تواجه الكوادر التعليمية في العراق تحديات كبيرة، من أبرزها تآكل المكانة الاجتماعية والمهنية للمعلم والأستاذ الجامعي. فالاعتداءات المتكررة على هذه الكوادر، سواء كانت لفظية أو جسدية، أو حتى المطالبات العشائرية التي تفرض عليهم، أصبحت ظاهرة مقلقة تهدد مستقبل التعليم برمته. إن حماية هذه الكوادر واجب مشترك يقع على عاتق الدولة والمجتمع. في محاولة لتوفير الحماية القانونية، أقر البرلمان العراقي قانون حماية المعلمين والمدرسين والمشرفين والمرشدين التربويين رقم (8) لسنة 2018. هذا القانون يهدف إلى تجريم الاعتداءات على المعلم وتوفير الحماية من المطالبات العشائرية، لكن تطبيقه ما زال يواجه تحديات كبيرة. في المقابل، يفتقر الأساتذة الجامعيون إلى قانون مماثل يضمن حمايتهم بشكل خاص، مما يجعلهم أكثر عرضة للاعتداءات. وقد دفعت هذه الظاهرة منظمات مثل نقابة الأكاديميين العراقيين والمفوضية العليا لحقوق الإنسان للمطالبة بتشريع قانون خاص يوفر لهم الحماية الكاملة. إن حماية الكوادر التعليمية لا تقتصر على إصدار القوانين فقط، بل تتطلب تفعيل دور الدولة على كافة المستويات. يجب على الأجهزة الأمنية والقضائية تطبيق القوانين بكل حزم، وعلى المؤسسات الحكومية والمدنية القيام بحملات توعية لتعزيز احترام المعلم والأستاذ الجامعي في المجتمع، وإعادة مكانتهما كأعمدة أساسية لبناء الوطن. إن حماية الكوادر التعليمية في العراقخ هي تعبير عن مدى احترام الدولة والمجتمع للعلم والمعرفة، وما لم تُعَدْ هيبة المعلم والأستاذ الجامعي وتُوفَّرْ لهما بيئة آمنة للعمل والإبداع، ستظل العملية التعليمية تواجه تحديات جمة. مما يُعد الأستاذ الجامعي والتربوي من أبرز ركائز بناء الدولة والمجتمع، إذ تمثل مهمته التربوية والعلمية حجر الأساس في تنمية العقول وترسيخ قيم المعرفة والانضباط والتفكير النقدي. ورغم هذه الأهمية، فإن واقع الحماية القانونية والمهنية والاجتماعية الذي يحظى به الأستاذ الجامعي والمعلم يختلف اختلافًا جذريًا بين العراق والدول الغربية. فبينما تتمتع الكوادر التربوية في الدول الغربية بنظام مؤسسي متكامل يضمن لها الأمان الوظيفي، والدعم النفسي، والاستقلال الأكاديمي، يواجه نظراؤهم في العراق سلسلة من التحديات التي تعرقل أداءهم وتعرضهم أحيانًا للإهمال أو التهديد أو التجاوز.في العراق، توجد بعض القوانين المنظمة لعمل الأستاذ الجامعي والتربوي مثل قانون الخدمة الجامعية وقوانين وزارتي التربية والتعليم العالي، لكنها في معظمها إما غير مفعّلة بصورة فعالة أو تُطبق بشكل انتقائي، ما يفقدها قيمتها الواقعية. كثير من المعلمين وأساتذة الجامعات يشتكون من ضعف الإجراءات الردعية في حالات الاعتداء، سواء من قبل الطلبة أو ذويهم، كما أن التدخلات الحزبية والسياسية والطائفية كثيرًا ما تؤثر على قرارات التعيين أو النقل أو الترقية، ما يجعل الأستاذ في موقف هشّ وغير مستقر. إضافة إلى ذلك، فإن النقابات والاتحادات المفترض أن تدافع عن حقوق الكادر التدريسي غالبًا ما تكون محدودة التأثير أو خاضعة للتجاذبات، ما يجعل صوت المعلم غائبًا عن مراكز القرار. كما أن الجانب المادي لا يُوفر الحد الأدنى من الطمأنينة الوظيفية، فالرواتب متدنية مقارنة بكلفة المعيشة، والتقاعد ضعيف، ولا توجد برامج دعم نفسي أو تأمين صحي شامل، مما يضعف من قدرة المعلم على التركيز في أداء مهامه.في المقابل، تُبنى الحماية في الدول الغربية على أساس قانوني ومؤسساتي صارم وفعّال. إذ تُعد القوانين المتعلقة بالمعلمين والأساتذة الجامعيين من أقوى التشريعات حماية لهم، فهي تجرّم أي نوع من الاعتداء اللفظي أو الجسدي أو التهديد سواء في مكان العمل أو عبر الوسائل الرقمية، ويُحال المعتدي إلى القضاء فورًا دون مماطلة أو تدخلات. كما أن النقابات في هذه الدول تلعب دورًا محوريًا في حماية حقوق الكادر التدريسي، وتدخل في مفاوضات مباشرة مع الوزارات والحكومات وتتمتع بسلطة تفاوض قوية، ما يضمن للمعلمين عقودًا عادلة وظروف عمل كريمة. وتُعد الحرية الأكاديمية في الجامعات الغربية جزءًا أصيلًا من المنظومة التعليمية، حيث يُمنح الأستاذ الحق في البحث والتعبير ضمن الإطار الأكاديمي دون خشية من رقابة سياسية أو حزبية، ما يعزز الإبداع والاستقلال العلمي. يُضاف إلى ذلك أن الدول الغربية تولي أهمية كبرى للجانب الاجتماعي والنفسي للمعلم، فتُوفر له برامج دعم واستشارات، وتأمينًا صحيًا، وإجازات مرضية ونفسية مدفوعة، إلى جانب رواتب مجزية وتقاعد محترم يكفل له الاستقرار بعد نهاية الخدمة.وعند مقارنة واقع الحماية بين العراق والدول الغربية، نكتشف فجوة واسعة في عدة محاور. ففي الجانب القانوني، بينما تتسم التشريعات الغربية بالوضوح والتفعيل الصارم، يعاني العراق من ضعف في التنفيذ وتراخي في الردع القانوني، حيث يتم أحيانًا التساهل مع المعتدين على المعلمين لأسباب اجتماعية أو سياسية. في ما يخص الاستقلالية الأكاديمية، نجد أن الأستاذ في العراق غالبًا ما يُقيّد برغبات الإدارات أو القوى النافذة، بينما يتمتع زملاؤه في الغرب بحرية أوسع في البحث والتدريس. أما من الناحية الاجتماعية، فإن صورة المعلم في بعض مناطق العراق قد تراجعت نتيجة لضعف الوعي المجتمعي وعدم وجود خطاب إعلامي أو تربوي يعزز مكانته، في حين يحظى المعلم في الغرب بتقدير واسع على مستوى الدولة والمجتمع والمؤسسة التعليمية. كما أن التمثيل النقابي للمعلم في العراق يبدو شكليًا في كثير من الأحيان، على العكس من النقابات الغربية التي تشكّل أدوات ضغط حقيقية على الحكومات وتوفر غطاءً قانونيًا ومعنويًا لأعضائها . ولتحسين واقع الحماية في العراق، تبرز الحاجة إلى حزمة من الإصلاحات العميقة تبدأ بإصدار قانون خاص وشامل لحماية الكوادر التربوية والتدريسية، يتضمن عقوبات واضحة لكل من يتعرض للمعلم بالإساءة أو التهديد أو الاعتداء، سواء من داخل المؤسسة التعليمية أو من خارجها. كما يجب إعادة النظر بدور النقابات وتمكينها فعليًا من الدفاع عن حقوق أعضائها بعيدًا عن التدخلات السياسية، مع منح الجامعات استقلالًا إداريًا وأكاديميًا يحصّن الأستاذ الجامعي من أي ضغوط غير مهنية. كذلك ينبغي توفير بيئة تعليمية آمنة عبر دعم إدارات المدارس والجامعات بأنظمة حماية وأجهزة رقابة ومتابعة، إلى جانب تحسين الوضع المعيشي للمعلم من خلال رفع الرواتب وتوسيع مظلة التأمين الصحي والضمان الاجتماعي. ومن الضروري أيضًا العمل على نشر ثقافة احترام المعلم داخل المجتمع، من خلال الإعلام والمناهج التربوية والأنشطة المجتمعية، حتى يُعاد الاعتبار لهذه المهنة النبيلة وتعود لمكانتها الطبيعية كعمود فقري لبناء الدولة.إن النهوض بالتعليم لا يمكن أن يتحقق دون حماية من يقف في الصف الأول لتحقيقه. وإذا أرادت الدولة العراقية أن تبني نظامًا تعليميًا حقيقيًا، فعليها أن تبدأ من الأساس: حماية الأستاذ الجامعي والمعلم، لا بالخطابات، بل بالقانون والمؤسسات والاحترام الفعلي .