اللغة وسيط المعرفة.. والمعرفة اساس لكشف الحقيقة.. والحقيقة واحدة لا تقبل التأويل أو التضليل!!
منذ اكثر من اثني عشر عاما، ونحن نحتك بمشهد سياسي اقتصادي اجتماعي دراماتيكي وضعنا لعقود تحت طائلة الخوف من المستقبل، واصبح الثابت في حياتنا اليومية وحياة الاجيال القادمة من العراقيين. نواجه تراجيديا الموت والدمار والنهب والنصب والكذب والتهريج والخداع الذي بسبب الفساد السياسي توغل ولم ينته منذ أن بدأ. نصطدم بعنف، بأزمة تلو الاخرى، اكثرها تعقيداً، منظومة القضاء والفساد المالي والاداري الذي اوصل البلد الى طريق مسدود. مئة بالمئة، نتيجة اخطاء ساسة تصدروا صدفة السلطة وهم لا يتقنون السياسة ولا خبراء فيها، كما لا يفهمون شؤون الدولة والحكم ولا الفرق بين النزاهة من عدمها. بين الفساد والظلم، والايمان بالعدل وقدسية مشروع الدولة واحتياجاتها لرجال أشداء مخلصون بمقدورهم قيادة البلد نحو الاصلاح والتغيير، لا دمار مؤسساتها وتفتيت المجتمع وتهديم البنية التحتية وايصال الاجيال القادمة الى حافة الهاوية تعيش حياة سيئة جداً لا مستقبل فيها.
اكاد اجزم بان أغلب مَن تسلقوا المناصب العليا في الدولة العراقية ومنذ اول “مجلس حكم” شكله الحاكم بأمره بريمر ولغاية اليوم هم كيانات لصوصية همها النهب والاثراء على حساب الشعب ومستقبل معيشته. لا بل أن “مافيات” السياسة وما يعرف برؤساء الاحزاب، اسلامية أوعلمانية ـ عربية كانت ام كردية، هم وذويهم جزء مهم في ادارة عمليات الفساد والغش والسرقات وابتكار اساليبها. ولا استثني “إلا حالات قل نظيرها” أصحاب العمائم الذين انتحلوا المنسوبية عن ماضي لا شأن لهم فيه بغرض استثماره لاطماع شخصية ومصالح نفعية.
أن حماية الدولة كدولة وليس حماية الحكومة، حصرا، هو شأن وطني بامتياز. لكن على الدولة ونظامها ان ترعى قانونيا وقضائيا مبدأ احترام حقوق الشعب وسيادة الدولة ذاتها. انما على الحكومة اي حكومة ان تفي بالتزاماتها تجاه المجتمع ومصالحه العامة والوطنية وان لم تقم بذلك فعليها ان ترحل. واذا ما ترهل الحكم فان مسألة اصلاحه تبقى مسألة لا مفرمنها، على المجتمع اتخاذ التدابير الكفيلة بمعالجته من الاساس. واذا كان ثمة مسؤول كالعبادي يريد حقا التغيير والاصلاح، فعليه أولا أن يوفر آليات تحقيق ذلك في فترة زمنية قياسية دون مماطلة أو تسويف ثم يبدأ الشروع باعلان حزم الاصلاح كي لا تبقى حبر على ورق.. من جانب آخر، على المتظاهرين ان يضعوا لمطالبهم الشرعية واهمها اصلاح القضاء ومحاربة الفساد والمفسدين سقفا زمنياً محددا ليفهم رئيس الوزراء ومن حوله جدية المتظاهرين. كما وعلى الحراك الشعبي الذي حول التظاهرات منذ آب 2015 الى” ثورة جياع” ان يكون حذراً من الاعيب مافيات السياسة وان لا يتوقف عن النزول بالملايين للشارع في جميع المحافظات حتى ينهي الفصل الأول من تراجيديا الفساد والظلم والموت.
لا العبادي كمسؤول أول في الدولة ولا غيره ممن في السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية يريدون حقا الاصلاح والتغيير وتقديم المفسدين للعدالة. ولم يعنيهم أصوات المتظاهرين في الساحات العراقية والتي أيدتها المراجع الدينية العليا ودفعت بمطالبهم دفعاً قويا نحو الواجهة لمحاربة الفساد واصلاح القضاء. واذا ما اخذنا تصريح العبادي، ردا على دعوة المتظاهرين له للاستقالة من حزبه “الدعوة” طالما يكون رئيسا للوزراء، قائلا: بأنه لن يستقيل من الحزب ولا يريد ان يفرط بالاتلاف الوطني الذي ينتمي اليه حزبه ولا يمس القضاء، فضلا عن دعواته المتناقضة والتي تنسجم مع مواقف اعدائه السياسيين من ذات الكتلة، فاننا سنكتشف مدى استخفاف هؤلاء بالمجتمع العراقي قاطبة واصرارهم الاستمرار على خداع العقول لمؤانسة مصالحهم الشخصية دون سواها!!
واذا كان العبادي يتأرجح دون جدوى بين تعاطفه مع المتظاهرين ومطالبهم من جهة، وبين عدم استطاعته المضي قدما لتحقيق حزم الاصلاحات التي اطلقها منذ اسابيع من جهة اخرى، فعليه اما ان يخرج على العلن امام الشعب ليوضح موقفه وطلباته بشكل صريح لا لبس فيه، أو ان يرحل بعد ان يوضح اسباب ذلك ليعرف الشعب ما يجري في دهاليز الحكم ليقرر مصيره. وليدرك اي العبادي بانه في كلا الحالين سيكون المسؤول عن نجاة العراق واهله، أو ما ستؤول اليه الاوضاع من مواجهات صدامية قد يشتد ازيزها فتلحق الاذى بالجميع وأولهم الوطن المنكوب اصلا.
ويبدو ان مخططا مجهول المعالم يدور بين اروقة السلطات الثلاث والرئاسة لقلب الطاولة للحد من شأن المظاهرات وشل وملاحقة واعتقال نشطائها في كافة المحافظات وبقوة السلاح وتجنيد المرتزقة والمرتشين. واذا ما كان الدستور الذي يفترض ان يكون راعيا للعدل وتحقيق الامن والنظام، قاصرا، لا يستطيع ان يكون سبيلا لبناء دولة المواطنة ويحمي الشعب وحقوقه، فسوف يكون قد اسقط مصداقيته وكل القيّم والاعتبارات.
الحذر.. الحذر يا عبادي من غضب الثورة وقهر الجياع، فالمحيطين من حولك سينقضوا عليك قبل ان تستأثر بهم. فاسترشد العقل بالفعل لا بالقول ولا تفلت الفرصة من يديك وتقطع حبل النجاة.. الشعب!!