء الامن والسلم الدوليين وانعكاساتها على المنطقة العربية عامة وعلى العراق خاصة .
لا ريب ان الحضور العراقي المكثف لاحتماعات الجمعية العامة السنوية يساعد على فهم الاستراتيجيات الكبرى والصغرى الناجزة والتي في طورها للانجاز، وهي مناسبة ايضاً لكي تعبر القوى الكبرى عن مخططاتها لرسم صورة النظام العالمي بتوازناته الجديدة التي بدأت تفرز نظاماً دولياً تحرر للتو من الاحادية القطبية وهو بصدد رسم ملامح عالم جديد متعدد القطبية، وبالقدر نفسه تبدو هذه الاجتماعات مناسبة ايضاً لبقية القوى العالمية للتعبير عن استراتيجيتها في نسج انماط تحالفات من شأنها ان تعزز امنها القومي وتضمن لها سبل التنمية المنشودة ..
إن نشاطات العراق في المنظمات الدولية والعربية مهمة حيوية لأمنه بمحاربة الارهاب ولأستقراره بتطبيع علاقاته مع جيرانه ولإعادة اعماره والاستعانة بالخبرات الدولية والتكنولوجيات الحديثة وجذب رؤوس الاموال والاستثمار فيه، وللاستخدام الامثل لثرواته وتخريج الكوادر العلمية والتقنية والادارية اللازمة لضمان ادارة ناجحة لموارده ..