العراق بين وهم التغيير واستمرار الفساد

العراق بين وهم التغيير واستمرار الفساد

كلما اقترب موعد الانتخابات في العراق تتجدد الأسئلة ذاتها: 

من سيغيّر من؟ 

الشعب أم الطبقة السياسية التي أتقنت فن البقاء؟ 

فبعد أكثر من عقدين على التجربة الديمقراطية ما زال العراق يدور في ذات الدائرة، ينتظر صندوقًا لا يحمل سوى إعادة تدوير الخيبة. 

منذ أول انتخابات بعد عام 2003، كان الوعد كبيرًا بأن الديمقراطية ستبني دولة وتعيد للوطن توازنه، لكن الذي حصل أن العملية الديمقراطية تحولت إلى وسيلة لتقاسم النفوذ وتثبيت الخراب باسم التعددية والحرية. 

فهل نجحت هذه الديمقراطية في بناء الدولة وإعادة الشعب إلى السكينة؟ 

أم أنها أضافت انقسامات جديدة إلى الجسد العراقي المنهك، من الطائفية والعرقية والمناطقية التي أعادت تعريف الهوية العراقية على أسس الفرقة لا الوحدة؟ 

الطائفية ليست وليدة اليوم، انها بدت منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 لكنها كانت محكومة بالقبضة الحديدية التي كان الطاغية يحكم بها البلاد والعباد، أما اليوم فقد خرجت من قفصها، تتغذى من الخطاب السياسي ذاته الذي يدّعي محاربتها. 

البيئة السياسية التي تسبق الانتخابات تعكس هذا الانقسام: 

أحزاب تتبدل أسماؤها ولا تتغير وجوهها، تحالفات تقوم على المصلحة لا على المشروع الوطني، وولاءات تمتد إلى ما وراء الحدود. 

النفوذ الإيراني حاضر من خلال أحزاب تمتلك المال والسلاح، والوجود الأمريكي ما زال فاعلًا وإن بدا صامتًا، أما دول الخليج وتركيا فتراقبان وتؤثران كلٌّ بطريقته إعلامياً ووسائل التواصل الإجتماعي ، حتى صار القرار العراقي موزعًا على طاولات الخارج أكثر مما هو في بغداد. 

وسط هذا المشهد يقف المواطن حائرًا بين وعيٍ متنامٍ ويأسٍ عميق. 

الوعي يولد من التجربة، واليأس من التكرار، والنتيجة أن جزءًا كبيرًا من الناخبين فقد ثقته بالعملية الانتخابية برمّتها. 

البعض يختار المقاطعة، ظنًا أنها احتجاجٌ صامت، لكن السؤال الذي لا يُطرح عليهم بوضوح هو: 

ما هي حلولكم؟ ما هي برامجكم؟ وكيف تنفذوها؟ هل يكفي إطلاق الشعارات من خلف الشاشات؟ أم أن التحريض عبر الفيسبوك والتيك توك سيعيد للعراق توازنه؟ 

أم أنكم تنتظرون قوة خارقة حارقة تأتي من الخارج لتعيد الأمور إلى ما قبل التغيير في 2003؟ المقاطعة بلا بديل سياسي فاعل ليست إلا مساحة فراغ تملؤها القوى ذاتها التي نشتكي منها. الانتخابات القادمة تبدو وكأنها اختبار جديد للديمقراطية المرهقة في بلدٍ لم يُشفَ من حروبه ولا من انقساماته. الصندوق وحده لا يكفي إذا بقي محاطًا بجدران الطائفية والفساد. 

ما يحتاجه العراق ليس انتخابات جديدة بل مشروع دولة حقيقية، دولة قادرة على استعادة مفهوم المواطنة من أنياب المكونات، وعلى إعادة الثقة بين الشعب ومؤسساته. 

فبدون ذلك ستبقى الديمقراطية مجرّد طقوس انتخابية تُمارس كل أربع سنوات لتمنح الشرعية لذات الخراب. العراق لا يفتقر إلى الأصوات، بل إلى الإرادة التي تحوّل الصوت إلى فعل، والانتخاب إلى وعي، والصندوق إلى بداية وطنٍ جديد لا يُدار بالولاء بل بالقانون، لا بالدم بل بالعقل. 

عندها فقط يمكن القول إن الديمقراطية بدأت تبني دولة، لا أن تهدم ما تبقّى منها.

ما يحتاجه العراق ليس انتخابات جديدة فقط ، بل ولادة دولة.

دولة لا تُدار بالعواطف ولا بالمحاصصة، بل بالقانون والمواطنة والعدالة.

فبدون ذلك، سيبقى الوطن معلقًا بين الأمل والخذلان،

وشعبه يتفرج على صناديقٍ تُفتح كل أربع سنوات… لتغلق في وجه الحلم ذاته

أحدث المقالات

أحدث المقالات