منذ ان تجاور العرب الى جنب الفرس لم يكف هؤلاء القوم عن ايقاع الاذى بسكان وادي الرافدين والاراضي التي تقطنها أقوام عربية وتشير الأحداث في التاريخ الى ان كورش الأول او قورش الكبير الذي حكم بلاد فارس (560-529 ق .ب ) قد اجتاح بابل بعد ان تم الاتفاق بينه وبين اسرى اليهود الذي سباهم الملك البابلي نبوخذ نصر الذي كان قد جهز جيشا الى مدينة اورشليم وقام بأسقاط حكم سلالة داود في مدينة اورشليم (القدس) وذلك من خلال الحملة الاولى 597 ق.م والثانية 587 ق.م وبقى هؤلاء الاسرى فترة طويلة داخل اسوار المدينة وتعلموا عادات وتقاليد اهل المملكة وعرفوا الوسيلة التي يمكن اختراق المدينة من خلالها وهو مجرى نهر الفرات الذي يمر بها واشاروا الى الفرس بذلك وفعلا تم تغيير مجرى النهر وبذلك بوغتت المدينة العظيمة بهجوم واسع من جيوش كورش الاول وسقطت بابل وسجل التاريخ اول اتفاق بين اليهود والفرس ولم يخلو التاريخ من معارك عنيفة وحروب طاحنة وقعت بين العرب والفرس من ابرزها 1- معركة سلوت انتصر فيها العرب على الفرس وذلك في القرن الاول ميلادي و2 -معركة ذي قار التي قال فيها الرسول الكريم ( اليوم انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا) كما ورد ذلك في كتاب الاغاني لابي فرج الاصفهاني و3- القادسية التي قصمت ظهر الامبراطورية الفارسية و4- حرب الثمان سنوات بين العراق وايران ورغم الاضرار التي تلحق بشعوب ايران والشعوب الاخرى الا ان حكام ايران مستمرين على هذا النهج العدواني منذ فجر التاريخ والى يومنا هذا ورغم ان العراق اعاد العمل في اتفاقية الجزائر الجائرة التي وقعها صدام حسين مع شاه ايران واعطاهم حق الملاحة في شط العرب على خط التالوك وبعدها اودع العراق 155طائرة بين حربية ونقل لدى ايران الا ان الاخيرة استولت على تلك الوديعة بموجب شريعتهم الاسلامية كما ساعدت ايران قوات الغزو في تقديم الدعم اللوجستي لها وبعد ان تم اسقاط النظام بدأت التنظيمات المسلحة التي تكونت هناك تدخل العراق والتي كانت تقاتل الى جانب ايران ضد العراق مثل منظمة بدر وبعدها بدأت تتوسع تلك التنظيمات وتشير التقارير الى بلوغ عددها 55 ميليشيا مسلحة بكافة انواع الاسلحة ومدربة تدريبا جيدا وقدم حزب الدعوة بشكل خاص الدعم الكامل لها او غض النظر عن تصرفاتها على اقل تقدير منذ تسنم الجعفري رئاسة الوزراء الى انتقالها لنوري المالكي واخيرا حيدر العبادي وقد مارست هذه المليشيات عمليات الخطف والتغييب والقتل والتهجير والاستيلاء على المال العام والخاص واصبحت القوات الامنية فاقدة السلطة وتخشى ان تزعج اي عنصر من تلك المليشيات واقتحمت بعض مراكز الشرطة والمعتقلات لاطلاق سراح عناصرها الاجرامية وقد تناقلت الاخبار عن حجز وزير الداخلية في بابل اثناء زيارته الاخيرة بعد الاحداث الاخيرة هناك ولم يسمح له الا بعد اطلاق سراح احد عناصر المليشيات المتهم بالقتل والتفجير وكما تردد ان بعض العناصر احتجزت رئيس الوزراء حيدر العبادي في بعقوبة ولم يطلق سراحه الا بعد ان توسط له بطل الحشد الشعبي نوري المالكي ومن المفارقات في دولة العراق الديمقراطية ان دستورها العتيد وفي المادة 9 ب اولا 🙁 يحضر تكوين مليشيات عسكرية خارج اطار الدولة والمادة 9 ثانيا : ( تنظيم خدمة العلم بقانون) وتشير المادة 14: العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي كما تشيرالمادة 15 : لكل فرد الحق في الحياة والامن والحرية ولايجوز الحرمان من هذه الحقوق او تقييدها الا وفق للقانون وبناءا على قرار صادر من جهة قضائية مختصه ولم يحصل اي شيء من هذه المواد الدستورية للمواطن بالعكس فأن ما حصل كان عكس ذلك بالضبط وتم الخرق من المسؤول الاكبر قبل الاصغر وحتى على مستوى المنظمات الدولية فممثلي الامم المتحدة ينسقون مع المرجعية في النجف بل اكثر من ذلك ان ممثل المنظمة الدولية يسافر الى النجف ويعقد اجتماع مغلق مع قيس الخزعلي زعيم مليشيا عصائب اهل الحق ؟؟؟ كما فعلها من قبل فخاااااااااااااااامة رئيس الجمهور المعصوم ورعاية مختار العصر وولي الدم وقاهر الارهاب وفاقع الفقاعة التي انفجرت في وجوه العراقيين جميعا نوري ابو احمد الرهيب لمؤتمرات عصائب اهل الحق ومنظمة بدر وحزب الله وغيرها من التنظيمات الخارجة على القانون
ولم تخفي هذه المنظمات ولاءها الى النظام الايراني وشخص الولي الفقيه علي خامنئي ولم ينكروا الدعم الكامل لهم من الحكومة الايرانية
اما القاعدة وداعش فهي بلا شك مدعومة من امريكيا ومن يسير في فلكها ويراعي مصالحها ولم يكتب كاتب او محلل سياسي خلاف ذلك ويعطي صفة الوطنية لهذين التنظميين او ماشابههما في العراق او سوريا او اليمن …………
والسنين تمر والضحايا تزداد والناس تعيش في جحيم لايطاق بين المطرقة والسندان بين ظلم الاسودين فتلك المليشيات التي تدعي انها تدافع عن المذهب الشيعي تجعل من السواد العام لهذه الطائفة وقودا لنارها وتلك القاعدة وداعش وماشابهها وقودها ابناء الطائفة السنية .. والطبقة السياسية التي ظهرت بعد الغزو الامريكي للعراق تعيش متنعمة بما لا يحلم به الاباطرة والاكاسرة وسرقوا كل شيء حتى كرامة الانسان واصبح بكاء الرجال الاعزاء مثل الاطفال مشهدا لايهز المشاعر ولا الذلة التي حصلت للنساء ولابؤس البراعم التي تفتت الاكباد تعني شيء لهؤلاء السوقة الجبناء الذين ابتلى بهم الشعب العراقي ويتحصنون خلف اسوار المنطقة الغبراء التي لابد يوما ستجرفها جموع الشعب وتصبح اجسادهم طعاما للكلاب والقطط
احتلت أمريكا العراق بمساعدة بريطانية فى ٢٠٠٣ لإسقاط صدام حسين، وبحجة نشر الديمقراطية، فكانت النتيجة بعد ١٦ سنة هى تسليم العراق تقريبا لإيران، وبروز القوى والأحزاب والعقليات الطائفية، وتشجيع المنظمات الإرهابية، وفى الختام اقتحام مجموعات عراقية موالية لإيران للسفارة الأمريكية فى بغداد، ومحاولة إحراقها، ثم تصويت البرلمان العراقى قبل ايام على اخراج كل القوات الاجنبية فى اشارة واضحة للقوات الأمريكية!
إنه مكر التاريخ، وعقابه القاسى لأولئك الذين يحاولون تطويعه بالقوة الغاشمة. من كان يتصور أن الولايات المتحدة التى رفعت لسنوات طويلة شعار «احتواء إيران» وحصارها، سوف ينتهى بها الحال فى العراق، لتكون مهددة طوال الوقت من قبل إيران، التى تحولت إلى اللاعب الأساسى فى الشئون العراقية منذ سنوات طويلة؟!
التطور الجديد والخطير أن أمريكا قتلت رجل ايران القوى قاسم سليمانى، ومعه بعض قادة الحشد الشعبى يوم الجمعة الماضى قرب مطار بغداد، وقبلها بأيام وجهت ضربة جوية لحزب الله العراقى فى بلدة القائم قرب الحدود السورية، أدت إلى مقتل ٢٥ شخصا وإصابة العشرات. وبعدها تظاهر الآلاف من العراقيين معظمهم عناصر فاعلون فى «الحشد الشعبى»، او متعاطفون معه، وتوجهوا إلى السفارة الأمريكية محاولين إحراقها، وهو الأمر الذى أحرج الحكومة بصورة شديدة، حيث تجد نفسها بين نارين، نار أمريكا التى ما يزال لها النفوذ الكبير، ونار إيران وحلفائها فى الداخل!
من كان يتصور أن الغزو الأمريكى للعراق فى مارس ٢٠٠٣، سيكون أفضل هدية قدمتها أمريكا «الشيطان الأكبر» لعدوتها اللدودة إيران؟!.. كان ذلك صعب التصور، لكنه ما حدث على أرض الواقع. لم نلاحظ وقتها أن الذين عادوا على الدبابات الأمريكية لحكم العراق الجديد، كانوا يعيشون فى طهران، أو على صلة بها، بل هناك تسريبات استخبارية، تقول إن بعضهم كانوا عملاء مزدوجين للمخابرات الأمريكية والإيرانية.
طهران وقتها لم تعارض الغزو، ولم تقف ضده، ربما لأنها كانت تدرك أنها ستكون الفائز الأكبر، وهو ما حدث بالفعل، حيث صارت هى الناخب الأول فى العراق. حلفاؤها هم من يفوزون بأعلى الأصوات، وهى من تختار وتسمى رئيس الوزراء فى مرات كثيرة. ورجلها القوى الراحل قاسم سليمانى، كان هو الرجل الأقوى فى العراق، بل وفى المنطقة، خصوصا سوريا واليمن ولبنان. بضائعها تملأ الأسواق العراقية. وقادة الميليشيات أو «الحشد الشعبى» المسلحة بأسلحة متنوعة، يتحدون حكومتهم ويعلنون أنهم سوف يحاربون مع إيران، إذا اشتبكت مع أمريكا أو إسرائيل. المفاجأة السيئة لإيران أن غالبية الشعب العراقى قد اكتشف الخديعة الكبرى بعد كل هذه السنوات، وخرج فى مظاهرات عارمة ضد الطبقة السياسية الفاسدة، والأخطر أنه استهدف المصالح والوجود الإيرانى فى العراق، وهتف ضد إيران وقادتها ومرشدها والأحزاب الحليفة لها.
طهران تحاول عبر وكلائها الالتفاف على هذا الانقلاب الاستراتيجى. وفى النهاية بدأت تستخدم هؤلاء الوكلاء فى إزعاج الأمريكيين فى العراق بالمظاهرات حينا، وبصواريخ الكاتيوشا حينا آخر.
إيران استخدمت أمريكا فى العراق، لتحقيق أهدفها منذ عام ٢٠٠٣، بل ربما منذ غزو العراق للكويت فى ١٩٩٠، وحصلت على مكافآت مجزية، لكن يبدو أن أمريكا باغتيال سليمانى، تحاول سلب إيران بعض هذه الأوراق التى حصلت عليها. إيران اعتقدت أنها حصلت على الجائزة العراقية للأبد أو على الأقل لعقود طويلة، ثم استيقظت فجأة لتكتشف أنه لا شىء مضمون فى السياسة، وأنه لا يمكن الاعتماد فقط على حفنة من السياسيين، طالما أن الشعب نفسه وفى قلبه الطائفة الشيعية، قد ثاروا على كل الطبقة السياسية بغض النظر عن مذهبهم وعرقهم.
التاريخ كان شديد المكر مع الأمريكيين ومع الإيرانيين فى العراق. كل طرف اعتقد أنه فاز أو حصل على جوائز كبرى، استيقظ على كابوس كبير. الأمريكيون لم يصدقوا أنفسهم وهم يرون القوى السياسية التى حملوها على دباباتهم إلى قصور الحكم، تتمرد عليهم بل وتطالب بطرد ما تبقى منهم.
والإيرانيون الذين ظنوا أنهم هيمنوا تماما على العراق، فوجئوا بالشعب، وفى القلب منه الطائفة الشيعية، تثور على إيران، وتحرق قنصلياتهم وتهتف ضد رموزهم الدينية، وتبعث رسالة مهمة جدا لإيران ولأمريكا: أنهم عراقيون ويرفضون أى احتلال سواء كان أمريكيا أو إيرانيا، حقا ما أمكر التاريخ!
سياسة امساك العصا من الوسط بين عدوين لن تكون ابدا ودائما المنجى وطريق الخلاص لاي بلدتضعه اقداره بين قوتين متناحرتين في جغرافيا سياسية ملتهبة ، ولاسيما اذا لم يفلح قادته السياسيين والشعبيين والرسميين الحكوميين في ايجاد معادلة تحكم التعامل مع الراهن بحسب تداعياته وتطوراته بما يمنع الميلان الى كفة على حساب اخرى لتحرق نار الاثنين حطب البلاد واخضره .
وما وقعت فيه الحلقة العليا من النخبة الحاكمة في العراق ياتي في هذا السياق ،فقد جرب السيد المالكي سياسة امساك العصا من الوسط بين ايران وامريكا وتمكن من الحصول على مكتسبات اضافت الى رصيده السياسي ما مكنه من الاستمرار في ولاية ثانية ،لكن القول في ظل تطورات الاوضاع في الشرق العربي وقلبه العراق ان المالكي يمكن ان يحصل على ولاية ثالثة وعلى وفق نفس القواعد السلوكية محليا ودوليا واقليميا فهذا ضرب من الحمق او الجهل بمتحركات الساحه، ان التوجه الامريكي لاعادة ترتيب المنطقة عبر احداث تغيير دراماتيكي اخر يقرن بما حدث في العراق – في سوريا – وبالقوة العسكرية ،يضرب طموحات ايران ومشاريعها في الصميم ،فسيقلب الطاولة على مشروع ام القرى والهلال الشيعي والمشرق الاسلامي ،وحتى على ابسط طموحات ايران في لعب دور فاعل دولي في منطقة الشرق الاوسط كذلك لعبته ايران في الخليج ايام الشاه اويوازي الدور التركي او الاسرائيلي بعد اضمحلال الدور المصري ، اقليميا ،يعني ضرب ستراجية وجود النظام الايراني في القلب وهوما سيدفعه حتما الى رد فعل من النوع الثقيل على وفق مبدأ – علي وعلى اعدائي – او الذهاب الى حافة الهاوية التي شاهدنا مقدمتها في جريمة الهجوم على مخيم اشرف في العراق الذي يستوطنه اللاجئون المعارضون الايرانيون وقتل 52 لاجئا بدم بارد وتخريب ممتلكات السكان من دون اي حساب لرد فعل حكومي عراقي او امريكي او دولي ،مع ان الجريمة اثارت ضمير العالم كله ،وهذا يدفع الى القول بيسر ان سياسة مسك العصا من الوسط التي لم تكن تملك ما يدعمها من قوة واوراق تضمن نجاحها ،ونجاحها الوحيد كان في قبولها مرحليا من قبل الخصمين على انها وسيلة ناجعة لتجنب الصدام ،فلم يكن لدى الحكومة العراقية ما يمكنها ان تردع ايران اذا ما فكرت في فرض امر واقع لصالحها وليس في يده ايضا ما يردع امريكا لذلك فان تحوله الى ارض قتل وخنادق متقابلة بين ايران وامريكا امر متوقع جدا ويكاد يدخل حيز اليقين وهو ما المح اليه قيادي في دولة القانون في حديثه لجريدة السياسة الكويتية مؤخرا حين اكد (أن الإدارة الامريكية طلبت من بغداد إقامة منطقة مراقبة جوية فوق العراق طيلة المدة التي ستستغرقها الضربات العسكرية الوشيكة ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد.
وأكد أن بلاده يمكنها بسهولة ان تعلن أنها تنأى بنفسها عن ما سيجري في سورية عبر الضربات غير أنه على المستوى العملي والستراتيجي لا تستطيع أي جهة عراقية ان يضمن تنفيذ سياسة النأي بالنفس “لأن العراق سيكون في قلب الحرب وليس بجوارها) ولنترك بقية الحشو جانبا ، فان الخطوة المتوقعة للنظام الايراني الان هي التقدم واستثمار مرور جريمتها في مخيم اشرف للاجهاز على البقية واشعار امريكا ان كل خططها في العراق في حال التهاب الجبهة السورية ستكون في مهب الريح ، لذلك فان على الحكومة العراقية في هذه المرحلة التوجه ليس للنأي بالنفس وحسب وانما الاحتماء بالمجتمع الدولي من تداعيات التهاب المنطقة وليس من سبيل اخر على الاطلاق والعمل على توفير مصد حام لمن تبقى من سكان اشرف وايجاد حل سريع وعادل لقضيتهم ، منعا وايقافا للمزيد من انهيار احترام الارادة والســـيادة السياسية الوطنية والدولية العراقية .
يعيش العراق وضعا حساساً لوقوعه بين التأثير الأمريكي، الذي صنع التغيير الحاسم فيه عام 2003، وتأثير إيران، التي تمددت في العراق مستفيدة من قيام إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن بالقضاء على عدوها اللدود صدام حسين، بما أتاح لأحزاب سياسية عراقية وثيقة الصلة بإيران أن تتولى السلطة. وطالما احتكت القوات الأمريكية والمصالح الأمريكية بنفوذ الجانب الإيراني، لكنّ الأمر لم يتطور قط إلى مواجهة شاملة، بيد أنه هذه المرة ربما يختلف الأمر، ويقول العطية: “في تقديري أنّ العملية الأمريكية كانت لصالح إيران أكثر مما هي لصالح أمريكا”
ويمضي مدير المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية في لندن إلى القول بأن “السؤال الكبير هنا: هل أمريكا مستعدة لمواجهة عسكرية شاملة مع إيران؟ الجواب: لا…خاصة وأن دونالد ترامب يواجه مشكلة في الكونغرس بشأن عزله، ويواجه مشكلة بسبب الانتخابات المقبلة، ويواجه مشكلة أخرى في أنّه طالما أعلن أنه لا يريد التدخل العسكري، وهو الذي أعلن عن تخفيف وجود قواته في أفغانستان، لا بل حتى في العراق، وبالتالي فالمواجهة الكاملة بين البلدين غير واردة”.
ويرى العطية أنّ البيان الأمريكي الذي صدر حول الضربة فيه دعوة للتهدئة وليس دعوة للتصعيد، وأنه امتدح الحشد في بعض الجوانب، باعتباره قد قاتل تنظيم داعش، وكان في مجمله خطاباً يدعو إلى التهدئة.
في خضم التوترات الأمريكية الإيرانية يبدو أن العراق سيكون أول النازفين والمتأثر الأبرز من مضاعفات هذا التصعيد الذي تحاول حكومة عادل عبد المهدي جاهدة إبعاد شبح الحرب عن حماها وتلافي أي تبعات قد تؤثر على البلد الذي يعيش حالة من التردي والترهل السياسي والاقتصادي وقد بات مساحة جغرافية تحاول دول حليفة محلية وإقليمية تصفية حساباتها على أرضه.
فبين الوقوف مع الولايات المتحدة أو الانتصار لعدوتها إيران الصديقة وجدت بغداد نفسها بين نارين رأتْ فيها ضرورة الوقوف حيادا وعدم الانحياز الى أي منهما الطريق الأسلم لتجنب الانزلاق في حرب جديدة وخوفا من الاكتواء بصراعات لا تزيدها إلا اضطرابا وفوضى.
تصريحات عبد المهدي المتتالية والواضحة بالنأي ببلاده عن أي صراعات تخوضها دول المنطقة بالوكالة جاءت من منطلق الحفاظ على مصالح العراق العليا ومن المنطلق ذاته قدم عرضا بالوساطة بين واشنطن وطهران.
واصطدم وضوح الموقف الرسمي بحياد العراق في هذه المعركة بمواقف عدد من الأحزاب والشخصيات المتنفذة في مؤسسات الدولة أمنية كانت أو عسكرية التي وقفت إلى جانب إيران ضد الولايات المتحدة حتى إن بعض الأطراف هددتْ صراحة باستهداف مصالح الولايات المتحدة في العراق أذا تعرضت إيران لأي خطر.
ويرى مراقبون أن التطورات الجارية لاتخفي حقيقة أن العراق سيظل الساحة الأقرب لأي صراع محتمل بين واشنطن وطهران .
لقد وضعت الفترة الانتقالية في الولايات المتحدة الشرق الأوسط على حافة الهاوية، ولاسيما إيران والعراق، اللتين تواجهان خطر الوقوع في حرب بالوكالة، فضلاً عن التأثيرات التي لا يمكن التنبؤ بها المترتبة على فرض المزيد من العقوبات. والواقع أن بعض اللاعبين الإقليميين الذين لديهم علاقات وثيقة بدونالد ترامب يحاولون -بالفعل- تعظيم مكاسبهم من خلال المناورات العنيفة، مع زيادة المخاطر في الأسابيع الأخيرة من رئاسة ترامب. وبالنسبة للعراق، فإن الفترة الانتقالية محفوفة بالمخاطر، وهو ما يعكس المخاطر التي سوف تستمر في إثارة المتاعب لبغداد حتى بعد أن يتولى جو بايدن منصبه.
إن المأزق الذي يعيشه العراق يبسط شرحه ولكن يصعب معالجته؛ لأن رفاهة البلاد تعتمد إلى حد كبير على علاقاتها المتشابكة إلى حد كبير مع إيران، جارتها من الشرق، وشريكته التجارية الأكثر أهمية، واللاعب الأجنبي الأكثر سيطرة في أمن العراق. وفي الوقت نفسه، أصبحت إيران في مرمى الولايات المتحدة، والسعودية، وإسرائيل بنحو مباشر؛ الأمر الذي يضع العراق في موقع يتعذر الدفاع عنه. إن مصالح بغداد -من حيث علاقتها بطهران- لا تنسجم ومصالح واشنطن. وإن استقرار العراق وروابطه الطيبة بإيران ليس له تأثير مباشر على الاقتصاد الأميركي أو الأمن القومي. وعلى النقيض من هذا، تشكل العلاقات الثنائية بين إيران والعراق أهمية بالغة لكل من البلدين، فهي راسخة في التأريخ وسوف تستمر على الرغم من التهديد بالمقاطعة، والعقوبات، والحرب.
ومهما كانت رغبة العراق في تقبل حسن نوايا الولايات المتحدة (والعديد من زعمائها وفصائلها)، فليس من الممكن أن تتمنى له الابتعاد عن ترابطه بإيران. لقد أثبت التأريخ الحديث أن إيران، بحكم كونها جارة للعراق، تعدّ شريكاً أكثر اتساقاً مع العراق مقارنة بالولايات المتحدة، التي على الرغم من كونها قوة عظمى في منطقة تتطلع إلى الزعامة، إلا أنها عانت لتحديد علاقتها مع العراق. وفي ظل إدارة جديدة، يتعيّن على الولايات المتحدة أن تسعى إلى وضع سياسة جديدة في التعامل مع العراق لا تستند إلى علاقة أي من الدولتين بإيران، بل تسعى بدلاً من ذلك إلى تحقيق أهداف مشتركة، والاستفادة من حاجة العراق إلى المساعدة ورغبات الولايات المتحدة في رؤية ديمقراطية مستقرة في العراق.
تعد الحدود الإيرانية-العراقية التي يبلغ طولها 1000 ميل واحدة من أقدم الحدود في العالم. إن التاريخ المشترك للدولتين يمتد إلى أقدم الحضارات منذ عدة آلاف من السنين. وكلا البلدين يتقاسمان الثقافة والمجتمعات، بما في ذلك التجمعات السكانية الكردية الضخمة. إن غالبية العراقيين من الشيعة المسلمين، تماماً كما هو الحال عند أغلب الإيرانيين، والهوية الدينية الشيعية المشتركة تدفع التبادل المكثف الذي يتمحور حول الأضرحة المقدسة، التي تجتذب رجال الدين، والطلبة، والملايين من الزوار عبر الحدود كل عام. وهناك أيضاً بطبيعة الحال اختلافات ملحوظة بين البلدين: فالعراق لديه هوية عربية إلى حد كبير في حين أن إيران فارسية إلى حد كبير. وكلا البلدين لديهما ذكريات مريرة للحرب الوحشية بينهما في الفترة من 1980 إلى 1988، التي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الجنود والمدنيين من البلدين. يحكم الدولة الإيرانية رجال الدين، في حين يتمتع العراق بنظام ديمقراطي –ولكنه ضعيف. ولدى كلا البلدين أيضاً -لأسباب مختلفة ولكنها ذات صلة- تاريخ حديث مضطرب مع الولايات المتحدة.
وبعيداً عن العلاقات السياسية القديمة التي تربط إيران والعراق، فإن العلاقات الاقتصادية بين البلدين بالغة الأهمية إلى الحد الذي قد يؤثر على الحياة اليومية. هناك أكثر من 10 ملايين رحلة بين إيران والعراق سنوياً، وتقدر قيمة التجارة الثنائية بمليار دولار شهرياً. ويعتمد العراق على الواردات من الغاز والكهرباء الإيرانية لقطاع الطاقة، ومجموعة من السلع والمواد التي تدعم الصناعات العراقية، بما في ذلك البناء.
هناك اعتراف بأن إيران شريك أكثر جدارة بالثقة من الولايات المتحدة، فحينما استولى تنظيم داعش الإرهابي على أجزاء كبيرة من العراق في حزيران 2014، كانت إيران أول من قدم الدعم للحكومة العراقية، في حين امتنعت الولايات المتحدة عن تقديم المزيد من المساعدات لمدة شهرين إلى أن تم تشكيل حكومة جديدة تناسب رؤيتها، وكان اهتمامها بالسياسة العراقية متقلباً إلى حد كبير على مدى العقد الماضي. وعلى النقيض من ذلك، لم تعلن إيران عن وجودها العسكري، وكانت أكثر اتساقاً في سياستها الخارجية. والحقيقة البسيطة هنا هي أن إيران سوف تظل دوماً إلى جوار العراق، ولسوف تتدخل إلى حد كبير في الأمر؛ ولا نستطيع أن نقول الشيء نفسه عن الولايات المتحدة. وكان الاعتراف بهذه الحقيقة واضحاً في الجهود التي بذلها باراك أوباما للانفصال عن العراق، وظل واضحاً خلال رئاسة ترامب. ومن غير المرجح أن يتغير اتجاه الولايات المتحدة في الانفصال أثناء رئاسة بايدن، فالولايات المتحدة تتمتع بقدر محدود من اللعبة في العراق.
من الواضح أن إيران ليست طرفاً مؤثراً في العراق. وتدعم طهران الجماعات شبه العسكرية التي تقوض الدولة العراقية، وتستنزف مواردها، وتستخدم العنف والتخويف لمعاقبة الأصوات الناقدة، وتنتهك حكم القانون بشن هجمات صاروخية ضد المنشآت الدبلوماسية والحكومية. ولقد سمح ضعف الدولة العراقية بمثل هذا التطفل، إلا أن الولايات المتحدة ارتكبت أخطاءً خطيرة منذ العام 2003؛ الأمر الذي أدى إلى خلق ذلك المأزق. ومؤخراً، نظرت إدارة ترامب إلى العراق باعتباره امتداداً لسياستها في إيران، وعلقت التهديد بفرض عقوبات ثانوية بشأن بغداد لمدة ثلاث سنوات على التوالي. وقد قام ترامب بتصعيد خطير مع اغتيال اثنين من كبار المسؤولين الأمنيين، أحدهما إيراني والآخر عراقي، في مطار بغداد في كانون الثاني من هذا العام. وقد عززت تلك الضربة -فضلاً عن انتهاك القانون الدّوليّ- فكرة أن المهمّة الأمريكيّة في العراق كانت تركز على إيران وقليل من الأمور الأخرى.
إن الدول العربية، ولاسيما دول الخليج، لم تبذل قدراً كبيراً من الجهد لدعم العراق منذ العام 2003، وعدّت النفوذ الإيراني في العراق سبباً لمقاطعة العراق بدلاً من التنافس مع إيران. ولقد شجعت الدول العربية ذات النفوذ والأثرياء على انتهاج سياسة صقور أمريكا في التعامل مع إيران، مدركين أن العواقب القاسية المترتبة على مثل هذه السياسة ستكون وخيمة في العراق، وسوريا، ولبنان ولن يتكلف هذه السياسة إلا أقل القليل. وبالمضي قدماً فقد يكون تصحيح المسار ممكناً، ولكن الأمر يتطلب صبراً استراتيجياً من جانب هذه الدول. وسوف تظل إيران اللاعب المهيمن في العراق، ولكن تعزيز العلاقات مع العالم العربي من شأنه أن يخفف بعض هذا النفوذ وأن يمنح الدولة العراقية المزيد من المرونة والصمود. لا شك أن الكثير يعتمد على العراق نفسه وقدرته على إدارة السياسة الداخلية والخارجية على النحو اللائق، والتغلب على الأزمات، وتنفيذ الإصلاحات.
إن العراق لا يستطيع أن يتحمل تكاليف العلاقات المتوترة مع إيران. وإذا أرغِم العراق على الاختيار بين الولايات المتحدة وإيران، فسوف يختار الأخير. وعلى الرغم من ذلك فإن العراق لا يرغب أن يكون في موضع الاختيار، بل إنه يفضل الحل الوسط: أن يكون جاراً طيباً لإيران، وصديقاً طيباً مع الولايات المتحدة. إن هذا التوجه العملي يعدّ ضرورة أساسية للعراق، ويتعين على الولايات المتحدة أن تحترم هذا الموقف. وقد بدأ العراق حواراً استراتيجياً مع الولايات المتحدة التي تحاول تعزيز سياسة أرضية متوسطة. يحتاج العراق أيضاً إلى حوار قوي مع إيران لدحض الآراء المتداولة بأن إيران تفضل دولة عراقية ضعيفة يسهل السيطرة عليها، فالواقع أن العراق وإيران يصبحان أقوى حينما يُحكَم العراق بنحوٍ جيد؛ وبالتالي فإنه سيسترعي قدراً أقل من الاهتمام السلبي من أعداء لإيران. ومن المنظور الأميركي فإن رغبة العراق في إقامة علاقة وثيقة مع إيران قد تكون بمثابة الدواء المر الذي سيتوجب عليها تجرعه، ولكن كلما سارعت إدارة بايدن إلى إدراك احتياجات العراق الحقيقية، وإن إرغام العراق على الاختيار يعدّ توجهاً خاطئاً، كان ذلك أفضل. وقد تتعاون بغداد مع واشنطن، ولكنها لا تستطيع أن تنكر أو تقطع علاقاتها مع طهران؛ وهذا ببساطة هو الواقع الجيوسياسي.
فيما يخص الإدارة الأمريكية القادمة، لن تكون سياسة العراق أولوية، وقد يستغرق تطويرها عدة أشهر. وقد تؤثر الفترة الانتقالية من ترامب إلى بايدن على كيفية تشكيل هذه السياسة. وقد تؤدي أحداث التصعيد الأخرى، مثل العقوبات الجديدة والهجمات الصاروخية على السفارة الأمريكية في بغداد، أو الانتقام من الأصول الإيرانية أو العناصر الموالية لإيران في العراق، أو اغتيال المسؤولين والعلماء الإيرانيين، إلى تحريك عجلة من شأنها تمكين صناع السياسات العراقيين والإيرانيين المتشددين، أو الصقور الأمريكيين، إن مثل هذه التّطوّرات بدورها أن تدفع العلاقة بين العراق والولايات المتحدة إلى موقف سلبي. وفي مثل هذه الظروف، فقد يتم دفع إدارة بايدن إلى التعجيل بالانسحاب العسكري للولايات المتحدة، فضلاً عن فك الارتباط الدبلوماسي مع العراق. وفي غضون أشهر من توليه منصب الرئيس، ربما يعود بايدن إلى حيث كان -على وجه التحديد مع السياسة التي انتهجها في العراق في عام 2011- حينما قلّصت الولايات المتحدة العلاقات مع العراق إلى الحد الأدنى؛ واتضح فيما بعد أنه كان لفترة قصيرة.
وحتى لو تجنّب العراق هذا السيناريو، وإذا ما تحسنت الأوضاع فيه في عهد بايدن، فلسوف يظل هناك خلاف بين ما تريده الولايات المتحدة من العراق فيما يتعلق بإيران، وبين ما ترغب بغداد في فعله وما تستطيع فعله. إن التفاوض على أرض محايدة مَهَمةٌ بالغة الصعوبة بالنسبة للعراق، الذي لا يمتلك سوى نفوذ قليلة مع أي من البلدين. لقد حقق العراق في الماضي -وبالتحديد في 2015-2016 أثناء ذروة الحملة ضد تنظيم داعش الإرهابي- توازنا، إذ كان يحصل على الدعم والمساعدة من طهران وواشنطن مع تجنب الانجرار إلى الصراع الإقليمي الذي يميل إلى تعريف كل دولة في الشرق الأوسط بأنها جزء من محور موالي أو مناهض لإيران. قبل خمس سنوات، كان العراق في وضع أفضل يسمح له بالسعي إلى تحقيق هذا التوازن بسبب الوفاق الذي نتج عن خطة العمل الشاملة المشتركة (الصفقة النووية الإيرانية)، ولأن كلاً من إيران والولايات المتحدة أرادتا دعم الحملة ضد تنظيم داعش الإرهابي. والآن، يتعيّن على العراق أن يعتمد بنحوٍ أكبر على نفسه للحصول على اعتراف من إيران والولايات المتحدة بأن بغداد تحتاج في الوقت نفسه إلى علاقات مستقرة مع كليهما. وبينما يعمل العراق على تحقيق هذا الاعتراف، فإن الخلاف بين الدول الثلاث سيكون حتميا.
إن توقعات العراق متراجعة فيما يتعلق بالتأثير الإيجابي الفوري الذي قد تخلفه رئاسة بايدن. ويرجع جزء من هذا إلى الدور الذي لعبه بايدن في قيادة السياسة الأمريكية في العراق في أثناء ولاية أوباما، حينما انهت الولايات المتحدة تعاملها مع العراق. إلا أن ظهور تنظيم داعش الإرهابي أدى إلى تراجع الولايات المتحدة عن قرارها ولو على مضض. إلا أن أغلب هذه التوقعات المتراجعة تعدّ اعترافاً بمدى تعقيد الأوضاع في المنطقة في عهد ترامب، ولاسيما انعدام الثقة الحاد بين إيران والولايات المتحدة، وتحول العراق إلى ساحة لتسوية الحسابات. قد يكون بايدن براغماتياً في نظر قادة العراق، ولكن هذه النوعية تخدم المصالح الأميركية في المقام الأول، ولن تساعد العراق بالضرورة في المواقف الصعبة. ويشير التأريخ إلى أن بايدن قد لا يكون حريصاً على بذل المزيد من الجهد في العراق، وهناك رغبة ضئيلة في السياسات الأمريكية في المشاركة في شؤون العراق. وفضلاً عن ذلك، فإن المسار الذي حدده ترامب قد يكون من المستحيل بالنسبة لبايدن أن يغيره.
وفي نهاية المطاف، يتعيّن على بغداد أن تدير علاقاتها مع جيرانها، بصرف النظر عن مصالح الولايات المتحدة في العراق أو المنطقة. ويتعين على العراق أن يزيد من نفوذه مع الدول المجاورة مثل تركيا والمملكة العربية السعودية، لتعميق علاقاتها مع العراق، وهي علاقات سطحية الآن وغير مباشرة. ويتعين على العراق أن يحافظ على علاقات صحية مع إيران، ولا ينبغي له أن يدفع ثمناً لذلك. ولا تستطيع دول أخرى أن تطالب العراق بقطع علاقاته مع إيران، تماماً كما لا تستطيع إيران أن تصر على أن يرفض العراق جميع العلاقات الخارجية الأخرى. ويتعين على الولايات المتحدة أيضاً أن تواجه مسألة مماثلة. ولكن هل ستتمكن من إيجاد وسيلة لإقامة شراكة قوية مع العراق، في حين تقبلها علاقة العراق المتزامنة مع إيران؟