من يقلب صفحات تاريخ العراق القديم والحديث فسيجد بأن هذا البلد قد تعرض الى أهوال ومحن وكوارث لربما لم يتعرض لها بلد في العالم، فقد تعرض العراق الى الكثيرمن المصائب والأحداث والخطوب على مر تاريخه، من حروب خارجية وأنقلابات وتمرد وحروب أهلية داخلية، كما وقد أصابه الجوع والفقر والحاجة والمرض، وأصاب أهله القحط ووقع فيهم الفرهود وأحداث سلب ونهب وأغتصاب وتجاوز على كل الحرمات والمحرمات، وكذلك حدث فيه غرق كبير وتعرض أيضا الى حرائق كثيرة، كما وداهمت وقتلت أهله الكثير من الأمراض والأوبئة، وبأختصار لم تبق مصيبة من مصائب الدهر ألا وحلت وأصابت هذا البلد!، فحصاد الموت والخوف لا زال مستمرا ولن يتوقف!. ألا أن كل هذه الأحداث والمصائب لم تهجم وتجتمع عليه دفعة واحدة، فكانت هناك فترات راحة ولو بسيطة لألتقاط الأنفاس!. ولكن العجيب والذي يسترعي التوقف عنده، أنه وبعد الأحتلال الأمريكي البغيض على العراق في 2003 تكالبت وأجتمعت ووقعت عليه كل هذه المصائب، وأستمرت معه منذ 18 عام ولحد الآن!، حيث لازال جريان المصائب يتدفق عليه بقوة، فما مر يوم والعراق ليس فيه مصيبة!، ويبدوا أنه لا أمل بتوقف تلك المصائب والأزمات والمشاكل والمنغصات، فقد أجتمعت على العراق كل دول العالم بل وكل شياطين الأرض!، لينهبوا خيراته وتاريخه وحتى مقدساته، وليدمروه وليقتلوا أهله بلا رحمة ولا شفقة وبلا تردد ولا خوف من الله ولا من الضمير، فبات أهله يمسون على خوف ومصيبة ويصبحون على مصيبة وخوف أكبر!؟.أن ما جرى على العراق وعلى العراقيين ما بعد الأحتلال الأمريكي عام 2003 لم يكن أحد يتوقعه ولم يأت ويخطر على بال مثقف أو متعلم أو أنسان بسيط أو حتى قاريء كف أو فنجان؟، لأنه جاء على عكس ما توقعه العراقيين من الأمريكان! بل جاء على عكس ما وعد به الأمريكان العراقيين، بأنهم سيجعلوا من العراق قبلة العالم؟!. أن أوضاع العراقيين هذه أربكت مثقفهم ومتعلمهم قبل أنسانهم العادي البسيط التفكير، فتاهوا فيما تاهوا فيه من أفكار وأراء ليعرفوا ما سبب كل هذا البلاء الذي يجري عليهم، ولماذا لم تكتب لهم الراحة ولا السكون والهدوء! من قديم الزمان الى زمنهم هذا فأشتبكت عليهم الأمور مثلما أشتبكت عليهم الأعصر!، فقسم منهم يقول أن ما نحن فيه هو غضب من الله؟ ويجيب قسم منهم ، وكيف ذلك؟ فهل العراقيين هم قوم لوط أو قوم عاد وثمود؟، وهل يعقل أن يكون غضب الله فعلا، وهو الذي أكرم هذه البلاد وحباها بكل الخيرات والنعم والثروات ما ظهر منها وما بطن، حتى أنه عز وعلا جعل ثلثي خزائنه في أرض بابل!؟. وما دام الأمر كذلك، بأنه اكرم هذه البلاد بخيرات ونعم كثيرة، أذا فلماذا دائما يسلط الله عليهم حكاما لا يرحمونهم ويسومونهم سوء العذاب؟. لربما لأن العراقيين قد قتلوا أبن بنت نبيهم الأمام الحسين على جده وعليه أفضل السلام؟ أم هي لعنة التاريخ عليهم لأنهم أهل نفاق وشقاق، كما قال عنهم الحجاج بن يوسف الثقفي؟ أم بسبب خيانتهم ونكثهم للعهود والمواثيق؟، أم هي اللعنة بسبب ما جرى للعائلة المالكة المسالمة التي حكمت العراق ( 1921 – 1958) من نهاية مأساوية غير متوقعة؟ بعد قيام ثورة 14/ تموز/ 1958؟، أم هي حوبة الزعيم عبد الكريم قاسم كما يرى البعض؟!، مؤسس جمهورية العراق ورئيسها الأول ، البريء هو والعقيد عبد السلام عارف من دم العائلة المالكة!، والمعروف بزهده وطهره وعفة لسانه ونظافة يده، والذي نذر نفسه وحياته من أجل العراق والعراقيين ولفقراء الشعب تحديدا، حتى أنه كان يخاف أن يشبع ويتخم نفسه بالأكل!، وهو يشعر بأن هناك جياع في العراق، وخاف أن يلبس الثياب الفاخرة، وهناك فقراء من الشعب يلبسون الأسمال البالية؟. أم أن ما يجري على العراق ، هو من صنع وتدبير وتآمر الدول الكبرى عليه ، التي تتقاسم السيطرة على العالم،؟ وأذا كان الأمر كذلك، فلماذا تخلت بريطانيا وهي في أوج عظمتها وقوتها، عن العراق؟ وهي التي أسست وأشرفت على تأسيس الدولة العراقية عام 1921، بعد أنهيار الدولة العثمانية، وخروجها خاسرة من الحرب العالمية الأولى ( 1914- 1918) ، حتى أنها أي بريطانيا، هي من أختارت الملك فيصل الأول ليكون ملكا على العراق!، أذا لماذا لم تحافظ على العراق؟ بل وتستقتل في الحفاظ والدفاع عن الحكومة الملكية، مثلما حافظت ولا زالت تحافظ، على الكثير من دول المنطقة!؟، لا سيما وأن العراق كان يستحق منها ذلك، لما يمتلكه من خيرات كثيرة وكبيرة من نفط وغاز ومعادن وثروات أخرى لا تعد ولا تحصى؟، حيث لا تمتلك بقية دول المنطقة عشر ما يمتلكه العراق من خيرات!، هذا والكل يعرف كم الدول الكبرى ومنهم بريطانيا طامعة في السيطرة على كل ثروات تلك المنطقة؟. وأذا كانت بريطانيا تخلت عن العراق وتركته ساحة للانقلابات والثورات والمؤامرات والأقتتال والأنتقام والصراعات بين الأحزاب منذ عام 1958 ولحد الآن! ، لأسباب لا أحد يعرفها ألا بريطانيا هي نفسها؟!. أقول لنترك بريطانيا! ونسأل: لماذا فعلت أمريكا بالعراق ما فعلت من بعد أحتلالها له؟!، حيث فتحت عليه ابواب الجحيم، وجلبت عليه كل مصائب الدنيا، وكأنها نادت بأعلى صوتها، لقد وقع العراق فريسة تعالوا وأستبيحوه!، لماذا خالفت ونكثت بكل الوعود والعهود التي قطعتها على نفسها من أن تجعل العراق قبلة العالم!؟، حيث تبين للشعب العراقي وبعد فوات الآوان وبما لا يقبل الشك، بأن الأمريكان أحتلوا العراق ليس لتخليص الشعب من النظام الدكتاتوري، وأقامة نظام ديمقراطي ، وأعادة بنائه مثلما قالوا، بل هي أحتلته لخلق الفوضى وأثارة الفتن فيه، وللأنتقام منه وتدميره ونهب ثرواته، وقد أثبتت السنوات التي مرت على العراق منذ 2003 ولحد الان صحة وحقيقة النوايا الشريرة لأمريكا!. نعود الى ما يعتقده العراقيين عن سبب ما جرى ويجري على العراق، فقسم يرى أن المصائب التي تكالبت على العراق، كان للحظ دور كبير فيها، فالشعب العراقي شعب غير محظوظ بحكامه!، فمثلا يقولون ( بأنه لو فاز الدكتور عبد الرحمن البزاز، بدل المشير عبد الرحمن محمد عارف بالتصويت الذي أجري بين أعضاء مجلس قيادة الدولة، بعد مقتل المشير عبد السلام محمد عارف في حادث الطائرة عام 1966، لربما كنا قد تخلصنا من حكم العسكر وتهوراتهم وحماقاتهم، ولكانت الدولة قد أنتهجت مسارا آخر لها أكثر نضجا وعقلانية وتطورا، لاسيما أذا عرفنا بأن عبد الرحمن البزاز حاصل على شهادة الدكتوراه بالقانون من جامعة السوربون!.). وأيضا يرى آخرون في موضوع الحظ ( بأنه لو كان رئيس النظام السابق لم يتهور وتأخذه الحماقة، في غزو الكويت، رغم تجاوزاتها على الحقول النفطية في العراق ، لربما كان أجهض خطة الأمريكان الباهتة للأيقاع به!، ولو أنه أستجاب لصوت العقل ولبعض من نصحوه من رؤوساء دول وحكومات بالأنسحاب من الكويت بعد أن دخلها وفعل فيها ما فعل ، لما أعطى المبرر للأحتلال الأمريكي اللئيم للعراق ولربما كنا بالأكيد في غير هذه الحال تماما!؟). قسم آخر من العراقيين يرجعون بذاكرتهم الى الوراء الى أبعد من ذلك!، حيث يقولون ( بأنه لو أشتغل محرك سيارة (الفوكس واكن) التي يمتلكها (جورج تلو) ، أحد القيادين البارزين بالحزب الشيوعي العراقي ومسؤول الخط العسكري في الحزب، وأوصل رسالة (سلام عادل) سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عام 1963، في ذلك اليوم الشديد البرودة الساعة الثانية بعد منتصف الليل من ليلة، 8/شباط/ ليلة الأنقلاب، دون تأخيرها الى الصباح!، الى قائد القوة الجوية (جلال الدين الأوقاتي)، وحذره من وجود أخبار عن محاولة أنقلابية سيقوم بها البعثيين، وأدخل الجيش والقوة الجوية تحديدا بالأنذار لربما كان قد أجهض أنقلاب 8/ شباط/ 1963!، الذي فتح بوابات الدم على مصارعها في العراق، ولربما تغيرت الكثير من الخطط والمعادلات السياسية في المنطقة وفي العراق تحديدا!. سأكتفي بهذا الأستعراض عما جرى على العراق، من ويلات ومصائب ومكائد ومؤامرات، وأعود بالقول ما دمنا تحت الأحتلال الأمريكي الذي جعل من العراق ساحة للتصفيات السياسية وحقل تجارب لكل شيء وفي كل شيء، فأن مصائبنا لم ولن تنتهي!. وآخر مصائب العراق وليس أخيرها،هو الظهور الأعلامي المفاجيء لأبنة الرئيس السابق( رغد صدام حسين) من على فضائية العربية، والذي كان بتدبير عربي وبضوء أخضر أمريكي!، الظهور الذي كان أشبه بفتنة نائمة، أريد أيقاضها، ولعن الله من أيقضها!، ذلك الظهور الذي أثار الضغائن والأحقاد من جديد بين العراقيين ووضع الأيادي على قبضات السيوف!، خوفا من عودة البعثيين، وعادت معها لغة التهديد والوعيد والأنتقام من هذا الطرف وذاك!. أخيرا نقول : حقيقة لا أحد يعرف سر هذه البلاد!، وكيف سيكون أمرها وأمر أهلها ونهايتها؟!, فسر هذه البلاد عند الله عز وعلا، الذي أختارها لتكون مهبط الأنبياء، ومدفن الأئمة الأطهار من آل بيت الرسول والكثير من الرجال الصالحين عليهم جميع أفضل السلام، ومستودع خزائنه وأسراره!.