اليوم كنت متجها الى بغداد لإنجاز بعض الأمور المتعلقة بدائرتي، و كنت مجبرا لسماع البرنامج الصباحي لأحد الاذاعات، حيث كان محور حديث الحلقة عن الصديق، ولم يشدني أحد في رأيه إلا شخص واحد وهو طبيب كما صرح أثناء كلامه فقد قال وإنتبهوا لقوله: تعينت في احد ضواحي الناصرية مع طبيب أخر، وإتفقنا أن تكون إجازتنا سوية ، وبعد مرور فترة جائني صاحبي وقال : لقد قدمت على اجازة ثلاثة أيام لأن يوم غد العيد، الحقيقة تفاجئت بكلامه فقلت وأنا أضحك: أي عيد ألفطر أم الأضحى فقال: لا عيد رأس السنة، فأنا مسيحي.
أنا مسيحي، شخص يتعرف على شخص في ناحية بعيدة فيتشاركان العمل والسكن وحتى الطعام ولكن لم يسأل أحدهما الأخر، من أنت؟ ماهو معتقدك؟ ماهي ديانتك؟ من أي عشيرة أنت؟ هل أنت سياسي ولأي حزب تنتمي؟ مؤكد أنهما إختلفا بعدة إمور، فربما شجع أحدهما الزوراء والأخر الشرطة ، لكنهما وبالتأكيد إشتركا بحب المنتخب الوطني، وصفقا وتعانقا بشدة عندما جاء هدف الفوز على كوريا الذي لا ينسى, إشتركا بأنهما عراقيان، واجبهما يساعدان المرضى، بدون أي شعور بأنهما من بغداد والمرضى من الناصرية.
انا مسيحي كنت أم مسلم، صابئي أم أيزيدي، متدين كنت أم غير متدين، عربي، كردي, تركماني، شيعي، سني، ( شروكي أم من الغربية )، كل هذه الصفات تذوب أمام كوني عراقي، بلدي أرض الحضارات، موطن الانبياء والصالحين، أرض السواد أرضي أنا العراقي، الرافدين للجميع، فلا دجلة أحتكرت لطائفة دون أخرى ولا الفرات، لا أحد يعترض عليٌ إن زرت ألأمير في النجف، أو صعدت الملوية، لا أحد يمنعني إن تمشيت في شارع الرشيد أو تفسحت في غابات الموصل، ولن يقف أحد في طريقي لو ركبت قطار البصرة.
هكذا عاش العراقيون، أخوة متحابون، على الرغم من قسوة النظام الحاكم أنذاك وشدة بطشه، نعم هناك من كان يسند النظام ويساعده على ديمومة الظلم لكنهم لم يكونوا الا حفنة من المنتفعين، ما أسرع ما زالوا وأصبحوا خبرا لكان، وبقينا نحن لكن وللاسف حدث خطأ كبير وشرخ في أخوتنا أستغله أعداء الانسانية ودخلوا في بناياننا المرصوص واسقطوا بعض الاحجار لينهار كل شيء؛ ودفعنا ثمنا غاليا بالانفس والاموال والممتلكات، وأخطأنا ثانية عندما عجزنا عن فهم معنى حكم الشعب فإنتخبنا من لا يمثل الا نفسه.
العراق خيارنا، فلنطوي الصفحة السوداء ونفتح أخرى، لا نسجل عليها إلا كلمة العراق الموحد، العراق أرض الرافدين، ارض السواد، أرض الغيرة والشهامة، ولنرفع من يخدمنا لا من يجعلنا عبيدا له بإرادتنا.