منذ أحد عشر شهرا ينتظر الشعب العراقي تشكيل حكومة تصوت على الميزانية التي تتوقف عليها الحياة الاقتصادية للبلد وحياة الناس ومعاملاتهم لكن أحزاب العملية السياسية لا تبدو انها تعير أي اهتمام لما يعيشه العراقيين اذ ان جل اهتمامها منصب على المعارك التي تخوضها طيلة هذه الفترة لفرض رؤيتها لتقاسم مغانم وثرات البلد وليس الاستجابة لنتائج الصناديق التي يتغنون بديمقراطيتها. وبدلا من ان تستعجل هذه الأحزاب بعد ظهور نتائج الانتخابات بالتصويت على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لتتشكل الحكومة، الا انها بدأت بعرقلة انعقاد جلسات البرلمان بعد افتعالها لتظاهرات حزبية امام المنطقة الخضراء لفرض الأحزاب الخاسرة وبالذات شخصية معينة لرئاسة الوزراء على الفائز وعرقلة مضيه في تشكيل الحكومة في ظل صمت متواطئ من المحكمة الدستورية، في حين ان هذه الأحزاب قد تعهدت في لقاء واسع لها قبل الانتخابات بقبول النتائج التي ستفرزها الصناديق!
ليس ذلك فحسب بل كان بإمكان المحكمة الدستورية، لو ارادت، ان تهدئ هذه المساجلات التي تعصف بالمشهد السياسي وباستقرار العراق منذ أشهر طويلة، باللجوء الى الدستور الواضح بتكليف الكتلة الفائزة برئاسة الوزراء وعدم العودة لتفسيرات ملتوية لرئيس المحكمة الدستورية السابق سميت بالعرف زورا لخدمة شخصية واحدة ومصالح مجموعة سياسية بعينها.
لكن اهم ما يجري في الساحة العراقية هو هذه التسريبات الخطيرة والمهددة للسلم الأهلي والاقتتال والحرب بين أبناء الشعب العراقي والمسجلة لرئيس الوزراء السابق ورئيس حزب الدعوة نوري المالكي والتي يتكلم فيها مع أعضاء من ميليشيات لواء أئمة البقيع ويقول لهم بأن الوضع يحتاج الى دماء تراق وبأنه مستعد للذهاب الى الحنانة وقتال مقتدى الصدر! ومنذ تاريخ التسريب الى اليوم يتغاضى القضاء والمحكمة الدستورية عن هذه التصريحات وكأن شيئا لم يكن ! ولو ان مثل هذه التصريحات بالقتل وتهديد السلم الاجتماعي صدرت عن سياسيين في أيا من دول العالم وتم تسريبها لاستقال الشخص من موقعه ولكان الحزب الذي ينتمي اليه قد اقاله وتبرأ من تصريحاته وقام القضاء باستدعائه والتحقيق معه ومسائلته! لكن القضاء لم يتحرك لمسائلة المالكي او رفع الحصانه عنه كما فعل مع النائب السني احمد الجبوري الذي ثبتت المحكمة عليه التهمة في سابقة بملفات الفساد يبدو الهدف منها هو التغطية على تسريبات نوري المالكي! ليس ذلك فحسب بل ان هذه التسريبات تظهر ان الجماعات المرتبطة برئيس حزب الدعوة وبحسب شهادة احد المنتسبين الذي صرح باسمه الحقيقي وتبرئه من هذه الميليشيات ذكر قيامهم بعمليات اختطاف وطلب فدية وباغتيالات في مقرات الحشد واختطاف اشخاص معوقين فكريا وتفخيخهم بأحزمة ناسفة ونسبهم لداعش في عمليات إرهابية للاحتفاظ بمناطق جديدة واخضاعها لسيطرتهم أضافة لقتل افراد الجيش العراقي والهجوم على ثكناتهم عمدا بأوامر من آمر العمليات العسكرية المرتبط بالمالكي في محافظة ديالى التي تعتبر الأولى بجرائم التطهير الطائفي اذ غيب رجالها وهجر سكانها بشكل واسع الى الصحراء حيث بضعه ملايين من المهجرين بمثل هذه العمليات الكاذبة.
اما الجريمة التي هزت قبل أيام العراقيين فهي خطف وتعذيب ميليشيات الحشد الشعبي لشخصية عراقية معروفة هو الشيخ اقبال دوحان الأستاذ الجامعي البالغ من العمر 81 عاما بتهمة جاهزة هي الانتماء لحزب البعث لكن الحقيقة التي يظهرها فديو له هو انه انتقد العملية السياسية وتحريفها وانتقد نوري المالكي الذي يدعي النضال لكنه يقترف بدوره الجرائم ضد مخالفيه وضد الشعب العراقي، وقد نشر أبنائه فديو يتحدثون فيه عن مراوغات الميليشيات في تسليم جثة والدهم واستلامها منهم بعد عناء كبير ليجدوا آثار التعذيب في انحاء جسده. الحادثة الأخرى التي جرت في نفس الوقت هي خطف رجل مسن بنفس التهمة وسرقة مبلغ 120 مليون أموال بيع بيته وتلفونات عائلته، اما اعتقالات الحشد الأخرى فهي لأربعة وأربعين شابا الصقت بهم تهمة “الجماعات المنحرفة” عقائديا وذلك لأنهم لا يتبعون ولاية الفقيه الإيراني وهم من الجماعة الصرخية المناهضة للعملية السياسية.
تحدث كل هذه الجرائم تحت سمع وبصر الجهات الرسمية الحكومية الصامتة والتي لا تتحرك سواء وزارة الداخلية او العدل او المحكمة الدستورية؟ كيف تترك كل هذه الوزارات الحكومية والقضائية الحشد الشعبي الذي لا يملك صلاحية توقيف او اتهام او خطف او التحقيق مع اشخاص، يقترف كل هذه الجرائم بدون ان تتخذ أي اجراء لإيقاف مثل هذه الاعتداءات والجرائم والتجاوزات بحق المواطنين الامنين؟ بينما تسارع نفس الجهات الأمنية التابعة للداخلية والامن باعتقال شاب بسيط خلال الزيارة الاربعينية من بين ملايين لقيامه بوغز إيراني بدبوس، وقد تجشمت وزارة الداخلية العناء والتكاليف المالية لإنتاج فديو وتوزيعه على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر القبض على الشخص في زيارة كربلاء واحالته للعدالة والقانون العراقي ليكون عبرة لغيره ممن يفكر بالاعتداء على مواطن ايراني!
تبين التسريبات والاغتيالات بالصوت والصورة حقيقة ونوايا نوري المالكي واتباعه من الميليشيات الولائية التي تستخدم طرق الاقصاء السياسي بالدم والسلاح والتهم الجاهزة، بالقتل والخطف والتعذيب لكل من لا يتفق سياسيا معها وان كل ما يجري منذ أحد عشر شهرا من عرقلة الإطار التنسيقي بقيادة المالكي لتشكيل الحكومة هو مناورات للوصول الى طموحاته غير المحدودة في الهيمنة والسيطرة على حكم العراق وجعله نظاما مشابها لنظام ولاية الفقيه الإيراني بقيادة المليشيات الولائية.
ان ما يدور في المشهد السياسي هو صفحة تالية من عملية سياسية ساقطة لفظها الشعب العراقي ليس بإمكانها الاستمرار لولا الدعم الأمريكي الإيراني، احزابها هزيلة، يتفاخر أصحابها اليوم بالمغانم والقصور وتأسيس البنوك والمضاربة بالدولار وشراء العقارات في نيويورك ولندن وليس تحمل مسؤولية أعباء البلد وخدمة الشعب. لذا، مع قرب موعد تظاهرات تشرين القادمة التي تواعد عليها شباب العراق وخططوا لموجة ثالثة في كل مدنه وخاصة الجنوبية والوسطى لإسقاط العملية السياسية الفاشلة، تنشر الميليشيات الولائية الرعب ضد أبناء الشعب العراقي ويتوزع افراد الحرس الإيراني في مواقع مهمة لمد يد العون للميليشيات الولائية في مواجهة الخصوم وقمع التظاهرات القادمة. وما اغتيال الأستاذ اقبال دوحان الا مثلا يقدمه قتلة الشعب العراقي الثائر لمن يريد الخروج والتظاهر ويطالب بتغيير العملية السياسية ليكون الشهيد الأول للموجة الثالثة لتشرين الذي يسقط ويلتحق بركب شهداء تشرين الآخرين.