يبدو والى اليوم ما زال البعض من السياسيين العراقيين في التحالف الوطني لم يدركوا والى الآن حجم التحولات القسرية التي طرأت على الخيارات السياسية للشرائح القيادية والقوى المجتمعية في المناطق الساخنة، ولم يستشعروا قوة إلتفاف خيوط الأجندات الإقليمية و البعثو- قاعدية (الداعشية) حول أعناق الخيارات المؤمنة بالتعايش السلمي مع بقية المكوّنات العراقية. فلا يُمكن لمن هو مدركُ لحقيقة الموقف أن ينظر بعين واحدة تجاه الجانب السياسي في اللحظة الراهنة و (الداخلي منه فقط)، متجاهلا في ذات الوقت بقية الإتجاهات الداخلية والخارجية ما سلف منها وما هو متوقع الحدوث.
ومما لا يدركه هذا البعض، والمقصود به هنا، هما السيدان مقتدى الصدر وعمّار الحكيم والحلقات المقربة منهما في الموقف المتشنج من السيد المالكي في (هذه المرحلة بالذات) ، فالقواعد الجماهيرية لكلا الطرفين ليستا طرفا في الموضوع .. النتيجة بين هؤلاء وقواعدهما الشعبية واضحة المعالم فيما لو أصراّ على المكوث في هذا الموقف.. على أية حال، ما لا يُدركه هؤلاء، هو أن نتاائج الحرب الدائرة اليوم بين دولة العراق و (دولة داعش المزعومة) ستفضي الى خلق مفاهيم جديدة ومسارات سياسية منها مالم يكن مألوفاً في المنطقة والعالم في حال تمكن الطرف الآخر من تحقيق إنتصار ما في بغداد على غرار ما حققه في الموصل.
بمعنى آخر، أن الحرب ليست مع السيد المالكي شخصيا، وإن كان هو المطلوب الأول من المكوّن المنتمي اليه في نظر فصيلين أساسيين في الطرف الآخر الذي يقود الحرب الدائرة اليوم (البعث والقاعدة) ضد الدولة العراقية ، لدوافع ثأرية تنحصر في سببين أساسيين، يكمن الأول في تفردّه بالتوقيع على إعدام زعيم عصابة البعث المنهار (المقبور صدام حسين)، ويتجسّد الآخر في إشرافه المباشر على عملية إهلاك زعيم عصابة داعش المقبور (أبو عمر البغدادي).. أي مع أنه (السيد المالكي) يتصدّر قائمة المطلوبين لأسباب منها ما سلف وأسباب عديدة أخرى ليس أقلّها أنه الشخصية الأصلب في ادارة صفحات المواجهة رغم كل ما تعرّضت له أجهزة الدولة من إختراق ، ولكن الهدف أبعد من ذلك بكثير .. فليس العراق وحده بل على العالم أجمع الرضوخ لمفاهيم جديدة يُعد فيها الدفاع عن النفس (إرهابا)، والإرهاب (كفاحا مٌسلّحا له قضية) وعلى المجتمع الدولي الرضوخ فيما بعد لتلك الوقائع المغايرة للسنن السماوية والوضعية التي تٌصبح معها مصادر الطاقة في المنطقة سبيلا لمساومة العالم المتحضر على القبول بهذا النهج الوحشي الذي لايمت بصلة الى أي دين أو معتقد.
وذلك ما أفصحت عنه بوضوح وقائع (مؤتمر عمان التمهيدي لثوار العراق)، حيث كان (التواجد البعثي) علنيا وأساسيا ورياديّاً في المؤتمر (التمهيدي)، بما يشكّل تمهيدا لـ (التواجد الداعشي) العلني في المؤتمرات اللاحقة، وهو ما عكسه خلو البيان الختامي من أي تنديد أو إستنكار للأعمال الوحشية التي قامت وتقوم بها القاعدة في العراق منذ أكثر من عشر سنين مضت، وما بدا بشكل واضح فيما نقلته (وكالة رويترز) من تصريح (مُبطّن ومُتذاكي) عن رجل الدين الأبرز في المؤتمر عبد الملك السعدي الذي وصف فيه (حركة العشائر) المضادة للدولة العراقية بـ (الكفاح المُسلّح)، مُضيفاً .. ” أن الدولة الإسلامية أو ما يُعرف بداعش (التي تتبع تنظيم القاعدة) هي جزء من هذا الكفاح”.
أن هذا المؤتمر وغيره من المناورات السياسية في الخارج يهدف بالدرجة الأساس الى أمور عدة ليس أقلها ، سحب البساط من تحت أقدام أحرار السُنّة ومجاميع الصحوات في العراق ممّن إصطفوا في هذه الظروف مع جُهد الدولة العراقية إدراكاً منهم لخطورة تسييس معاناتهم التي تسببت بها أعمال القتل اليومي للشعب العراقي من قبل عصابات البعث الصدّامي والقاعدة (داعش) على مدى عقد من الزمن وأكثر، وإلإصرار على اتخاذ مناطقهم حواضن وقواعد للإنطلاق نحو بقية أجزاء العراق لنشر الرعب والتدمير، فضلا عما أسهم فيه (الجناح السياسي) لداعش في تعطيل مسار الدولة على مدى السنوات الماضية .. كما يُعد (مؤتمر عمّان) وهو (الهدف الأساسي منه) محاولة بائسة للطعن بشرعية النظام السياسي الديمقراطي في العراق من خلال إيجاد معارضة خارجية تهدف الى تسويق الحركات الإرهابية للعقول العربية وأروقة المجتمع الدولي من خلال إكساء الحراك الإرهابي لباس التمدّن بوصفه (مشروع تحرر مدني) و (كفاحاً مسلّحا) من أجل (الحُرية).
أن طبيعة العلاقة بين البعث والقاعدة وكذلك وحدة الهدف تكاد تكون واضحة في أمور ظاهرة عدة، أبرزها اطلاق تسمية تنظيم (الدولة) مع إقتران إنبثاق تنظيم داعش في 2013 بتاريخ (التاسع من نيسان) وهو تاريخ سقوط دولة البعث، اضافة الى ما تعنيه الكُنى (التعبوية) التي يُطلقها قادة هذا التنظيم على أنفسهم في ربط الأسماء التاريخية بمضمون الحُكم في بغداد .. (أبو عمر البغدادي – أبو بكر البغدادي). بعبارة أخرى أن رهان البعض على الخلافات بين هذا الفصيل الارهابي أوذاك، هنا أوهناك هو دليل قُصر نظر، فقد استطاعوا معاً خلق أرضية مشتركة وتنسيق عسكري عالي المستوى لإنجاز مهامهم التدميرية واستثمار الأجواء السياسية لإعلان أنفسهم الممثلون الشرعيون للسُنة في العراق وبشكلِ قسري لا تتمكن قوى الإعتدال السني من مجابهته وتفنيد مزاعمه الكاذبة.
اليوم وأكثر من أي وقت مضى، تتمتع هذه التنظيمات الارهابية بالدعم الاقليمي المفتوح، خاصة مع الإنفتاح المتبادل بين ايران والغرب الذي جاء على إثر تفوق ايراني في نواح عدة بات يشكل مصدر قلق لمختلف قوى المنطقة التي اعتاشت ولفترة طويلة مضت على فتات هذا الخلاف المزمن بين الطرفين.
أنه قدر العراق أن يكون جارا لإيران وليس قدرا له أن يكون (جبلا من نار) كما يراد له اليوم من قبل حكام الخليج للحفاظ على الأنظمة الوراثية وبعض القوى الاقليمية (الدخيلة والأصيلة) ومنها تركيا الاردوغانية المتصيدة في المياة الآسنة والمعتاشة على مصائب الآخرين والمنشغلة رغم عظم المصاب العراقي بتهريب النفط الى الأسواق والكيانات (الخارجة أصلا عن القانون). وإذا كان هناك نفوذا لإيران في العراق فهو نفوذ طبيعي وليس قسريا، فلا تمتلك قواعد عسكرية كما هو الحال التركي في شمال العراق (إقليم كردستان العراق)، ولا محطّات استخبارية وتجارية كبرى كما درجت عليه تركيا منذ التسعينات والى اليوم في الاقليم، ولم يزر أي مسؤول ايراني أي منطقة في العراق دو علم وموافقة الحكومة العراقية كما فعلت وتفعل تركيا في زيارات مسؤوليها الى الاقليم ومدينة كركوك.. وبعيدا عمّا يشاع في الاعلام وما تروّج له ماكنة الدواعش الاعلامية، فقد حرصت ايران وما زالت تحرص على أن يدير أعمالها وتمثيلها الدبلوماسي في العراق مسؤولين من أصول عراقية.
لا شك ولا ريب بأن مواقف السيدين الصدر والحكيم مرصودة من قبل العراقيين جميعاً والعالم أجمع ومن السماء قبل هذا وذاك وهو الأهم، وإذا ما أحسنّا الظن فقد يكونا على صواب من حيث المبدأ، ألا أن ما يطرحانه اليوم وفقاً للتوقيت يُعد بطرا سياسيا، ومن حيث طبيعة العدو يُعد معولا لهدم الدولة العراقية لصالح (الدولة الداعشية) التي ستغرس أظفارها في الأجداث المطهّرة في نهاية المطاف. فالمنهج الالغائي الذي تتبناه الدواعش (القاعدة والبعث) لا يؤمن أصلاً بالشراكة وتقاسم السلطة والنفوذ، ولن تجُر التنازلات له الاّ الى مزيد من التنازلات المفتوحة التي تضع العراق وشعبه في قلب العاصفة وفي جوف جبل النار.
ولا تنحصر المسؤولية في نطاق السيدين الصدر والحكيم وحسب، فالسيد المالكي والى اليوم يبدو حريصا على ضبط ايقاع تحركاته في نطاق الدستور العراقي (على العكس من الآخرين)، لكن، وفي نفس الوقت ستصبح المسؤولية عليه أكبر في حال تنازله عن استحقاقه الانتخابي والإنسحاب من قيادة المعركة الحالية أو حتى قيادتها من خلف الستار بتقديم أحد مساعديه نزولا عند رغبة الأطراف المتأرجحة التي خانتها البصيرة في تقدير خطورة الموقف.. حيث لشخصية المالكي رمزية استثنائية ورهبة خاصة في نفوسهم المريضة بما أتاح الله له من أسباب للإسهام في إهلاك زعيمين أساسيين من زعماء الشر هما المقبورين (صدام حسين و أبو عمر البغدادي) وثالثهما (أبو بكر البغدادي) على الطريق (بإذن الله) خاصة إذا ما أجادت أطراف التحالف الوطني احتضان الصوت العراقي السُنيّ وإستثمار دور العراقيين السُنة في الجنوب لإطفاء الحريق المستعر، فالمعركة باتت واضحة، وهي ليست بين الشيعة والسنة كما يروج لها البعض بل بين التطرف والإعتدال أي كانت هويته، وقد برز بل وسيبرز من بين الشيعة من هو لا يقل ميلاً وحنينا الى أجواء التطرف والمروق على القانون (الصرخي مثالا)، ومثلما برز وسيبرز من بين السُنة من هو أكثر توقاً الى جعل العراق جبل رحمة وتآخ ونعيم لأهله وجيرانه بدلا من أن يكون جبل نقمة ونار وجحيم.. ثم لا يمتلك أحداً من البشر أي كان موقعه الديني أو الدنيوي حق التنازل عن دماء الأبرياء من (النساء والشيوخ والأطفال) التي سالت على مدى أكثر من عشر سنوات دون ذنب يُذكر خاصة بعد أن أعلن القتلة عن أنفسهم دون وجل طامحين الى المزيد من الدماء.!
أخيرا وليس آخراً، أن ما يؤسفنا حقا أن يضع بعض القادة الكرد بيضهم في السلال الداعشية وإيداعها في خزائن الباب العالي أستجداءً منهم لأوهام قد تفتح ولربما “فتحت أبواب جهنم على الأكراد العراقيين”، (كما يعبر عن ذلك الكاتب السياسي المصري محمد حسنين هيكل ـ فقد حققت تركيا مكاسب تجارية وأمنية على حساب العراق كانت تحلم بها، وستكون مهمة وصول اردوغان الى سدة الرئاسة التركية مريحة بعد ضمان أصوات الأكراد في تركيا .. وماذا بعد!.. سوف لن يبدي الباب العالي اهتماما يُذكر عندما تحين ساعة المعركة المؤجلة لداعش مع الأكراد، بل على العكس سوف يكونوا سكينا في خاصرة الأكراد وعونا لداعش، وقد أعلنوها في بيانهم الختامي في الأردن في تأكيدهم مرارا وتكرارا على وحدة العراق، وهي رسالة للمتلقي تعني بأن المعركة مع الأكراد مؤجلة الى اشعار آخر، فهناك الأهم (بغداد) ومن ثم سحق الجميع بالقوة من زاخو الى الفاو.. صحيح أنهم يغازلون الرأي العام العراقي في التطرق مرارا الى وحدة العراق لكنهم في ذات الوقت يعنون حقا ما يقولون.. وتلك ليس مثلبة، نحن أيضا نؤمن بوحدة العراق لكن الإختلاف يكمن في مضمون الطرحين، فالفرق شاسع وأكبر من أن يوصف ما بين وحدة التطرف و وحدة الإعتدال.. أي أن هذا البعض الكردي سائر لامحال في طريق المواجهة مع المنتصر من الدولتين، دولة العراق أو (دولة الدواعش) ومع ما يمتلك المنتصر منهما من عمق استراتيجي اقليمي ودولي، الآن أو في المستقبل، لتصبح نتيجة المواجهة غير عصية على التخمين..!
لا يمكن للإعتدال أن يحظى بأسباب وجوده مالم تكن أساليب المجابهة متوائمة مع طريقة تفكير الخصم أو العدو، فالطريقة الغاندية جابهت خصماً متهورا يستمد قوته من شعب يؤمن بالتطور والتعايش والسلام، فكانت النتيجة كما توقعها غاندي، أما العدو الداعشي في العراق بطش وما زال يبطش اليوم بالأبرياء وليس على استعداد للتفاوض أو الإعتراف بحق الآخر في الحياة، (ولربما يدعي الجناح السياسي للإرهاب ذلك) لكن واقع الحال في الشوارع العراقية ينبئ بالعكس تماما.. وبما يعني أن المعركة التي تخوضها الحكومة العراقية تفرض على المؤمنين بنهج الاعتدال إمدادها بجميع أسباب القوة التي تمكنها من ايقاع الهزيمة بالعدو الداعشي، فنحن في عصر الانهيارات المفاجئة وللعدو من الداعمين بقدر ما للمالكي من خصوم، فأن نتركه وحيداً فهو هروب من المسؤولية الوطنية والانسانية، وأما دعوته الى التنازل عن الاستحقاق الانتخابي فهي انتكاسة للديمقراطية وإيذانا بإنهيار الدولة العراقية وفي الحالتين سوف ترتد النتائج الكارثية على الجميع وليس على السيد المالكي وحسب.. وبذلك نكون قد أنهينا وجودنا بأنفسنا لمصلحة الإرهاب والتطرف الأعمى.
يحتوي الفيديو المرفق على:
داعش تسيطر على صواريخ أرض أرض تجوب بها الشوارع
علي الحاتم (ضيف البارزاني) في النهار مع المتظاهرين والليل مع داعش،
علي الحاتم (ضيف البارزاني) يعلن رفضه للديمقراطية وحكم الاغلبية
كتائب كردستان الارهابية تحدد أعدائها وتتدرب على صور الصدر والحكيم
اعلان البارزاني البراءة من قائد الفرقة الذهبية لم يكن المرة الأولى
تهديد وصلني بسبب الفيديو السابق يقول – لا مكان لك في كردستان
http://www.youtube.com/watch?v=5FwWHWM7Nps