العراق: فوضى إداريّة، ومبادرة اللحظة الأخيرة!

العراق: فوضى إداريّة، ومبادرة اللحظة الأخيرة!

الفوضى بمعناها الواسع هي اختلال في أداء الوظائف وافتقارها إلى النظام، وفي السياسة هي غياب الحكم، واستتباب الفوضى في مجتمع ما!

وهنالك دول تَبني سياساتها على التنظيم المدروس، وبالمقابل هنالكدول أخرى، وبسبب السياسات الهمجيّة، تجد نفسها غارقة في الفوضى السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والفكريّة والصّحّيّة وغيرها!

ولا نريد الخوض في نظريّة الفوضى، ولكنّنا نسعى لاستقراء بعض التطوّرات التي تدلّل على الفوضى الإداريّة في الحالة العراقيّة بعد أكثر من (21) عاما من التغيير!

وبموجب التطوّرات الإقليميّة الجديدة تحاول حكومة محمد شياع السوداني التغافل عن “كرة الثلج” التي قد تصل لبغداد، بعد سقوط بشار الأسد، والأخبار المتوالية التي تتحدّث عن قرب توجيه ضربات أمريكيّة “وإسرائيليّة” للعراق، وعودة المخاوف من احتماليّة تكرار سيناريو منتصف العام 2014 واحتلال “داعش” لثلث العراق،وخصوصا مع التأكيدات الإيرانيّة بوجود الآلاف من عناصره قرب الحدود العراقيّة -السوريّة!

التصريحات الإيرانيّة أدخلت الرعب ببغداد، وتلتها زيارات مدنيّة وعسكريّة لوزراء دفاع ألمانيا وإيطاليا وغيرهما للعراق، ولقاء“السوداني” بقائد التحالف الدوليّ لمحاربة تنظيم الدولة” في العراق،وزيارته للسعوديّة وغيرها من التحرّكات الدبلوماسيّة المكثّفة، التي تُشير لأمر ما يمكن أن يقع في أيّ لحظة!

والزيارة الأهمّ تمثّلت بزيارة أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأميركيّ، منتصف الشهر الحالي، والذي تعهّد بمنع “عودة داعش مُجدّدا، وحفظ واشنطن لأمن العراق، إلا أنّ ثقة غالبيّة العراقيّين هشّة بالوعود الأمريكيّة!

وهكذا نلاحظ بأنّ العراق، الرسميّ والشعبيّ، في حالة قلق شديد، خصوصا مع تأكيد فؤاد حسين وزير الخارجيّة، يوم 19 كانون الأوّل/ديسمبر، بأنّ تنظيم الدولة أعاد ترتيب صفوفه، وحصل على أسلحة بعد انهيار الجيش السوريّ ووسّع نطاق سيطرته، وذات الكلام أكّده “السوداني” بعد أسبوع، وهذه التصريحات تُبرهن المخاوف الرسميّة!

ثمّ ما السيناريو المتوقّع للحالة العراقيّة، هل هو السيناريو السوريّ، أم اللبنانيّ، أم هنالك سيناريو خاصّ بالعراق؟

أمنيّا نسمع بين حين وآخر بضربات حكوميّة عراقيّة لمضافات داعش، ومقتل، واعتقال لقيادات وعناصر التنظيم“، وكذلك ظهور شعارات “داعش” وراياته ببعض المدن، وآخرها ببغداد، الاثنين الماضي، بعد الأنبار وكركوك، وهذه دلائل على أنّ التنظيم لديه خلايا نائمة في بعض الأماكن، والتي تعمل بأسلوب التنظيم العنقوديّ!

وبموازاة ذلك تُطالب واشنطن من السوداني تنفيذ جملة شروط اشترطّتها لتجنيب العراق أيّ ضربات أمريكيّة وإسرائيليّة، ومع ذلك تحاول واشنطن تطبيق شروطها بالطرق السلميّة والسياسيّةعبر بوّابة الحكومة والمفاوضات!

ومن أبرز الشروط الأمريكيّة، وربّما، الإسرائيليّة، هي حلّمليشيات الحشد الشعبيّ” وعدم دمجها بالقوّات الرسميّة، وهنالك تسريبات تشير إلى مطالبتها بتسليم قيادات الجماعات المسلّحة التي هاجمت بعض المستوطنات الإسرائيلية!

وتأكّيدا لهذه الشروط ذكر إبراهيم الصميدعي مستشار “السوداني”، يوم 17/12/ 2024، بأنّه: طُلب منّا تفكيك سلاح الفصائل، وإن لم تَستجب الفصائل للشروط الأمريكيّة وتحلّ نفسها، فسيُفرض عليهم الأمر بالقوّة”!

ويعتبر هذا أوّل تصريح رسميّ بعد زيارة بلنكين!

تصريح الصميدعي أزعج السوداني ودفعه لتوجيه مستشاريه “بعدم الاجتهاد في التصريحات الصحفيّة“، وقد أُرغم الصميدعيبعدها بساعات على الاستقالة!

ولاحقا قال السودانيغير مقبول بأن يُوجِّه أيّ أحد شروط للعراق، ولا يوجد أيّ شروط لحلّ الحشد الشعبيّ“!

ولا ندري نأخذ الكلام مِمَّن؟ مِن رئيس الحكومة، أم مِن مستشاريه؟

وخلافا لذلك كشفت “ميليشيا أنصار الله الأوفياء، يوم 20/12/2024،بأنّه “من الصعب قيام أيّ جهة بنزع سلاح الفصائل”، وبعدها بساعات أعلن الحوثيّون تنفيذ عمليّتين في إسرائيل بمشاركة فصائل عراقيّة، فيما قال أبو آلاء الولائي، أمين كتائب سيّد الشهداء، الأحد الماضي، بأنّه” لا حلّ للحشد الشعبيّ”، وهذه الفعّاليّات والتصريحات تؤكّد بأنّ الفصائل فوق الحكومة والقانون!

وقد حَسَم نائب المتحدّث باسم الخارجيّة الأميركيّة فيدانت باتيلالجدل، الجمعة الماضية، بقوله: سنتّخذ التدابير المناسبة ضدّالجماعات المدعومة من إيران التي تُهدّد موظّفينا بالعراق“!

حالة الصمت شبه العامّ لمحور المقاومة العراقيّة تُبين وجود تهديدات حقيقية، وتدعم رواية احتماليّة توجيه ضربات قاتلة لقيادات الفصائل!

وهذه الأخبار المتواترة دفعت بعض قادة الفصائل للتواري عن الأنظار، وهنالك حديث بأنّ قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحقّ، اعتزل السياسة، وتَفرّغ للعبادة، تماما مثلما فعل مقتدى الصدر قبل أسبوعين!

حكومة السوداني مُحرجة حاليّا بقضيّة حلّ المجاميع المسلّحة وفقا للشروط الأمريكيّة، وقد نشهد، قريبا، قرارا حكوميّا بحلّ “الحشد الشعبيّ” للحفاظ على العمليّة السياسيّة، وربّما حينها، ستكون الحكومة بمواجهة مطبّات أمنيّة، وقد تكون هذه شرارة الفوضى الأمنيّة والسياسيّة!

والحدث العراقيّ الأهمّ والأبرز وقع في ساعة متأخّرة من ليلة الخميس الماضي حيث أُعلنت ببغداد مبادرة الفرصة الأخيرة“، ويقال بأنّها “بدعم من بعض القوى الدوليّة“، وهي دعوة لبناء دولة المواطنة الخالية من المليشيات، أو ربّما، ستكون نهاية العمليّة السياسيّة، وقد ضمّت المبادرة بعض الشخصيّات السياسيّة، الحاليّة والسابقة، والنخب المجتمعيّة!

وبعيدا عن تقييم المبادرة أرى أنّها متأخّرة جدا، ولهذا فإنّ القراءة الصحيحة تُظهر بأنّ العراق، ورغم التطمينات الرسميّة، أمام معادلة صعبة إما الاستقرار، أو الفوضى!

dr_jasemj67@